أعلن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، السبت 6 آب/أغسطس 2016م انتهاء مفاوضات الكويت على أن تستأنف المفاوضات بعد شهر في مكان يحدد لاحقا، وقال المبعوث الأممي إن المفاوضات هي الحل الوحيد للأزمة اليمنية، وهدد أهل اليمن بأزمة اقتصادية كارثية إذا لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق. ومعلوم عند ولد الشيخ أن الحل ليس بأيدي المتفاوضين بل بأيدي الدول العظمى التي تدفع به إلى الواجهة لتنفيذ خططها، فقد قال عبد الملك المخلافي رئيس الوفد الحكومي في مفاوضات الكويت إن هناك دولا ترعى الحوثيين إلى جانب إيران، ولم يجرؤ المخلافي على تسمية الولايات المتحدة التي كانت تلتقي بالحوثيين منفردين سراً وعلانية في كواليس محادثات الكويت، في الوقت الذي يرفع فيه الحوثيون شعار الموت لأمريكا إمعانا في خداع أهل اليمن!
وفي المقابل تغافل المخلافي عن مساندة بريطانيا العلنية لحكومته، فقد قدمت بريطانيا مسودة قرار إلى مجلس الأمن يحث الحوثيين على التعاون مع ولد الشيخ أحمد، إلا أن روسيا اعترضت عليه، في توزيع أدوار بينها وبين الإدارة الأمريكية.
وكانت لندن قد استضافت نهاية شهر تموز/يوليو مؤتمرا رباعيا ضم إلى جانبها كلاً من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات (وهي الأطراف المتصارعة في اليمن)، وقد خرج المؤتمر بتوصية على الالتزام بالقرار الدولي 2216 وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف الأمم المتحدة على تشكيلها بين الطرفين. بينما يعلم المؤتمرون أن كلا طرفي النزاع متمترس خلف موقعه منتظرا الأوامر من أسياده، ولا يملك من إرادته مقدار قطمير.
وهكذا فإن (ما تنبأ) به المتحدث باسم البيت الأبيض في مفاوضات جنيف قد تحقق فعلا، عندما توعد أهل اليمن بمسلسل طويل وشاق - حسب تعبيره - للوصول إلى حل الأزمة. وها هي حلقات المسلسل تمتد اليوم لأكثر من ثلاثين شهرا، وستزيد.
ورغم تصعيد العمليات العسكرية الموازي لإعلان ولد الشيخ أحمد عن انتهاء مفاوضات الكويت، إلا أنه ليس من المتوقع أن تحسم الحرب لصالح أحد الطرفين، بل إن ذلك يأتي ضمن حلقات المسلسل الأممي لمزيد من التنكيل بحياة أهل اليمن التي لم تعد تحتمل أكثر من ذلك، فاشتعال جبهات القتال يعني مزيدا من الخسائر بالأرواح ومزيدا من الدمار ومزيدا من تدهور العملة وانهيار الاقتصاد المنهار أصلا، وأمريكا وحلفاؤها المتنافسون على اليمن غير معنيين بإيقاف الحرب، في الوقت الذي يستطيعون ذلك لو أرادوا، فالحرب تستعر بقرار منهم، والأسلحة المستخدمة فيها تأتي من مصانعهم، إلا أن وقود الحرب ليس إلا دمنا الغالي الذي يسفك سفاحا في ميادين الغفلة والخداع.
إن المجلس الرئاسي الذي شكله حزب المخلوع صالح (المؤتمر الشعبي العام) مع الحوثيين يضم نفس الوجوه الحاكمة إبان حكم صالح قبل الثورة الشعبية عليه، فنصف المجلس مشكل من المؤتمر الشعبي العام الذي كان حاكما لثلاثة عقود في اليمن، والنصف الثاني من الحوثيين المتحالفين معه، وواضح أن السيطرة في المجلس قد عادت للمخلوع صالح الذي ما فتئ يتمسك بقوائم كرسي الرئاسة مع أبنائه، كيف لا وقد مكنه ذلك من الحصول على رصيد بنكي يفوق 70 مليار دولار وفق تقارير الأمم المتحدة.
وفي المقابل فإن حكومة عبد ربه هادي تشمل أيضا نفس الوجوه الحاكمة في حزب صالح إبان فترة حكمه، فهادي هو نائب صالح في الحكم، ورئيس وزرائه كان نائبا لصالح في الحزب، وهكذا فإن الغرب لم يجد لأهل اليمن من يحكمهم إلا الوجوه نفسها التي ثار عليها الناس سابقا، ولكن كل ذلك يتم في مشهد تضليلي، لم يحسن المخرج فيه خداع الجمهور، فكلا الخيارين يُبقيان أهل اليمن تحت مخالب الأمم المتحدة والغرب الكافر بأدوات محلية لم تكلف نفسها حتى تغيير ملابسها.
إن الحل الأممي يؤكد دائماً وتكرارا أن مرجعياته هي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الأممي 2216، وكلا طرفي النزاع الأمريكي والبريطاني يقر بذلك الحل وتلك المرجعيات، ومعلوم أن المبادرة الخليجية هي التي حصنت المخلوع صالح من المحاسبة فخرج (وها هو يعود) من الحكم دون حساب ولا عقاب، وتلك المبادرة أتت بنائبه هادي إلى سدة الحكم، ومعلوم أن أهم مخرجات مؤتمر الحوار هو الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي تقصي الإسلام عن الحكم وتحصره كباقي الأديان في المسجد فقط، وأما القرار الأممي 2216 فهو يبقي اليمن تحت الوصاية الدولية، لا بل تحت البند السابع منها القاضي بجواز استخدام القوة ضده!!
وكلا طرفي النزاع؛ الحوثي وصالح من جهة وعبد ربه وحلفاؤه الخليجيون من جهة أخرى، يقرّون بذلك الحل الأممي وبتلك المرجعيات، بل لا يطالبون بغيرها، فلم النزاع إذن؟!
إنه نزاع التنافس على النفوذ والسلطة نيابة عن الصراع الدولي المحتدم بين أمريكا (المستعمر الجديد) وبريطانيا (المستعمر القديم، والمستمر).
يا أهل اليمن! إن المشهد واضح وجلي،
إن أمريكا وبريطانيا يتنافسان على الثروة والنفوذ في بلادنا بأدوات محلية، وفي الوقت ذاته يتفقان على محاربة الإسلام وإقصائه عن الحكم خوفا من عودة الإسلام من جديد إلى قيادة العالم.
يا أهل الإيمان والحكمة:
إن الله يأمرنا أن نطيعه وأن نطيع نبيه الكريم e بقوله في محكم التنزيل ﴿فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ وقوله سبحانه ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾، ووعدنا إن نحن وفينا بذلك الاستخلاف والتمكين والأمن، ورضواناً من الله أكبر.
فلا يكون حل أزمة البلاد بالوقوف خلف الدمى التي تسفك دماءنا قرباناً على عتبات الغرب الكافر وتنفيذا لمشاريعه المعادية للإسلام والمسلمين، بل بالوقوف مع العاملين المخلصين لتطبيق شرع الله في الأرض، بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تجعل الإسلام ودولته قائدة للبشرية ساعية لإنقاذها من ظلام الحكم الرأسمالي الديمقراطي الذي يغشى العالم اليوم.
رأيك في الموضوع