إن النظام الاقتصادي يختص أساساً بعملية إنتاج السلع والخدمات واستهلاكها، أما الاقتصاد السياسي فهو كيفية إدارة هذه العملية. أما النظام المالي فهو ليس بالضرورة جزءاً من النظام الاقتصادي، والنقود هي أداة مقياس منفعة السلعة والجهد في عملية الإنتاج والاستهلاك، وعرفت النقود بأنها المقياس الذي تقاس به قيمة السلع والجهود بين المنتجين والمستهلكين.
لم يترك الإسلام النظام المالي بدون تحديد، بل ربطه بوحدة معينة من النقد هي الذهب والفضة. لقد أقر رسول الله e التعامل بالدينار الذهبي والدرهم الفضي كما كان يفعل العرب في مكة المكرمة، كما أقر مقدار وزن الدينار الذهبي الذي تداوله تجار قريش في معاملاتهم في مكة وأصبح المقياس النقدي للتبادل التجاري كما جاء في حديث رسول الله e عن ابن عمر: «المكيال مكيال أهل المدينة، والوزن وزن أهل مكة». واعتبار الإسلام الذهب والفضة قاعدة للعملة واضح بالأدلة التالية:
- إن الإسلام حينما نهى عن كنز المال، خص الذهب والفضة بالنهي، مع أن المال هو كل ما يتمول، فالأرض والماشية والحبوب مال كالذهب والفضة. فتحريم كنز الذهب والفضة يرجع إلى كونهما أساس العملة النقدية في الدولة الإسلامية.
- ربط الإسلام الذهب والفضة بأحكام شرعية ثابتة لا تتغير كالدية مثلا.
- لقد عين رسول الله e الذهب والفضة نقداً في المعاملات كالبيع والمهر وغيرها.
- عندما فُرضت زكاة النقد، حدد الإسلام الحد الأدنى من الذهب والفضة.
- أحكام الصرف التي جاءت في معاملات النقد، إنما جاءت بالذهب والفضة وحدهما.
وعليه فإن العملة في الاقتصاد السياسي الإسلامي ستكون هي الذهب والفضة أو مبنية عليهما. وسوف تشهد الدولة الإسلامية القادمة عودة حاسمة لمقياس نقدي صلب قائم على الذهب والفضة. ولا يعني ذلك استبعاد أشكال التبادل الأخرى، بل يمكن تبادل منتجات بمنافع ومنتجات أخرى عن طريق المقايضة على أساس قيمتها. فمقياس الذهب والفضة ينطبق على النقد والتبادل النقدي فقط.
إن التعامل بالنقد على أساس الذهب والفضة هو حكم شرعي لا يجوز تعديه من التنفيذيين بالدولة، وغير معرّض لأحوال السوق والتقلبات الدولية، كما هو الحال في ظل الرأسمالية، حيث تعرض مقياس الذهب إلى عدة نكسات، حتى بعد أن توافق المجتمع الدولي على نظام الذهب وجعله أساساً للعملة في نهاية الحربين العالميتين الأولى والثانية.
إن استعادة نظام الذهب من قبل دولة الخلافة يجعل العالم يثق في السياسة الاقتصادية في الإسلام وفي نظامه المالي. وخصوصاً أن العالم اليوم يعاني من أساليب المستعمرين الرأسماليين، الذين اتخذوا النقد وسيلة من وسائل الاستعمار الاقتصادي والمالي، وحولوا نظام النقد إلى أنظمة أخرى، لا تستند إلى الذهب والفضة، مما جعل النظام المالي متغيراً وغير ثابت، وغير مستقر، فتسبب النظام الرأسمالي في أزمات اقتصادية عالمية. ومنذ عام 1971 حين أعلنت أمريكا أُحادياً وقف العمل بنظام الذهب وإلغاء اتفاقية بريتون وودز، بات الدولار الأساس النقدي في العالم، وأداة التحكم في السوق المالية الدولية، والهيمنة عليها وبالتالي فإن الخروج على نظام هيمنة الدولار والعودة إلى نظام الذهب سوف يصطدم بالهيمنة الأمريكية. وحين صرح الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي سنة 2008 قائلاً: "لا بد أن نعيد التفكير في النظام المالي من أساسه، كما حصل في بريتون وودز"، ورئيس الورزاء البريطاني السابق غوردون براون "نحن نحتاج لاتفاقية بريتون - وودز جديدة، لبناء صرح مالي عالمي للسنوات القادمة" لم يَرُقْ ذلك للأمريكان. وذلك لأن أمريكا تملك أسواقا مالية عملاقة تقدر بمئات التريليونات من الدولارات، ويفوق عدة مرات احتياطي الذهب في العالم كله. ويعتبر ذلك الغنى الفاحش – الافتراضي - أخطر عقبة في طريق عودة نظام الذهب. حيث يقدر مخزون الذهب في العالم كله بـ 150.000 طن، وإن أخذنا بسعر الذهب الحالي تقريبا 1150 دولار، تكون قيمة الذهب بالدولار 5،4 ترليون دولار، وهذا أقل من قيمة ديون أمريكا الخارجية، والتي تقدر بـ 22 ترليون دولار، وتمتلك الولايات المتحدة أقل من 8.200 طن من الذهب، قيمته أقل من 300 مليار دولار، ولا يكفي هذا المخزون لتغطية 2% من ديونها، وهكذا، وضعت أمريكا سداً منيعاً مرتفعاً، في طريق عودة نظام الذهب.
بالإضافة إلى تحدي الهيمنة الأمريكية فإن دولة الخلافة سوف تعالج ثلاث قضايا أساسية حين اعتمادها نظام الذهب في سياستها المالية:
- احتياطي الذهب والفضة في الدولة والحيلولة دون تسربه إلى الخارج
- العملة المتداولة بين الناس حين قيام دولة الخلافة
- سعر الصرف مقابل عملات الدول الأخرى
أما احتياطي الذهب والفضة فالبلاد الإسلامية غنية بهذين المعدنين فيوجد أكثر من 5000 طن من الذهب الاحتياطي في البلاد الإسلامية غير المناجم الموجودة بكثرة. إلا أن إصدار النقد ليس بالضرورة مرتبطاً بكمية الذهب والفضة. إذ إن الدينار مثلا يمكن أن يقسم إلى 100 أو 1000 أو 10000 وحدة أو غيرها. فالدينار الذي يقابل 4.25 غرام ذهب يمكن أن يقابله أجزاء كثيرة. والذي يحدد هذا الكم هو القوة الشرائية للدينار والتي تعتمد بدورها على إنتاجية الدولة، ما يحتم على الدولة أن ترفع قدرتها الإنتاجية إلى أقصى حد.
أما العملة المتداولة بين الناس حين قيام الدولة فتعمل الدولة على استمرار العمل بها إلى فترة محددة بحيث يتم جمع النقد الحالي في مصرف الدولة. ولا يتم مبادلة العملة المتداولة قبل قيام الدولة بنقد دولة الخلافة بأي حال وذلك لعدم وجود قيمة محددة للعملة، ولكن يسمح بتداولها للمعاملات لفترة محددة تحددها الدولة حين قيامها.
أما سعر الصرف مقابل العملات الأخرى، فالدولة تحدد سعر صرف عملتها بناء على سعر الذهب في الأسواق العالمية. فلو كان سعر غرام الذهب 30 دولارا مثلا، فتكون قيمة الدينار حوالي 130 دولارا. ومع ذلك فإن الدولة في سياستها التجارية الخارجية ستعتمد على تبادل السلع والخدمات بدلا من شرائها. فمثلا تزود الصين بالغاز أو النفط مقابل تكنولوجيا تحلية الماء مثلا. وبالتالي فإن سياسة الدولة تقوم على الحفاظ على ثروتها من الذهب وعدم تسربه للخارج.
ومن أجل التمكن من القيام بسياستها المالية على الوجه المطلوب يتعين على الدولة أن تعمل على تحقيق اكتفاء ذاتي في القضايا الأساسية كالغذاء والصحة والتعليم والسلاح. ثم إنها في كل ذلك تتصرف تصرفا مبدئيا يتبع أحكام المبدأ ولا يتذبذب بين مصالح آنية متغيرة.
رأيك في الموضوع