قال الرئيس التركي أردوغان يوم 5/7/2024 "قد ندعو السيد بوتين ومعه بشار أسد. إذا تمكن السيد بوتين من القيام بزيارة لتركيا، فيكون ذلك بداية لعملية جديدة"، وادّعى كاذبا أن "داعش والتنظيمات الكردية الانفصالية هم فقط من يعارضون تطبيع العلاقات التركية السورية"، مخفيا أن أغلبية أهل سوريا يرفضون النظام والتطبيع معه. وقال "إن أجواء السلام التي ستعم سوريا ضرورية أيضا لعودة ملايين الناس إلى بلادهم"، ما يعني طرد اللاجئين السوريين من بلدهم الثاني تركيا.
وجاءت تصريحات أردوغان فور عودته من كازاخستان ولقائه بوتين هناك وبحثه الملف السوري معه. وكان قد أعلن فجأة يوم 28/6/2024 استعداده لتطوير العلاقات مع سوريا، إذ كانت جيدة في السابق وكان يلتقي بشار أسد مشيرا إلى رغبته بلقائه مجددا، ولهذا ذهب للقاء بوتين.
وقد استنكر أهل سوريا ذلك، ففاجأهم وفجعهم بأحداث يوم 30/6/2024 بشن هجمات وحشية على اللاجئين السوريين في مدينة قيصري التركية التي لا يستبعد أن تكون لمخابراته يد فيها. إذ أعلنت وزارة داخليته أن نحو 472 من المهاجمين هم من أصحاب السوابق. فمن جمع هؤلاء الأشرار ووجههم إلى هناك؟! وذلك لتهديد السوريين المعترضين على توجهه لمصالحة النظام، وليعلمهم أنه لا مكان لهم في تركيا، وعليهم الرحيل، وإلا فإنه سيسلط عليهم أشراره، ناكثا بوعوده عندما استقبلهم بالبداية أنهم ببلدهم! بل ليتمكن من الإمساك برقابهم ويطعن ثورتهم بسهام مسمومة.
وقد بدأت الحملة ضد اللاجئين السوريين منذ أكثر من سنتين، وكانت ردود فعل أردوغان كالواعظ، وليس كرئيس دولة يقوم ويتخذ إجراءات حاسمة، بل كان عاملا مساعدا للحملة بقوله أثناء الحملات الانتخابية الرئاسية والمحلية، إن من أهدافه إرجاع السوريين إلى بلادهم. وبدأ يعلن استعداده للقاء الطاغية بشار، وأرسل رئيس مخابراته ووزيري خارجيته ودفاعه ليلتقوا بنظرائهم في نظام الطاغية.
وأظهر الطاغية بشار استعداده للقاء نظيره أردوغان بعدما زاره ألكسندر لافرنتييف مبعوث الرئيس الروسي يوم 3/7/2024 معلنا "انفتاح سوريا على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا، وأن الغاية هي النجاح في عودة هذه العلاقات، وضرورة محاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته".
ويظهر أنه خطط لذلك في اجتماع أردوغان مع سيده الرئيس الأمريكي بايدن على هامش قمة السبع بإيطاليا يوم 14/6/2024، لأنه لا يمكن أن يتصرف دون موافقة أمريكا حيث يدور في فلكها. وأمريكا تبدي رغبتها بالانسحاب من سوريا، وذلك لتعزيز سلطة النظام التابع لها حيث تدخلت من أجل ذلك ودفعت تركيا وغيرها للتدخل. وقد تعثر تطبيق حلها السياسي واستصدارها لدستور سوري جديد حتى الآن. وهي الآن مشغولة بالانتخابات الرئاسية وبموضوع غزة، بجانب الحرب في أوكرانيا ومحاولاتها لاحتواء الصين.
وبجانب ذلك يظهر أن أردوغان أراد تحويل الأنظار نحو سوريا وإشغال الناس بما يتعلق بها، ولينسوا خذلانه لأهل فلسطين، حيث بقي يتفرج على الإبادة الجماعية في غزة كالعاجز، وهو قادر على فعل الكثير لو أراد، ما أسقطه من عيون الناس، وتوهم أن تطبيعه مع كيان يهود وتعزيزه العلاقات معهم سيكون عاملا مساعدا للضغط عليهم لوقف الإبادة، ولكن وهمه تبخر.
وبالتوازي مع ذلك فإنه يثير الفتن والاقتتال في الشمال السوري، فهو مسؤول عما يجري لوجود قواته ومخابراته هناك وارتباط فصائل به، وهو من وراء الاعتقالات للمخلصين الرافضين للتطبيع مع النظام والمطالبين باستئناف الثورة ليسكتهم وليحدث فوضى تجعل الناس يتمنون عودة النظام إلى مناطقهم!
وأحزاب المعارضة التركية وخاصة حزب الشعب الجمهوري وحزب السعادة، حزب أربكان، تلعب دور المعارضة ضد أردوغان، فقامت وأيدت النظام السوري واتصلت به، وهي ضد الثورة لأنها ترفض عودة الإسلام إلى الحكم وإسقاط النظام العلماني في سوريا، وهي تدافع عن مثيله في تركيا، وهي تابعة لبريطانيا التي تتفق مع أمريكا في هذه الأهداف، وتختلف في المصالح، فتعمل على إيجاد دور فعّال لها في سوريا وتستخدم أتباعها قطر والإمارات والأردن.
إن الحقيقة تقول إن أي ارتباط بأية دولة إقليمية أو دولية هو انتحار سياسي، لأن هذه الدول تعمل لتحقيق مصالحها فحسب، فهي تستخدم المرتبط بها لتحقيق مصالحها، وإذا اقتضت المصلحة التخلي عنه فإنها تبيعه وتخذله وتسلمه. وفي الوقت نفسه، فإنها كلها متفقة على منع عودة الإسلام إلى الحكم، وعلى بقاء التقسيم الاستعماري للمنطقة والحفاظ على النظام الدولي القائم ومنه الحفاظ على كيان يهود.
وبالنسبة لسوريا خاصة فإن هذه الدول لم ترد نجاح هذه الثورة بأي شكل من الأشكال، لأنها أخذت طابعا إسلاميا، وتخشى إن نجحت أن تشجع شعوب البلاد الإسلامية على الثورة على الأنظمة العميلة لإسقاطها وإقامة الخلافة. وهذا ما صرح به وزير خارجية سوريا الهالك وليد المعلم بأن الثائرين يريدون إقامة خلافة تشمل المنطقة. ومثل ذلك صرح مسؤولون روس وأمريكان حول خطر إقامة الخلافة في سوريا. ولهذا مكروا بهذه الثورة مكرا تزول منه الجبال، فمدّوا أيديهم إلى الفصائل المسلحة بخديعة دعمها، فوقعت تلك الفصائل فريسة في شباكهم وهي لا تشعر وهي تلعب في الشباك وتأكل من الطعم وتظن أن صاحب الشباك يدعمها، إلى أن جاء اليوم الذي حان قطاف رؤوسها، فبدأت تصفيتها من كافة المناطق وحشرت بمنطقة إدلب ليتم بيعها للنظام المجرم!
فكان تآمر الداعمين وخاصة تركيا والسعودية أشد ضررا من أعداء الثورة المباشرين من النظام السوري وإيران وأشياعها وروسيا التي أوعزت لها أمريكا بالتدخل لضرب الثورة. فتصريحات أردوغان النارية ضد بشار أسد ووصفه بالقاتل وأنه لن يلتقي معه، ولن يسمح بحماة ثانية، وقضية سوريا هي قضية داخلية لتركيا، ولبسه ثوب المتدين ووصفه بالإسلامي، كل ذلك ساعده في عملية الخداع وتصديق الناس له ووقوعهم في شباكه.
فبدأت تكتمل حلقات تنفيذ المؤامرة بتدخل تركيا في سوريا عسكريا بإيعازات أمريكية لتسلم حلب لروسيا عام 2016 ومن ثم اتفاقيات خفض التصعيد وتسليم المناطق وسحب الفصائل وحشرها في الشمال.
وكل المؤتمرات والاتفاقيات المتعلقة بالشأن السوري في جنيف وفينّا والرياض وأستانة وموسكو وسوتشي وقرار مجلس الأمن 2254، وهو مشروع أمريكي، كلها لم تنص على إسقاط النظام وبشار أسد، بل ما نصت عليه هو الحفاظ على النظام العلماني السوري ومؤسساته، ودعت لوقف إطلاق النار أي وقف الثورة والتفاوض مع النظام!
نسأل الله أن يكون هذا الوضع دافعا للناس للالتفاف حول القيادة السياسية الواعية المخلصة التي حذرتهم من أول يوم من كل ذلك ولا تزال تدعوهم للعمل على إسقاط النظام العلماني الجائر وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع