(طالبت القمة الأفريقية المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بإجراء تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات (الإسرائيلية) للقانون الإنساني الدولي في غزة، واستخدام الاحتلال الأسلحة المحظورة دوليا في استهداف المستشفيات والمؤسسات الإعلامية في حربها على القطاع. كما دعت القمة في بيان لها، الاحتلال إلى الاستجابة للدعوات الدولية ووقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، والامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية لمنع الإبادة الجماعية ورفع الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة. وضمن البيان ذاته، أدانت القمة الحرب (الإسرائيلية) "الوحشية" واستخدام القوة المفرطة ضد 2.2 مليون مدني عزل، ونددت بالعقاب الجماعي ضد المدنيين في غزة ومحاولات نقلهم بالقوة إلى شبه جزيرة سيناء).
إن ما يسمى بالاتحاد الأفريقي هو اتحاد شكلي منقلب سياسيا على ذاته، فالدول الأفريقية مجموعة من الكيانات المستعمَرة سياسيا واقتصاديا، ولا تملك هذه الدول قرارها السياسي في حق ذاتها حتى تملكه في حق غيرها، بل إن الناظر لدول أفريقيا يجد أنها محل صراع سياسي كبير وخطير؛ حيث تنتقل بعضها من تبعية لأخرى ومن نفوذ لآخر، فكيف يعقل أن يكون لها تأثير دولي وهي محل استعمار وتبعية وهي غير قادرة على حل مشاكلها الداخلية؟! فمثلا أعربت نينا ويلين، مديرة برنامج أفريقيا في معهد إيغمونت للعلاقات الدولية الذي يتخذ من بروكسل مقرا، عن شكوكها في أن تصدر قرارات قوية خلال القمة، وقالت إن "مقاومة الدول الأعضاء التي لا تريد أن ترى سوابق يمكن أن تضر بمصالحها الخاصة، لا تزال تمنع الاتحاد الأفريقي من إسماع صوته"، مشيرة إلى أن المنظمة لم يكن لها حتى الآن "أي تأثير يذكر على الدول التي شهدت انقلابات مؤخرا".
وقد تباينت مواقف الدول الأفريقية من أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ويمكن تقسيم هذه المواقف حسب مجلة جون أفريك الفرنسية إلى ثلاث مجموعات:
الدول التي أدانت الهجمات على كيان يهود وتقدم الدعم الكامل لها، ودول تتبنى وتدعو إلى وقف التصعيد والتنديد بقتل المدنيين بغض النظر عن الجهة المنفذة، وموقف ثالث لم يدن بشكل رسمي هجمات حركة حماس وطالب بالعودة إلى المفاوضات وتسوية الصراع بالطرق الدبلوماسية، معتبرا ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 تراكما لعدم تسوية القضية الفلسطينية.
وبقراءة بسيطة جدا فالصوت الأفريقي لا يُسمع ذاته حتى يستطيع إسماع غيره فضلا عن التأثير في القرارات والمواقف الدولية، بل إن علاقة يهود ببعض الدول الأفريقية عميقة جدا والتبادل التجاري والنفوذ لبعض الشركات في كيان يهود كبير بعيدا عن مسمى الاتحاد، وهذا يدل أيضا على عدم وحدة القرار السياسي لدول أفريقيا. ولماذا نذهب بعيدا فالاتحاد الأوروبي الذي أريد له أن يكون نافذا سياسيا وتملكه دول تملك سيادتها واستقلالها لا قيمة له سياسيا، فكيف بدول غارقة بمستنقع التبعية والاستعمار؟!
والناظر في حرب غزة يجد تعامل كيان يهود مع الحرب بأنها وجودية ومصيرية، وأطلق على الحرب ضد أهل فلسطين "حرب الاستقلال" الثانية، بمعنى أنه أضفى على الحرب الراهنة صبغة وجودية وليست سياسية. وبالتالي فإن الخطوات التي تتخذها حكومة الكيان في هذه الحرب مرتبطة حسب هذه القراءة بمصير وجودي - حسب قراءتهم - أكثر مما هي مرتبطة بمصالحها أو تموضعاتها الإقليمية. من هنا وبالرغم من فداحة قضية المحتجزين بحوزة حماس وغيرها من الفصائل في غزة بالنسبة ليهود، فإن قراءة الموقف لا تتعلق بالحسابات السياسية أو الإنسانية أو الرأي العام الدولي أو لبعض مواقف الدول والمنظمات الدولية، بل بما أنزلته عملية "طوفان الأقصى" من أضرار وجودية كيانية بيهود لن تمحى آثارها لأجيال قادمة. ولذلك فإن كيان يهود يحتاج إلى الحملة البرية للقضاء على حركة المقاومة والتمهيد لمشروع اليهود السياسي الذي يهدف من خلاله إلى سحق ليس حركة حماس في قطاع غزة فقط بل إلى تثبيت الكيان وإعادة الاعتبار له وتقويته ورفض المشاريع الدولية التي لا تتفق مع مصالحه، ومن هنا ندرك نظرة كيان يهود لهذه الحرب لما أحدثه طوفان الأقصى من آثار قاتلة على كيانهم والتي جن جنونهم منها.
أما لماذا نجد صدى في بعض الدول وبعض التحركات حتى لو لم تكن ذات تأثير دولي، فبعد دراسة كل هذه الدول تجد خصوصية خاصة لبعض الدول، فمثلا عانت أفريقيا ولا زالت من تبعية الاستعمار ونظام الفصل العنصري فهي تتعاطف إنسانيا مع هذه المعاناة، في الوقت الذي نجد المسلمين مكبلة أيديهم من أنظمتهم لأن دافع العقيدة أخطر إذا تحرك، من الدافع الإنساني.
رأيك في الموضوع