إن الحديث عن أثر حرب غزة على الأردن كبير في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، ولعلنا نذكر أبرز هذه التداعيات وأثرها على النظام في الأردن.
فلقد أظهرت حرب غزة الكثير من التداعيات سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي أو المحلي، وهذه التداعيات الكبيرة تتفاوت في قدرتها وخطورتها وأثرها على المحيط الإقليمي. ومما لا شك فيه أن هناك أثراً كبيراً على الأردن سواء من خلال خطورة اليمين المتطرف ومشروعه، والحديث عن اقتطاع أجزاء كبيرة من الأردن وتهجير الفلسطينيين إلى الأردن، ما جعل أهل الأردن يتحركون باتجاه دعم المقاومة والدعوة إلى حمل السلاح وقتال كيان يهود، والضغط لإعادة النظر وإلغاء العلاقات مع يهود وخاصة وادي عربة والعلاقات الثنائية بين النظام الأردني وكيان يهود، والنظرة بعين الريبة إلى تلك العلاقة، وحقيقة موقف النظام في دعم كيان يهود وحقيقة العلاقة معه، وهذا بدوره له أثر على علاقة الناس بالنظام وعلاقاته.
فقد استخدم وزير مالية كيان يهود بتسلئيل سموتريتش، خلال مشاركته في فعالية عقدت في باريس، خريطة لـ(إسرائيل) تضم حدود المملكة الأردنية الهاشمية والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وورد في مقال لبسام البدارين (آخر التقارير العميقة في المؤسسة الأردنية قرأ بوضوح "واقع تحول ما يسمى بالدولة العميقة في الكيان" إلى سطوة اليمين، حيث تفقد عمان يومياً الآن أصدقاء مخلصين في المؤسسة (الإسرائيلية) لفكرة "الشراكة" أو لمقترحات "التيار العلماني". العنوان الأبرز في التقرير الذي تشير إليه "القدس العربي" يتحدث عن "تغلغل" الجناح الديني المتطرف المؤمن بـ(إسرائيل الكبرى) إلى عمق الأجهزة الأمنية بالكيان، مثل الشين بيت والموساد، وحتى فرع الاستخبارات في ما يسمى بـ"جيش الدفاع")، مع علمنا بقوة العلاقة بين النظام في الأردن والدولة العميقة في كيان يهود التي تضبط سلوك هذا اليمين، لكن ميل الشارع اليهودي لليمين يجعل هناك مخاوف حقيقية على الأرض والشعب في الأردن.
فضلا عن العلاقات مع أمريكا التي تدعم يهود في حربهم ضد أهل غزة، حيث تشترط بنود الاتفاقية أن يوفر الأردن أماكن حصرية للقوات الأمريكية تشمل 15 موقعاً، وهذه الأماكن يتحكم الجانب الأمريكي بالدخول إليها، ويجوز لهذه القوات حيازة وحمل الأسلحة في الأراضي الأردنية أثناء تأديتها مهامّها الرسمية. كما توجب الاتفاقية على الأردن السماح للطائرات والمركبات والسفن بالدخول وحرية التنقل في الأراضي الأردنية والمياه الإقليمية، والخروج منها بحرية تامّة دون دفع الرسوم والضرائب.
وأمريكا تستغل هذه الأحداث لمصلحتها في تحقيق أهدافها السياسية في الأردن بزيادة التعاون العسكري وفرض أجندات سياسية عليه.
فَعَلَت النبرة الداخلية في الأردن حول خطورة العلاقة العسكرية مع الأمريكان، وظهر الحديث عن القواعد الأمريكية في الأردن ودورها، والحديث عن نقل السلاح والعتاد والدعم العسكري ليهود. وطالب الشعب في الأردن بفتح الحدود وتحرك الجيوش لنصرة أهل غزة وتحرير المسجد الأقصى، بل كل فلسطين، ما جعل النظام في الأردن يعتقل ويسجن كل من طالبه بالتحرك وتحريك الجيش ضد يهود، فعلت الأصوات وفضحت النظام وعلاقاته المشبوهة مع أمريكا ويهود. فأظهرت هذه الأحداث حقيقة نظرة الناس للنظام في الأردن بنظرة الذل والمهانة وأنه شريك في العدوان على غزة بعيدا عن التصريحات الجوفاء.
إن الحديث عن تداعيات حرب غزة على الوضع الداخلي في الأردن كبيرة، ويدرك المتابع خوف النظام من آثار حرب غزة على النظام ووسطه السياسي. فقد ذكرت جريدة العربي الجديد "يرى مراقبون أن الأردن سيكون في وسط عاصفة اقتصادية ناتجة عن حالة عدم اليقين في المنطقة الناجمة عن هذه الحرب، مؤكدين أنه كلما طالت حالة عدم الاستقرار زادت الصعوبات، سواء الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية، وسينعكس كل ذلك بشكل سلبي على كافة مناحي الأنشطة الإنتاجية التي تحتاج بيئة مستقرة".
في الختام، لقد أصبح واضحا وضوح الشمس طبيعة العلاقة العضوية بين النظام، وبالذات رأس النظام، وبين كيان يهود؛ فهي علاقة متينة لا ولن تنفك لأنهما خرجا من بوتقة واحدة، وأُوجدا من المستعمر نفسه لخدمة الغرب الكافر، فلا زوال لأحدهما إلا بزوال الآخر... وهذا ما يجب أن يعيه وأن يقتنع به أهل الأردن، وهو كائن بإذن الله تعالى، فقد بدأت إرهاصاته في بعض الهتافات الخافتة والهاشتاغات المتداولة مثل تحريك الجيوش، وإسقاط العروش...
وكما تواتر عن العالم الجليل الشيخ تقي الدين النبهاني (رحمه الله تعالى وغفر له) مؤسس حزب التحرير، عندما قال: إن هذا الكيان (إسرائيل) ظل للأنظمة الحاكمة، فزوالها سيكون نتيجة زوال هذه الأنظمة العميلة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يشهدون ذلك اليوم وأن يكون قريبا.
بقلم: الأستاذ عبد الحكيم عبد الله
رأيك في الموضوع