يقولون تعددت الأسباب والنتيجة واحدة أي الموت، طبعا هذا قول غير صحيح فالسبب الوحيد للموت هو انتهاء الأجل، ولكن هذا لا يفسر إعلان منظمة أطباء بلا حدود العالمية عن وفاة 23 شخصاً قضوا جوعاً في مركز تدعمه المنظمة في مضايا، كما لا يفسر استشهاد 43 مدنياً في حصيلة أولية وإصابة أكثر من مئة آخرين بجروح يوم السبت (9 كانون الثاني الحالي) جراء استهداف الطيران الروسي لأحياء مدينة "معرة النعمان" في ريف إدلب بعدة غارات جوية، وفي اليوم نفسه قضى تسعة عشر مدنياً وأصيب عشرات آخرون بجروح جراء استهداف الطيران الروسي لأحياء مدينة حلب وريفها بالعديد من الغارات الجوية. وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها الخاص بتوثيق استخدام القوات الحكومية للبراميل المتفجرة، وهي سلاح عشوائي بامتياز وإن قتلت مسلحاً فإنما يكون ذلك على سبيل المصادفة، إذ إن 99% من الضحايا هم من المدنيين، خلال 2015 وثق التقرير قيام الطيران المروحي الحكومي بإلقاء ما لا يقل عن 17318 برميلاً متفجراً تسببت بمقتل 2032 شخصاً، بينهم 499 طفلاً و338 سيدة في عام 2015. (نقله موقع كلنا شركاء).
الأمر لا يحتمل الهزل، ولكن ماذا نفعل بتباكي المتحدث الرسمي للخارجية الأمريكية جون كيربي الذي ندد في مؤتمره الصحفي (6/1/2016) بالوضع الكارثي في مضايا، وندد باستخدام النظامِ التجويعَ كأداة وتكتيك في الحرب... بل واعتبره "بصراحة تكتيك دنيء".
قد يتساءل المرء ما إذا كان أمام "صحوة ضمير لمن لا ضمير له" وهو الضمير نفسه الذي سبق له إبادة الهنود الحمر في أمريكا وحاول إبادة الشعب الياباني بالقنابل النووية، وإبادة الشعب الفيتنامي بالمتفجرات والسلاح الكيماوي، ولكن التساؤل لا يطول حيث يأتي الجواب من السيد كيربي نفسه إذ يقدم ترياق الحل السياسي:
"إن ما يحدث في مضايا دليل آخر، ليس فقط على وحشية هذا النظام وفقدان بشار الأسد للشرعية، بل هو دليل آخر على أنه من المهم جداً أن تمضي عملية فيينا إلى الأمام؛ وأن لا نسمح للتوترات الحالية في منطقة الشرق الأوسط أن تعيق تلك العملية، من أجل التوصل إلى حل سياسي سلمي في سوريا". إذن كل الدروب تؤدي إلى فيينا (أو جنيف)، ولا ينبغي لبعض "التوترات" أن تخرج قطار الحل السياسي عن السكة الأمريكية.
هنا يخطر بالبال تساؤل آخر: ما الفرق بين القتل جوعا وبردا في مضايا وبين القتل بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية؟ ومن قبل بالكيماوي الذي اعتبره أوباما "خطا أحمر" قبل أن يبلع لسانه دون حياء ولا استحياء لا من ديمقراطيته المزعومة ولا من شعوب العالم التي لم تصدق كذبه وخداعه؟ فهل يظن السيد كيربي أن العالم سيصدق تباكيه المكذوب على شهداء مضايا بينما هو أصم أخرس أبكم عن ضحايا البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية؟
فالأمر واضح وضوح الشمس في رابعة النهار: الحل المسمى بـ"السياسي" والذي أُعد في واشنطن هو حل يرشح من دماء وأشلاء الشهداء، كل الشهداء الذين قضوا: من الجوع والبرد أو بالبراميل المتفجرة أو بالكيماوي، أو تحت التعذيب في أقبية سجون النظام الأمريكي في دمشق، فكل أساليب القتل يُراد لها أن تؤدي إلى غاية واحدة: تركيع الشعب المنتفض لله وإجباره على قبول سموم الحل "الحل السياسي"، والذي يجدد القبضة الاستعمارية وقيود العبودية لصاحب تمثال الحرية الكاوبوي الأمريكي الذي سبق أن طبّق سياسة "حرق القرية وتدميرها لتحريرها من الفيتكونغ" في فيتنام.
طبعا لكي ينجح "الحل السياسي" لا بد من إضفاء مصداقية و"شرعية ثورية" على الذين سيوقعون على الحل في جنيف. فعلى خلفية ارتقاء المزيد منالشهداء في الشام الأبية، ولإضفاء صفة "الشرعية الثورية" على "الممثلين على الشعب السوري في الرياض"، خرج علينا بعض ممن يزعمون أنهم قيادات في 24 فصيلاً ثورياً ببيان موحد أكدوا من خلاله دعمهم لـ"الهيئة العليا للتفاوض"، وهذا ما يذكرنا بمسرحية فرض ما سمي بـ"منظمة التحرير الفلسطينية" الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. تماما كما انتهت "الثورة حتى النصر" الفلسطينية إلى الاعتراف بكيان يهود وتحت شريعة "المجتمع الاستعماري الدولي" تحت ضربات الطيران اليهودي في بيروت في 1982م.
وأكد هؤلاء على وقوفهم إلى جانب الحل السياسي في الثورة السورية الذي "سعت إليه الدول المعنية بالثورة السورية"... "الدول المعنية"؟؟ ومن سوى أمريكا؟؟ وعلى أي أساس قامت مؤتمرات جنيف وفيينا؟ وآخر التسريبات من الخارجية الأمريكية، التي نشرتها وكالة أسوشيتد برس، تشير إلى مرحلة انتقالية تمتد إلى آب 2017 دونما ذكر لمصير السفاح بشار الذي لا يوجد ما يمنعه من العودة رئيسا منتخبا تماما كما جرى في مصر وتونس؟
نعم مسلسل التفاوضات الخياني هذا هو آخر ما بجعبة الشيطان الأمريكي رأس الشر لتركيع الشعب المنتفض في سوريا، وليحقق الشيطان الأمريكي، عبر أدواته من "الممثلين على الشعب السوري" وحكام المسلمين، بالدبلوماسية المسمومة ما عجز عنه بالقمع الهمجي البربري الذي لم تشهد له البشرية مثيلا.
ثم يقوم بعض المشايخ المتصنعين الورع الزائف بالدعوة إلى جمع بعض التبرعات لأهالي مضايا، وبتذكير الناس بالدعاء لهم بالفرج، دون أن ينبسوا ببنت شفة تجاه الحكام الطواغيت الظلمة: في الأردن وتركيا والخليج ومصر ولبنان الذين وقفوا موقف المتفرج على حمام الدماء المستمر في الشام منذ 5 سنوات، وقد علم هؤلاء المشايخ أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن هؤلاء الحكام يجب عليهم شرعا وقف حمام الدماء فورا ودون إبطاء، ولكن المشايخ هؤلاء يخشون بأس الحكام ولا يخشون الله سبحانه!!
أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله e قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» ويقول الحق سبحانه ﴿وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر﴾ فعلى المسلمين جميعا واجب نصرة إخوانهم في الشام ولا يكون هذا إلا بمبايعة الخليفة على كتاب الله وسنة رسوله فينفضوا عن أنفسهم إثم خذلان إخوانهم ويفوزوا بعز الدارين وبرضوان رب السماوات والأرضين.
رأيك في الموضوع