وقعت الدول الغربية مع إيران اتفاقا حول برنامجها النووي، وفور إعلان توقيع هذا الاتفاق أظهر النظام الإيراني فرحة عارمة، وبدأ بالترويج للاتفاق على أنه نصر مبين حققه المفاوض الإيراني، وأرغم به أنف الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا.
فقد نقلت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (ارنا) في 18 تموز (اعتبر الرئيس حسن روحاني إبرام الاتفاق النووي، انتصارا ونجاحا کبيرا للشعب الإيراني، وقال إن الفريق النووي الإيراني المفاوض کان في غاية الحزم فی القضايا الفنية والقانونية والسياسية...ووصف روحاني نص برنامج العمل المشترك الشامل بأنه رابح رابح، وقال إن القبول بحق تخصيب اليورانيوم ورفع الحظر والاستمرار بالأبحاث والتطوير، تعتبر من أهم النجاحات التي تحققت في هذا الاتفاق.).
ونقلت صحيفة كيهان الإيرانية في 14/7/2015 مقتطفات من الكلمة المتلفزة للرئيس الإيراني حسن روحاني جاء فيها (...وتطرق الرئيس روحاني إلى مسيرة المفاوضات النووية مع مجموعة 5+1 وقال: كان يتعين علينا تمهيد الأرضية السياسية للمفاوضات النووية وكنا نتابع حوارا جادا للتوصل إلى اتفاق وفقا لمصالحنا الوطنية. وتابع: كان هدفنا من المفاوضات الإبقاء على البرنامج النووي الإيراني وإخراج الملف النووي من الفصل السابع وإلغاء كافة أنواع الحظر على إيران. وأشار الرئيس روحاني إلى أن الغرب كان يريد اقتصار العمل على 4 آلاف جهاز طرد مركزي في إيران، وقال: اليوم مع توقيع الاتفاق النووي لدينا أكثر من 6 آلاف جهاز طرد مركزي. كما تطرق إلى حصيلة المفاوضات النووية، وقال: إن جميع العقوبات ستزول في اليوم الذي يدخل فيه الاتفاق حيز التنفيذ. وأضاف: إن نص الاتفاق سيعرض على مجلس الأمن الدولي للمصادقة عليه، والاتحاد الأوروبي سيلغي كافة أنواع الحظر على إيران بعد شهرين من مصادقة مجلس الأمن كما ستلغى القيود على استيراد أنواع من الأسلحة في غضون 5 سنوات. وتابع: كانوا يرفضون التحدث بتاتا بِشأن بقاء منشأة فوردو، بينما الاتفاق ينص على استمرار العمل في المنشأة بألف جهاز للطرد المركزي، كما أن الاتفاق النووي يسمح لمفاعل أراك بمواصلة العمل بالماء الثقيل، في حين كان الغربيون يرفضون استمرار نشاطه مطلقا...).
والحقيقة أن النظام الإيراني في مسألة الاتفاق النووي يمارس التضليل والخداع على الإيرانيين، وقد أتقن النظام الإيراني من قبل التضليل والخداع على المسلمين في إيران وغير إيران خلال العقود الماضية بإخفاء ارتباطه بأمريكا ارتباط عمالة مطلقة، حيث كانت حناجر الإيرانيين تصدح وراءهم (الموت لأمريكا) الشيطان الأكبر بحسب تسمية حكام إيران، في حين كان هؤلاء الحكام يرعون المصالح الأمريكية في المنطقة، ويقدمون لها الدعم والمساعدة، ويمكنونها من بلاد المسلمين، وشواهد ذلك ما زالت حية في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن.
وانكشاف التضليل والكذب في ترويج النظام الإيراني لبطولاته في الاتفاق النووي لا يستدعي كبير جهد، إذ بمجرد استعراض بعض النقاط في الاتفاقية وبخاصة ما وردت الإشارة إليه على لسان روحاني يظهر مدى الاستخفاف بعقول الناس الذي يمارسه هذا النظام العميل.
وللتذكير فقد جاء في مقال لحسين شريعتمداري مستشار علي خامنئي ورئيس تحرير صحيفة كيهان في 14/7/2014 أي قبل سنة تقريبا تحت عنوان مفترق خسارة خسارة يقول (واحدة من المحاور الأساس لأزمة المفاوضات النووية٬ مدى حاجة إيران لليورانيوم المخصب، لتوفير وقود مفاعلاتها الذرية. فيما يدعي الأمريكان وحلفاؤهم٬ وبإثارة اصطلاح قانوني مفتعل "النقطة الطاردة BREAU ٬"OUT بأن البرنامج النووي ينبغي أن يكون في نقطة إذا قررت فيها إيران إنتاج السلاح النووي تكون المسافة الزمنية بين هذا القرار إلى الإنتاج تتراوح من (12-18) شهرا٬ مدعين أن هذه الفترة حكمتها توافر الوقت الكافي لإيقاف قرار إيران إنتاج السلاح النووي٬ وبالاعتماد على هذا القانون المفتعل٬ طالبوا إيران٬ أولا: أن لا تتعدى أجهزة الطرد المركزي لديها الـ 4 آلاف جهاز٬ إذ يؤدي ذلك إلى إنهاء النشاط النووي - وهو ما أشار إليه سماحة القائد بتهديدهم بالموت -٬ وثانيا؛ أن لا يتجاوز خزين المواد النووية الألفي كيلوغرام. ومن جانب آخر٬ قد أوصلوا فريقنا النووي٬ وهو ما يؤسف له - إلى نقطة يطالب بفعالية 8 آلاف جهاز طرد مركزي فقط٬ في الوقت الذي٬ يمثل استخدام 8 آلاف جهاز في مجال للتخصيب المختبري - بايلوت - وليس للتخصيب الصناعي والذي هو حق قانوني وطبيعي لإيران.على هذا فحتى إن وافقوا على العدد 8 آلاف جهاز طرد - وهو ما قصده القائد بالقبول بالحمى - تبقى إيران محرومة من التخصيب الصناعي عمليا...)، فعلى قول شريعتمداري قبل سنة فإن الخط الأحمر الذي وضعه خامنئي للمفاوضات هو 8000 جهاز طرد مركزي وسماه القبول بالحمّى.
وبمجرد قراءة سريعة للاتفاقية المعلنة نجد أن ما قبلت به إيران أكثر مما سماه خامنئي سابقا بالحمى، فقد وافقت إيران على تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي من أكثر من 19 ألفا حاليا منها 10200 قيد التشغيل، إلى 6104 – أي ستنخفض بمقدار الثلثين – خلال فترة عشر سنوات.
وبحسب الاتفاقية فسيقوم (5060) جهازا من الجيل الأول (IR1) فقط بتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3.67% خلال فترة 15 سنة، وفي منشأة (نتانز) فقط، وستخفض طهران مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب من 10 آلاف كغم حاليا إلى 300 كغم على مدى 15 عاما. كما وافقت طهران على عدم بناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم طوال 15 عاما.
أما بخصوص منشأة فوردو المحصنة التي تبجح روحاني بأن الاتفاق ينص على بقاء العمل بها فقد جاء في الاتفاق بخصوصها بالذات كما ورد في البند 5 من أ (..وفي فوردو الامتناع عن تخصيب اليورانيوم وأبحاث وتطوير تخصيب اليورانيوم وعن الاحتفاط بأي مواد نووية)، وفي البند 6 (ستقوم إيران بتحويل منشأة فوردو إلى مركز تكنولوجي فيزيائي نووي. ستنشأ شراكة علمية دولية في قطاعات موافق عليها ضمن التعاون الدولي. 1044 جهاز طرد مركزي من نوع (IR1) ستبقى في جناح واحد في فوردو على ست مجموعات، اثنتان من هذه المجموعات ستبقى تدور بدون يورانيوم، وسيتم تحويلها من خلال تعديل البنية التحتية لإنتاج نظائر مستقرة، والمجموعات الأربع المتبقية مع البنية التحتية المرتبطة بها ستبقى خاملة. وسيتم إزالة كل أجهزة الطرد المركزي الأخرى والبنية التحتية المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وتخزينها تحت المراقبة المستمرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية على النحو المحدد في المرفق الأول).
هذا ما يسميه روحاني انتصارا، ويبدو أن في تفاصيل الاتفاق فيما يتعلق بمنشأة فوردو ما يدل على أن المتفق عليه ليس عمل 1044 جهازاً فيها، وإنما مجرد بقائها في المكان فقط، فقد جاء في بند 50 (ستقيد إيران أنشطتها في إنتاج النظائر المستقرة بأجهزة الطرد المركزية في فوردو لمدة 15 سنة ولن تستعمل لغايات هذه الأنشطة أكثر من 348 جهازا من نوع (IR1).
وفيما يتعلق بمفاعل أراك فقد جاء في الاتفاقية (ستقوم إيران بإعادة تصميم وبناء مفاعل بحثي بالماء الثقيل في أراك، استنادا لتصميم مبدئي مقبول، وذلك باستخدام الوقود المخصب بما لا يزيد عن 3.67٪، ومن خلال شكل من أشكال الشراكة الدولية التي سوف تقوم بالمصادقة على التصميم النهائي. المفاعل سيدعم الأبحاث النووية السلمية، وإنتاج النظائر المشعة للأغراض الطبية والصناعية...)، فأراك لن يبقى كما هو بحسب النص، وإنما سيعاد تصميمه وبناؤه وفق أسس مختلفة، تؤدي بالضرورة إلى تغييره كليا.
وقد دفع هذا كله شريعتمداري لأن يكتب في كيهان في 15/7/2015 بعنوان (وللحقيقة وجه آخر) فيقول (إن بيان أوباما لوثيقة فيينا في بعض محاورها الأساس ليست مختلفة مع ما طرحه رئيس جمهوريتنا في حديثه المتلفز أول أمس وحسب وإنما هي متناقضة...)، وكان له تعليق سابق على اتفاق لوزان الإطاري قال فيه (هذا الاتفاق يعني أننا سلمنا الحصان واستلمنا عنانه فقط).
ونحن نقول بأن حكام إيران سلموا أمريكا الحصان والعنان، وما لم يع المسلمون في إيران حقيقة حكامهم وينحازوا لأمتهم ليكونوا جزءا منها فسيبقى حكامهم يقودونهم بالعصبية المذهبية وبالخداع والتضليل ليكونوا رأس حربة بيد أمريكا في حملتها الصليبية على مشروع نهضة الأمة الإسلامية، المتمثل بدولة الخلافة على منهاج النبوة التي هي وحدها الضامن لعزة وسؤدد المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وهي أيضا الضمان الوحيد لسعادة البشرية جمعاء.
فعسى أن ينكشف الغطاء عن أعين المسلمين في إيران فتنجلي لهم حقيقة حكامهم، فيكونوا بعد ذلك ويلا وثبورا على أمريكا وعملائها!
رأيك في الموضوع