قال الدكتور علي جمعة، مفتي مصر الأسبق، رئيس لجنة الشؤون الدينية والأوقاف في مجلس النواب، إن مفهوم المواطنة في العصر الحديث هي عقد اجتماعي بين الفرد والدولة وهو ما بني عليه مفهوم الجنسية التي يترتب عليها الحقوق والواجبات للفرد في المجتمع، وأضاف جمعة، خلال مشاركته في ندوة نظمتها كلية الحقوق في جامعة الإسكندرية، مساء الأربعاء، تحت عنوان "المواطنة بين المسيحية والإسلام"، أن تحقيق هذا المفهوم في التاريخ الإسلامي يأتي عبر عدة نماذج في عصر الرسالة المحمدية والخلفاء الراشدين، وذلك من خلال عدة صور في مجتمعات مكة والمدينة والحبشة، وأوضح أن الدولة في الإسلام دولة مدنية تختلف عن الدول الدينية والعلمانية، في أنها تقوم على الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ولكن بشرط أن يكون التشريع في إطار مبادئ الشريعة الإسلامية، ما يعني أن المواطنة هي أسلم طريقة للتعايش في العصر الراهن. (المصري اليوم 3/5/2023)
محاولات لا تنقطع من الغرب لطمس هوية الأمة وإيجاد روابط جديدة تحل محل العقيدة الإسلامية لدى المسلمين، محاولاً إلباسها لباس الإسلام ويروج لها مشايخ وعلماء أضلهم الله على علم وختم على سمعهم وبصرهم فباعوا دينهم بدنيا الحكام الخونة ومن وراءهم.
إن المواطنة هي علاقة الفرد بالوطن الذي ينتسب إليه، والتي تفرض حقوقاً دستورية وواجبات منصوصاً عليها بهدف تحقيق مقاصد مشتركة ومتبادلة، وهي الجنسية التي تُنشؤها الدولةُ في المبدأ الرأسمالي، فالدولةُ عندهم هي التي تمنحُ الجنسيةَ، وهي التي تسلبُها، ويقابلها في الإسلام التابعية ورغم وجود تشابه بين التابعية والجنسية إلا أن الفرق بينهما شاسع، فالتابعيةُ حكمٌ شرعيٌّ يخضعُ له الحاكمُ والمحكومُ وتسير الدولة في أحكامها حسب الأحكامِ الشرعيةِ، يقولُ الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ﴾ فمفهوم الآية أنهم إن هاجروا فقد صار لكم عليهم ولايةٌ، أي صاروا يحملونَ تابعيةَ الدولةِ الإسلامية، وليس لدولةِ الخلافةِ أن تحرمَ أحد رعاياها من تابعيةِ الدولةِ.
ويعني مصطلح التابعية وجودَ دولةٍ أيْ كيانٍ تنفيذيٍّ لمجموعةِ المقاييسِ والمفاهيمِ والقناعاتِ، ووجودَ أناسٍ يحملونَ مفاهيمَ واحدةً وتحركهم مشاعرُ واحدةٌ، يقومُ هذا الكيانُ التنفيذيُّ بتطبيقِ نظامٍ واحدٍ على هؤلاء الناسِ، يكونُ فيه النظامُ الواحدُ والمفاهيمُ الواحدةُ والمشاعرُ الواحدةُ من جنسٍ واحدٍ، تنبثقُ جميعُها عن عقيدةِ هذا المجتمعِ، العقيدةِ الإسلامية.
فعلاقةُ كل واحدٍ من الناس في هذا المجتمعِ مع الكيانِ التنفيذيِّ لمجموعة المقاييس والمفاهيم والقناعات علاقةُ تابعيةٍ، يترتّبُ عليها من جهةِ الناسِ الطاعةُ، ومن جهةِ الدولةِ وحدةُ النظرةِ إلى أفرادِ الرعيةِ في الحكمِ والإدارةِ والقضاءِ ورعايةِ الشؤونِ وغيرِ ذلك، وهي أي التابعيةُ حكمٌ شرعيٌّ يتعبّدُ كلٌّ من الخليفةِ ورعيتِه بالتزامِه قربةً إلى اللهِ سبحانه وتعالى، وطلباً للأجر والثواب.
أما عن ربط المفتي الأسبق لمفهوم الدولة في الإسلام بالدولة المدنية ليقول إنها دولة بشرية ليست علمانية وينفي عنها كونها دولة دينية، فإن هذا يعيدنا إلى مفاهيم الدولة التي يعلمها المفتي كما نعلمها، فدولة الإسلام هي دولة بشرية حقا ولكنها ليست دولة مدنية ولا دولة دينية. فالدولة المدنية نشأت في الغرب بعد صراع دام بين الفلاسفة والمفكرين وبين الكنيسة التي كانت ترسخ لدولة دينية وتجعل من الحاكم فيها ظلاً لله في الأرض، فقد كان هذا مفهوما سائدا عندهم تسلطت به الكنيسة والملوك على الناس في أوروبا واستعبدوهم لقرون وكانت نشأتها لغياب الأحكام التي تنظم الدولة وتبين كيفية رعاية شؤون الناس عند النصرانية، وانتهى الصراع بالحل الوسط الذي يفصل الدين عن السياسة ويجعل الحكم في يد الفلاسفة والمفكرين ويبقي لرجال الدين امتيازات محدودة، وجعلت السيادة للشعب، ومن هنا نشأت فكرة الفصل بين السلطات لمحاولة ضمان العدالة فيمن يطبقونها، هذه هي الدولة المدنية ومقابلها هو الدولة الدينية.
أما دولة الإسلام فإنها دولة بشرية ليس فيها فصل بين السلطات، السيادة والمرجعية فيها للشرع والسلطان للأمة، والأمة هي التي تعطي سلطانها للحاكم لينوب عنها في تطبيق الإسلام عليها بعقد البيعة، فالحاكم في الإسلام يصل للحكم بطريقة بينها الشرع وحدد كيفيتها لكي يحكم بالإسلام وأوجب على الأمة طاعته طالما حكمها بالإسلام، وهنا يجب أن نعي أن مهمة الحاكم الأساسية هي رعاية شؤون الناس بالإسلام، وهو ليس ظلاً لله ولا قداسة له وليس فوق القانون ولا فوق أحكام الشرع، فإذا قصر في هذه الرعاية أو قصر في تطبيق الإسلام أو أساء في التطبيق كأن تبنى ما ليس له أن يتبنى فيه دون حاجة لذلك أو فرط في حقوق الأمة وملكياتها لعدوها أو تقاعس عما أوجبه الله عليه من حفظ للدولة وحمايتها وحمل الإسلام للعالم، أو غير ذلك من المخالفات وجبت محاسبته.
هذه هي الدولة الإسلامية التي يعمل حزب التحرير لإقامتها واصلا ليله بنهاره مصارعا أفكار الغرب وكاشفا لمؤامراته التي تحاك للأمة، مستنصرا المخلصين في جيوش المسلمين ليمكنوه من إقامتها.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾
*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع