(مترجم)
تطفو في الآونة الأخيرة دلالات على اتجاه طالبان وحكومة مودي نحو نوع من الاعتراف الرسمي، بعد إشارة نائب وزير خارجية طالبان شير محمد عباس ستانيكزاي في تشرين الثاني/نوفمبر 2023م، إلى أنه ستتم إعادة فتح السفارة الأفغانية في نيودلهي قريباً، بالتزامن مع الجهود الهندية لتهميش الوجود الدبلوماسي للموالين السابقين لأشرف غاني في القنصليات الأفغانية الموجودة في مومباي وحيدر أباد. وتأتي هذه المبادرات الدبلوماسية في وقت وصلت فيه العلاقات بين طالبان وباكستان إلى الحضيض؛ بسبب عجز طالبان عن منع الهجمات التي تشنّها حركة طالبان باكستان عبر الحدود، والنزاعات الحدودية المتكررة، وطرد 1.7 مليون لاجئ أفغاني من إسلام آباد...
قبل سيطرة طالبان الكاملة على كابول وأفغانستان في آب/أغسطس 2021م، حافظت الهند على موقف قوي مناهض لطالبان، واستثمرت بكثافة في تعزيز العلاقات القوية مع حكومتي كرزاي وغاني، وفي عام 2011م، أبرمت الهند اتفاقية شراكة استراتيجية مع كرزاي، لتصبح الهند في السنوات اللاحقة أكبر مانح إقليمي لأفغانستان، حيث قدّمت مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار، تضمنت عدداً كبيرا من المشاريع المدنية ومشاريع البنية التحتية، وشهدت هذه الفترة من العلاقات الثنائية زيادة كبيرة في الهجمات عبر الحدود من حركة طالبان الباكستانية، وكذلك من قبل المسلحين البلوش الذين استهدفوا المشاريع المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، وأكدت باكستان أن الهند كانت تستغل الأراضي الأفغانية لتأجيج مثل هذه الهجمات والإشراف عليها لزعزعة استقرار البلاد وبرامج الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
لم تقتصر الجهود الهندية على تقويض الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ورعاية الجماعات المسلحة الباكستانية المهمشة، بل امتدت أيضاً إلى تعزيز التجارة مع دول آسيا الوسطى من خلال استثمار 8 مليار دولار في ميناء تشابهار الإيراني، الذي يسهّل نقل البضائع الهندية من إيران عبر أفغانستان وصولاً إلى دول آسيا الوسطى. وبعد سقوط حكومة غاني في عام 2021م، أجرت الهند محادثات سرية مع حكومة طالبان وعرضت عليها مجموعة من الحوافز، منها تزويد أفغانستان بالقمح ولقاحات كوفيد، ومشاريع البنية التحتية، ومساعدات أخرى؛ مقابل إبقاء طريق البضائع مفتوحاً، حيث إنه أمر حيوي للمصالح الأمريكية والهندية، كما وتتنافس الهند وأمريكا مع توسّع الصين في مشروع حزام واحد وطريق واحد غرباً. لهذا السبب، حرصت الهند على أن تعمل سفارتها في كابول كالمعتاد تحت ستار (فريق فني) دائم، ولكنها لم ترقَ إلى مستوى الاعتراف الدبلوماسي الكامل.
على الرغم من عدم ثقة الهند العميقة بطالبان، إلا أن حكومة مودي أعدّت نفسها بحرص لاحتضان حكومة طالبان، وتحقيق هدفين:
الأول: بعد زيارة كلينتون للهند في عام 2000م، تخلت أمريكا عن باكستان باعتبارها وكيلها الرئيسي في شبه القارة الهندية لصالح الهند؛ لتحقيق الخطة الاستراتيجية الأمريكية لمجابهة الصين، والتي تتلخص في استخدام الهند كجزء من الحوار الأمني الرباعي (كواد) لتقييد توسع الأذرع البحرية الناشئة للصين داخل حدود سلسلة الجزر الأولى ومنع الصين من استخدام بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي ومالاكا؛ حيث يشكل المضيق تهديداً للتجارة البحرية الأمريكية والمصالح الأمنية، وتدعم هذه الاستراتيجيةَ أيضاً مبادرةُ عقد الماس التي أطلقتها نيودلهي لمنع الصين من السيطرة على المحيط الهندي من خلال مساعي بكين لبحر اللؤلؤ.
على الأرض، تعمل أمريكا على تعزيز قدرات الهند لإحباط مخطط مشروع حزام واحد وطريق واحد الصيني من خلال الضغط على الهند لتأجيج الاضطرابات في التبت وشينجيانغ في محاولة لقطع الشريان الرئيسي لتوسع مشروع حزام واحد وطريق واحد غرباً، وتشمل هذه الخطة أيضاً الطريق الهندي-الإيراني-الأفغاني من ميناء تشابهار إلى آسيا الوسطى. مع ذلك، تدرك أمريكا أن هذه الخطة غير فعّالة إذ لم تتحول باكستان من الجغرافيا السياسية إلى الاقتصاد الجغرافي وتسلم كشمير بالكامل للهند، وعندها لن يكون مودي قادراً على التنافس مع الصين ومجابهتها. ولاحتواء هذه المشكلة، أعلنت إدارة بايدن عن بناء ممر الشرق الأوسط الذي تترأسه الهند، والمسار جزء من شراكة بايدن للبنية التحتية العالمية والاستثمار، التي تنافس مشروع الفضاء، حيث تعاونت أمريكا مع الهند في مجموعة متنوعة من المشاريع، مثل هبوط مسبار على القطب الجنوبي للقمر لإدخال الهند في الجهود الأمريكية لتسليح الفضاء لمواجهة التطلعات الصينية للهيمنة على الفضاء.
الثاني: اهتمام الهند الأساسي يتمثل في رصد مؤهلات طالبان الإسلامية، حيث كانت أفغانستان تاريخياً بمثابة نقطة انطلاق للجهاد وغزو الهند، فقد سيطرت سلطنات الغزنويين (977-1186م)، والغوريين (1175-1215م)، ودلهي (1206-1526م)، والمغول (1526-1857م)، والدوراني (1747-1863م)، على الهند لما يقرب من 900 عام، ونتيجة لذلك تشعر النخبة الهندوسية في الهند بالذعر إزاء عودة الإسلام.
أخيراً؛ فإنه بدلاً من أن يكون المسلمون بيادق على رقعة أمريكا للحدّ من قدرات الصين، فإنه يتوجب على المسلمين في أفغانستان وباكستان والهند العمل سويّاً لاستعادة ماضيهم المجيد، فهم باتحادهم سيشكلون قوة كبرى تكون عصية على أيّة قوة كبرى عالمية، وهذا ممكن جداً من خلال إقامة الخلافة على منهاج النبوة في هذه المنطقة التي تدين بالإسلام العظيم، وبمقدرات شعوبها يمكن لدولة الخلافة إيجاد التكامل فيها، كشعوب مجاهدة ومصدرة للخبرات العلمية والتكنولوجية لمختلف دول العالم الكبرى، إضافة إلى غِنى هذه المنطقة - شبه القارة الهندية - بمختلف الموارد الطبيعية.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي – ولاية باكستان
رأيك في الموضوع