يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن قرب انتهاء "الأزمة السورية"، وقد صاحب هذا الحديث، أحاديث عن كثرة المصالحات والاتفاقيات "السرية والعلنية" مع النظام المجرم الذي ارتكب أبشع الموبقات هو وحلفاؤه على مرأى ومسمع من العالم كله بحق شعب لا ذنب له، إلا أنه يقول ربي الله وأراد أن يعيش بكرامته.
والمتتبع لهذا الحديث يدرك بأنه حلقة من حلقات تآمر القائمين على النظام الدولي الجائر، فهم وعلى رأسهم أمريكا الذين كانوا قد ادَّعوا بالأمس زوراً وبهتاناً بأنهم أصدقاء للشعب السوري، هم من يحوكون المؤامرة تلو المؤامرة للقضاء على هذه الثورة المباركة.
فقد انكشف وجه أمريكا القبيح على حقيقته كانفلاق الصبح، كما انكشفت وجوه حكام المسلمين على حقيقتها السوداء، فما كان سراً قد أصبح اليوم جهراً وعلى رؤوس الأشهاد، فأمريكا ومنذ اليوم الأول لثورة الشام المباركة وهي تقف خلف نظام الأسد وتسانده بكل ما أوتيت من قوة سياسية وعسكرية ومالية عبر عملائها وحلفائها وأدواتها، فمنحته المهلة تلو المهلة أملاً في انتصاره على هذه الثورة ووأدها.
فقد كلفت إيران بالدعم العسكري والمالي، ثم جلبت حزبها اللبناني والمليشيات الطائفية المشبعة بالحقد تساند ما تبقى من قوات للنظام حتى صرح زعيم حزبها "بأنه لولا تدخل إيران وحزبها لسقط النظام".
وأوكلت لروسيا بدايةً مهمة الدعم السياسي وعرقلة أي قرار يدين النظام، كما سمحت لها بتوفير السلاح اللازم لدعم جيش النظام في البداية، ثم أوعزت لها بأن تأتي بقواتها الهمجية وتنفذ أقذر الجرائم التي عرفتها البشرية، مجربةً شتى أنواع الأسلحة الفتاكة في أجساد أطفال الشام، فدمرت المدن فوق ساكنيها ولا تزال تفعل ذلك في الرقة ودير الزور بحجة محاربة (الإرهاب)، وقد صرح رئيس غرفة عملياتها العسكرية متبجحاً بأن قواته المجرمة منذ دخولها سوريا قد نفذت أكثر من 28 ألف عملية تحليق وقامت بتنفيذ أكثر من 90 ألف غارة.
وقد هيأت - أمريكا - لنظام تركيا الدور المسموم في تبني المعارضة المستحدثة من المجلس الوطني والمجالس العسكرية والائتلاف وتهيئة هذه المعارضة وبلورتها لتكون لها اليد الطولى في تطبيق الحل الأمريكي في الشام، ثم أوعزت له الدخول المباشر في عملية درع الفرات وما نتج عن ذلك من تسليم مناطق حيوية للنظام المتهالك في حلب وشرقي حلب وقبل ذلك في الساحل وما قد ينتظر محافظة إدلب من شر مستطير.
وقد أوعزت لمصر فتح قنواتها البحرية لمرور السلاح الإيراني وتوفير الدعم السياسي للحل الأمريكي بتنسيق كامل مع معارضة الخارج، وسمحت لحكام العراق الخونة بفتح ممراتهم الأرضية والجوية لنقل المرتزقة من العصابات الإيرانية والعراقية للدخول إلى سوريا والمحاربة في صف النظام.
وسخرت أدواتها الإقليمية والدولية كالجامعة العربية والأمم المتحدة لتبني الحل السياسي الأمريكي وقطع الطريق أمام أي حل آخر قد يزعزع أركان النظام وتبعيته لها، وفرضت طوقاً على سوريا لمنع وصول الأسلحة للثوار، إلا بما يخدم خططها الخبيثة لاحتواء الثورة وجرها نحو الإناء الأمريكي الاستعماري.
أما الدور الخليجي والمتمثل بالسعودية وقطر والإمارات فقد كان دوراً خطراً هداماً، إذ استطاعت بالمال السياسي القذر أن تشل الفصائل وتجعلها مقيدة في محاربتها للنظام، عدا عن الدور الإجرامي الذي كشفه وزير خارجية قطر الأسبق حمد بن جاسم من أنهم قاموا بتصفية الفصائل التي كانت تخرج عن طاعتهم الواحد تلو الآخر.
وأما الأردن فاستعانت بخبراته المخابراتية للتجسس على الثوار وفتح أراضيه لتدريب مقاتلين هدفهم السيطرة على الثورة وسحب البساط من تحت أرجل الكتائب المجاهدة، وليس بعيداً عن ذلك ما يحصل من تسليم لمناطق شاسعة في البادية السورية للنظام بأوامر مباشرة منه، فضلاً عما يخطط له الآن من فتح معبر نصيب كي يساعد في إنعاش النظام بعد أن دخل حالة الموت السريري.
ثم بعد كل هذا الإجرام والمكر، يأتي الحديث عن قرب انتهاء "الأزمة السورية "وعن اقتراب الحل!
لا شك بأن ثبات هذه الثورة المباركة في وجه قوى الكفر وأدواتها لهو نصر كبير فقد شيبت رؤوس أرباب قواهم، وجعلتهم حيارى تائهين بينما تخلى عن هذه الثورة العربُ والعجمُ وكل من كان يجب عليه أن ينصرها، لكن عندما خرجت جموع أهل الشام من المساجد وهي تصدح "هي لله هي لله" قد كانت تستشرف المستقبل وتستشعر بأن لا ناصر لها سوى الله من خلال هتافاتها المتضرعة للخالق سبحانه "يا الله ما لنا غيرك يا الله".
إن هذا والله لهو سر صمودها واستمراريتها على الرغم من حجم التآمر الدولي عليها، فهي في كفالة الله سبحانه فقد قال الصادق الأمين e مبشراً «إِنَّ اللهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ».
نعم إن هذه الثورة لن تموت ولن تخمد نارها بإذن الله حتى تحقق غايتها فهي ثورة أمة آمنت بالله، وتوكلت عليه وعقدت العزم على إقامة نظام الإسلام، فبالرغم من أنها لم تنتصر عسكرياً حتى الآن إلا أنها قد أسقطت النظام الدولي المجرم، وكشفت حقيقة المنافقين من العرب والعجم، ورفعت عن أمتنا غشاوات كثيرة، وأسقطت أكاذيب دجالين كثر رغم قدراتها البسيطة وحيلتها القليلة.
لكنّ تحقق النصر كاملاً له أسبابه، فبعد خذلان منافقي العرب والعجم لهذه الثورة، يجب على الأمة أن تزيد من صلتها بالله وحده، وأن لا تعتمد إلا عليه سبحانه، وأن تلجأ له وحده وأن تتخذ من معادلة النصر منطلقاً ثابتاً وهي قوله تعالى ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ ولن تكون نصرة الله إلا بأن تتبنى هذه الثورة مشروع الأمة الذي ارتضاه الله وأمر به، مشروع الخلافة على منهاج النبوة المستنبط من عقيدتها والقائم على أحكام شريعتها ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ المشروع الذي أعده حزب التحرير، وأن تتخذه قيادة سياسية، يسير بها إلى بر الأمان، إلى حيث إسقاط هذا النظام المجرم وإقامة الخلافة على منهاج النبوة، التي تُرضي الله سبحانه وتعالى ويعز بظلالها المسلمون. فالثورة التي تسير بدون قيادة سياسية صاحبة مشروع، تسير على غير هدى، تتقاذفها الأمواج والأعاصير، ومن سار على غير هدى لن يصل إلى مبتغاه وسيكلف الأمة الكثير من التضحيات فسنة الاستبدال قائمة. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
بقلم: د. محمد الحوراني*
* عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع