تقدمت مصر بطلب إلى الصندوق الدولي يوم 26 تموز/يوليو الجاري للحصول على دعم مالي لتمويل برنامجها الاقتصادي وسد عجز في التمويل، بقيمة 12 مليار دولار، لمدة ثلاث سنوات، بواقع 4 مليارات دولار سنويا، هذا وقد زارت مصر رسميا السبت 30/7/2016م ولمدة أسبوعين بعثة من صندوق النقد الدولي برئاسة كريستوفر جارفيسالتي، مستشار الصندوق للشرق الأوسط وآسيا، للاتفاق على البرنامج التمويلي لدعم الاقتصاد المصري، تمهيدا لإرساله إلى إدارة الصندوق في واشنطن، لعرضه على مجلس الإدارة، والموافقة عليه، وكشف نائب وزير المالية المصري، أحمد كوجك، أن وفد الصندوق سيلتقي، في زيارته للقاهرة، كبار المسؤولين بالدولة، وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي، ووزراء المالية والتخطيط والاستثمار والصناعة والتجارة.
وأكد كوجك - في تصريحات صحفية - بدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي لاقتراض 12 مليار دولار على 3 سنوات بواقع 4 مليارات دولار سنويا، وأرجع اللجوء إلى الاقتراض من الصندوق، إلى ارتفاع معدلات عجز الموازنة بشكل ملحوظ، إذ تراوح بين 11 و13% خلال السنوات الست الماضية، وكانت الحكومة المصرية أعلنت أنها تستهدف تمويل برنامجها الاقتصادي بنحو 21 مليار دولار، خلال 3 سنوات بدعم من صندوق النقد، منها 12 مليارا منه، والباقي من إصدار سندات وتمويل من البنك الدولي، ومصادر أخرى، علاوة على طرح ما بين 5 و6 شركات حكومية في البورصة، خلال عامي 2016 و2017،وأشار وزير المالية المصري، إلى أن مصر لا تستطيع الاستمرار في إصلاحها الاقتصادي، في الوقت الذي تقترب نسبة الدين العام من 100% من إجمالي الناتج المحلي، ويصل عبء الفائدة على الدين العام إلى 300 مليار جنيه سنويًّا، هذا ويصل الدين الخارجي لمصر في عهد المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، نحو 33 مليار دولار خلال 6 أشهر فقط، بما يعادل 350 مليار جنيه، بالإضافة إلى 50 مليار دولار قيمة الدين الخارجي لسنة 2015/2016، ليصل إجمالي الدين الخارجي 83 مليار دولار.
رغم تكتم الحكومة على شروط الصندوق لإقراض مصر خرجت تقارير صحفية وتحدث بعض البرلمانيين عن ماهية تلك الشروط وتفاصيلها، باعتبارها تتضمن بنودًا ونقاطًا تَزيد من الأعباء على أهل مصر، حتى وصفوها بأنها ستكون قاسية على مصر وستتسبب بمعاناة جسيمة لكل فئات الشعب، ومن المتوقع أن تتضمن هذه الإجراءات خطة لتعويم الجنيه أمام الدولار، وهو ما نشهد بوادره حاليًا، وطرح حصص من الشركات العامة والأصول الحكومية للبيع للمستثمرين الأجانب، وفرض مزيد من الضرائب، وتقليص الرواتب الحكومية، وخفض كبير للدعم على المحروقات والطاقة والخدمات العامة، وغير ذلك من الإجراءات التي تم اتخاذها في جميع البلدان، التي أجريت فيها اتفاقات مع صندوق النقد الدولي.
لن نناقش القرض من ناحية شرعية فحرمته محسومة من حيث كونه ربا الأصل أن لا يختلف عليها أحد من أبناء المسلمين، وإنما سنناقش خطورة هذا القرض على مصر وما في شروطه من سياسات اقتصادية وما سيترتب عليها وما في هذا القرض وغيره من رهن للبلاد للكافر المستعمر.
إن هذا القرض كغيره من قروض الغرب الربوية فهي لا تعالج أزمات ولا تحل مشكلات بل تزيد من وطأتها وتؤجج لهيب نارها بما يتبعها من سداد للدين بفوائده المركبة، ومع ما يتبعها من خضوع كامل لإملاءات الدول المستعمرة وفتح البلاد أمام شركاتها الرأسمالية لتنهب خيرات بلادنا وتسلبنا حقوقنا وثرواتنا، فيزداد ثراء شركاتها بينما تزداد بلادنا وشعوبنا فقرا فوق فقر حتى لا يبقى أمامها إلا أن تعمل مثل العبيد في شركات السادة الدائنين وربما بلا أجر أو بأجر زهيد.
إن مكمن خطورة هذه القروض في هؤلاء الذين تفاوضوا مع الغرب عليها وهم ليسوا سوى عملاء خونة لا يرقبون في الشعوب إلا ولا ذمة ولا يعنيهم غير كراسيهم وعروشهم وما يوضع في حساباتهم السرية في بنوك أوروبا، ولا تحتاجها البلاد ولا تعالج أزماتها ومشكلاتها بل هي في واقعها أزمة فوق أزماتها ومشكلة تضاف لمشكلاتها وعبء جديد يثقل كاهل شعوبها، بما سيترتب على شروطها من سياسات تقلص دور الدولة في رعاية شئون الناس وترفع عنهم ما تبقى من فتات الدعم وتفرض عليهم ضرائب جديدة تزيد شقاءهم وفقرهم.
ولا يسارع حاكم مصر في هذا الأمر إلا ليزيد ارتهان البلاد والعباد للغرب الكافر، وليثبت لسادته في الغرب أنه خادمهم المطيع الذي ينفذ إملاءاتهم وما يفوق رغباتهم فها هو يتبنى وجهة نظرهم فيحارب الإسلام نيابة عنهم بدعوى محاربة الإرهاب ويدعو لثورة على نصوص الإسلام التي تقلق سادته في الغرب وتتحدى نفوذه، وقد رأينا ما فعله ويفعله في الكنانة، وما ذاقه أهلها ويذوقونه على يده من ويلات، وكأنه يقول للغرب بملء فيه أنا رجلكم لهذه المرحلة.
يا أهل الكنانة إن هذه القروض وتلك السياسات لن تزيدكم إلا خبالا وفقرا وشقاء وبؤسا وفوقهم تبعية وارتهاناً لعدوكم الذي لا يرقب فيكم إلا ولا ذمة، وإنه ليس أمامكم إلا أن تطالبوا بحل حقيقي جذري ينهي كل تلك الأزمات التي تعصف بكم وببلادكم والتي لا علاج لها إلا باقتلاع النظام الرأسمالي الذي يحكمكم وليس مجرد الشخوص التي تطبقه، والانعتاق الكامل من التبعية للغرب الكافر بكل أشكاله وصوره، وتطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي من خلال الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تعيد توزيع الثروات بشكل صحيح وتقضي على كل نفوذ للغرب في بلادنا وتنهي نهبه وسلبه لثرواتنا وتعيد للأمة ملكياتها العامة التي فرط فيها الحكام العملاء ومنحوها للغرب بلا ثمن، وبينكم إخوانكم في حزب التحرير يحملون الفكرة وطريقتها فخذوا بأيديهم وكونوا لهم عونا ونصرا تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأْرْضِ﴾
بقلم: عبد الله عبد الرحمن*
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع