في غفلة من الأمة تمكن الكافر المستعمر من هدم الخلافة؛ كيانها السياسي، وحصنها الذي تلوذ إليه، وركنها الشديد الذي تمتنع به عن أعدائها، وأعمل خنجره المسموم في جسدها فقطعها إلى بضع وخمسين مزقة! وللمحافظة على هذه الحالة من الفرقة والشرذمة، وتكريس الضعف والتناحر فيما بين هذه الكيانات المرتبطة في وجودها وسياستها بالغرب الكافر، زرع كيان يهود في قلب البلاد الإسلامية، فلم يكن اختيار فلسطين لتكون بؤرة الصراع اعتباطاً لما له من أبعاد عقائدية، وتاريخية، وسياسية.
رغبة يهود في تحقيق معتقداتهم الموهومة والزائفة كانت الدافع الأكبر لتلتقي المصالح الخبيثة، كي ينجح الغرب في استغلالهم واستخدامهم أداة لضرب الأمة الإسلامية، ولأن الدول الاستعمارية تدرك تماماً استحالة قدرة يهود على البقاء، وخوض المواجهة بينما تحيط بهم شعوب الأمة الإسلامية كالبحر من كل جانب، فقد أسس لهم كياناً في الأرض المباركة فلسطين، ومدهم بأسباب الحياة، ودعمهم بأقوى الأسلحة، وأعلى التقنيات المدنية والعسكرية، وأمن لهم حماية كاملة من خلال الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين، ولخيانة وخنوع تلك الأنظمة، أصبح ليهود أطماع في باقي بلاد المسلمين.
وسوف نتحدث عن أطماعهم في أفريقيا وأسباب توجههم لهذه القارة الفتية:
فقد كانت قارة أفريقيا محط أعين الدول الاستعمارية، فرنسا وإنجلترا وبلجيكا؛ فتلك الأطماع هي قديمة منذ عدة قرون، والسؤال هو ما الذي جعل القارة الأفريقية محط أطماع الغزاة المستعمرين؟
ترجع أهمية القارة الأفريقية، سواء في الماضي أو في الحاضر، إلى أسباب عدة؛ فمن الناحية الاقتصادية نجدها غنية بالموارد الطبيعية، حيث تتوافر فيها المواد الأولية؛ كالغابات التي تعد مصدرا للأخشاب، إلى جانب مواد أخرى مثل البن والكاكاو والمطاط والفواكه الاستوائية.
أما من حيث الموارد المعدنية، فنجدها من أكبر منتجيها؛ مثل الفوسفات والذهب والمنغنيز والكوبالت والحديد وغيرها من المعادن المهمة لقطاع الصناعة، هذا إلى جانب الألماس بكثرة. وتشير التقديرات إلى أن 30٪ من الموارد المعدنية المستخرجة من الأرض موجودة في القارة الأفريقية.
أما بالنسبة للموارد النفطية فتعد أفريقيا أكبر القارات التي تضم دولا منتجة للنفط، حيث يوجد فيها قرابة 21 دولة منتجة للنفط، وتنتج القارة الأفريقية في الوقت الراهن نحو 11% من الإنتاج العالمي، بما يعادل حوالي 80 إلى 100 مليار برميل من النفط الخام، كما أنها تمتلك قدرا من الاحتياطيات النفطية؛ ربما يصل إلى نحو 10% من الاحتياطي العالمي حسب تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. ويمكننا تقسيم مناطق إنتاج النفط في القارة السمراء إلى أربع مناطق هي:
أولاً: شمال أفريقيا وتضم خمس دول هي: مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب.
ثانياً: منطقة شرق ووسط أفريقيا، وتضم السودان وتشاد والكونغو برازافيل.
ثالثاً: منطقة غرب أفريقيا التي تضم نيجيريا وتوجو والكاميرون وغانا وساحل العاج.
رابعاً: منطقة الجنوب الأفريقي وتضم جنوب أفريقيا وزيمبابوي.
وحتى سبعينات القرن الماضي كانت منطقة شمال أفريقيا في صدارة الإنتاج في القارة، لكن الوضع اختلف في العقود الثلاثة التالية لصالح إقليم غرب أفريقيا الذي أصبح أكثر مناطق أفريقيا الواعدة بالنفط، بعد الاكتشافات الكبيرة في منطقة خليج غينيا الذي أصبح يستأثر بنحو 70% من إنتاج النفط الأفريقي، ويصل حجم إنتاجه نحو 9.5 مليون برميل يوميا، وهو ما يزيد عن مجمل إنتاج فنزويلا والمكسيك، ولعل ذلك هو ما دفع المختصين بصناعة النفط إلى تسمية هذا الإقليم بالكويت الجديدة، ونجد أيضا تكالب من القوى الدولية للاستثمار في مجال استخراج النفط الأفريقي، وأيضا لاستيراده كي تلبي تلك الدول احتياجاتها الخاصة.
وعلى صعيد آخر نجد أن القارة الأفريقية قد أصبحت سوقا استهلاكيا جيدا للدول الصناعية، فتعداد سكانها يتخطى المليار نسمة، حيث مجموع سكان دولتين فقط من دولها وهما نيجيريا ومصر يقترب من 300 مليون نسمة، ما يجعل القارة سوقا استهلاكيا مناسبا للتصدير، وتصريف إنتاج الدول الصناعية.
كل تلك الموارد تجعل القارة السمراء غنية بالموارد الطبيعية التي من شأنها، لو استثمرت، أن تدعم اقتصاديات شعوبها وتدفعها للنمو والازدهار، وتلك الموارد جعلتها مطمعا لأكثر من دولة عالمية وإقليمية تطمح للاستفادة من هذا الكم الهائل من الموارد، هذا إلى جانب تعداد سكانها المرتفع، إذ يجعلها سوقا مناسبا للتصدير بالنسبة للدول الصناعية.
وليست الموارد فقط هي التي تكسب أفريقيا الأهمية، وتجعلها مطمعا للعديد من الدول العالمية والإقليمية، فإن موقعها أيضاً يكسبها أهمية استراتيجية كبيرة؛ ذلك لأن المغرب تشرف على مضيق جبل طارق، ذلك الممر المائي المهم الذي ترجع أهميته إلى أنه المفتاح الغربي للبحر الأبيض المتوسط، والمهم لتجارة النفط وحركة سفنه. وتتحكم مصر بقناة السويس؛ ذلك الممر المائي المهم للتجارة الدولية والملاحة العالمية، كما أنها تشرف على ممر مائي مهم، وهو مضيق باب المندب، وتتحكم به جيبوتي وإريتريا، والذي يكتسب أهمية نظرا لأنه المفتاح الجنوبي لقناة السويس، والمهم لضمان استمرار حركة الملاحة بها، فتلك الممرات أكسبت القارة الأفريقية ثقلاً استراتيجيا كبيراً نظرا لأهميتها للتجارة الدولية والملاحة العالمية بشكل عام.
لكن هل كانت قارة أفريقيا مطمعا للغزاة في الماضي فقط؟ بالطبع لا، بل إنها تشكل مطمعا أيضا في وقتنا الحالي، فنجد فيها توغلا للعديد من الدول لمحاولة السيطرة عليها واستغلال ثرواتها، وتهديد أمن بعض دولها، والتحكم في الممرات المائية التي تشرف عليها، ومن تلك الدول كيان يهود الغاصب للأرض المباركة.
فمنذ أمد بعيد وكيان يهود يحاول أن يتسلل إلى أفريقيا حتى وصل الآن إلى الانضمام كعضو مراقب في قمة الدول الأفريقية. فقد اهتم بإقامة علاقات من التعاون في كل المجالات العسكرية والزراعية والصناعية، وكانت البعثات وكبار مسئوليه في زيارات دائمة للعواصم الأفريقية، وهناك أعداد كبيرة من يهود أفريقيا انتقلوا إلى فلسطين، وكان في مقدمتهم الفلاشا من إثيوبيا.
إن اهتمام هذا الكيان المسخ بأفريقيا لم يأت من فراغ، لأن مياه النيل أصبحت هاجساً لقادته، فكانت محاولته الأخيرة للانضمام كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، محاولة خبيثة لكي يضع أقدامه في القارة السمراء، والشيء المؤكد أنه حقق إنجازات كثيرة نتيجة علاقته بدول أفريقيا.
يتبع...
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع