لقد وضعت عملية طوفان الأقصى العالم العربي والإسلامي على المحك، وخاصة ما يسمى بـ(محور المقاومة)، ولم يكن لبداية الأمر ذلك الأثر الكبير، سوى الإشادة بالعملية البطولية لمجاهدي غزة، ولكن ما قام به الكيان الصهيوني بعد ذلك من أعمال وحشية في حق المدنيين من النساء والشيوخ والأطفال، وتدمير للبنى التحتية، وقصف للبنايات والمستشفيات، أحرج حكام البلاد العربية والإسلامية، خاصة أنظمة الدول المجاورة لفلسطين كالمصري والأردني، والنظام التركي الذي يحاول أن يتسربل بلباس الإسلام، والنظام الإيراني الذي صدع رؤوسنا بعدائه للكيان الصهيوني وأمريكا الذي ينعتها بالشيطان الأكبر.
ما دفع إيران عن طريق وكلائها في العراق واليمن ولبنان بعمليات استعراضية؛ فقام حزب إيران في لبنان بضربات إعلامية محدودة مستهدفة بعض النقاط في شمال فلسطين، وقامت ما تسمي نفسها بالمقاومة الإسلامية في العراق بتوجيه ضربات خجولة مستهدفة القواعد الأمريكية في سوريا والعراق كقاعدة التنف في سوريا وعين الأسد وحرير في العراق، وقام الحوثيون بضربات صاروخية "نظيفة" كما وصفها الناطق باسم الحوثيين محمد عبد السلام، على السفن المتجهة للكيان الصهيوني في البحر الأحمر.
وفي المقابل وجه الطرف الثاني (الكيان الصهيوني) ضربات موجعة.
ففي 25/12/2023م قصف الكيان الصهيوني منطقة السيدة زينب في محافظة ريف دمشق السورية، ما أسفر عن مقتل القيادي الإيراني سيد راضي موسوي المعروف بـ(السيد راضي)، وهو أحد كبار مستشاري الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وتعتبر ضربة كبيرة بالنسبة لطهران وفق مراقبين.
وفي 3/1/2024م قتل وأصيب العشرات إثر انفجار قنبلتين بالقرب من قبر قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، بمحافظة كرمان في الذكرى الرابعة لمقتله، وقد توعد حينها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بـ"رد قاس".
وبعد كل ذلك جاء الرد الإيراني بعملية ليست كسابقتها، فكل الرسائل التي كانت تبعثها قبل هذه العملية كانت عن طريق وكلائها في العراق ولبنان واليمن، أما هذه العملية فقد انطلقت من إيران، ففي منتصف ليلة الاثنين الموافق 15/1/2024، تبنى الحرس الثوري الإيراني إطلاق أربعة صواريخ بالستية من طراز "خيبر شكن" انطلقت من خوزستان باتجاه ما قال إنها "مقارّ مجموعات إرهابية" في إدلب، وتسعة صواريخ على مواقع مجموعات أخرى من مناطق أخرى في سوريا، كما تبنى الحرس الإيراني إطلاق أربعة صواريخ من غربي إيران وسبعة من شمال غربي إيران نحو مقارّ قال إنها تتبع لـ"الموساد" في إقليم كردستان العراق.
ولقد كانت لهذه العملية تداعيات وبالأخص على النظام العراقي، فبينما كان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ينادي بضرورة إنهاء وجود قوات التحالف في العراق على إثر مقتل طالب علي السعيدي، معاون آمر لواء 12 / حركة النجباء، ومرافقه، وجرح 6 آخرين بضربة أمريكية وجهت لأحد مقرات الحشد في بغداد، وإعلانه عن رغبة بلاده "الثابتة" في رحيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وأنها اعتداء على سيادته، جاءت هذه العملية، لتضع رئيس الوزراء العراقي والحكومة العراقية في (حيص بيص)، ويرد على إيران واصفاً هذا الهجوم بالعدوان، وقال: إن "هذا بالتأكيد تطور خطير يقوض العلاقة القوية بين العراق وإيران"، وتابع: إن "الحكومة العراقية تحتفظ بحقها للقيام بكافة الإجراءات الدبلوماسية والقانونية وفق سيادتها".
والمتابع لهذه الأحداث يتبين له وبوضوح، أن الرد الإيراني الأخير جاء لحفظ ماء الوجه، وأن إيران لا تريد أي مواجهة مباشرة مع كيان يهود، بالرغم من استفزازه لها بقتل بعض قادتها ومستشاريها والوصول إلى العمق الإيراني بعملية التفجير في محافظة كرمان.
وإن إيران بهذه العملية وضعت نفسها في مأزق جديد أمام نصرة أهل غزة، فقد أثبتت أنها تمتلك القدرة الصاروخية بعيدة المدى، عدا أنها بمثابة الدولة الحدودية مع فلسطين عن طريق حزبها في لبنان، ومن حقنا أن نسأل، أين هذه الصواريخ البالستية من نصرة الأبرياء المستغيثين في غزة؟! ليتبين بوضوح أن هذه الرسائل تصب في إطار أن "تستكمل (إسرائيل) عملياتها في غزة، وفي المقابل أن تبقى الهجمات محدودة ضدها في جنوب لبنان والبحر الأحمر وسوريا والعراق دون أن تسبب أي مشكلة"، كما قال الباحث البازي.
"وبالنظر إلى خلفية المواجهة بين إيران و(إسرائيل) في سوريا وأماكن أخرى، فقد تجنبت طهران باستمرار الانتقام المباشر"، كما يقول الباحث حميد رضا عزيزي، ويوضح أن "السبب المنطقي وراء ذلك هو إحجام طهران عن الدخول في حرب صريحة مع (إسرائيل)".
ونرى أن استمرار كيان يهود في مثل هذه العمليات والتهديد المستمر لحزب إيران في لبنان، وآخرها في صباح السبت الموافق 21/1/2024 ومقتل خمسة مستشارين عسكريين إيرانيين بقصف (إسرائيلي) استهدف مبنىً سكنياً قرب السفارة اللبنانية في منطقة المزة غربيّ العاصمة السورية دمشق، كما أكد ذلك الحرس الثوري الإيراني، هي محاولة لجرهم إلى ضربها مباشرة وخلط الأوراق للخروج من مأزقها في غزة الصامدة، لتصبح مُعتدى عليها ولكسب تعاطف الرأي العام العالمي الذي بات ضدها، ولكن الولايات المتحدة لا زالت ترفض ذلك خشية خروج الأمور عن السيطرة إذا ما تحركت جيوش المسلمين.
أيها المسلمون: لقد فضحت عملية طوفان الأقصى جميع العملاء، وكشفت سوأتهم، فلم يعد لديهم ما يسترون به عمالتهم وتخاذلهم، وأن ما فعلته إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان، من قوة مفرطة في قتل المسلمين، يبين أنها وجميع حكام المسلمين هم أعداء للأمة، وأنهم على نقيض ما أراده الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، فهم أعزة على المسلمين أذلة على الكافرين، ولا خلاص للمسلمين إلا بزوالهم، وإقامة حكم الإسلام على أنقاض أنظمتهم العفنة التي فرضها أسيادهم من الكافرين، لينال المسلمون شرف الجهاد ونصرة المسلمين الذي لا يليق بأمثال هؤلاء الرويبضات الخونة. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد الطائي – ولاية العراق
رأيك في الموضوع