أثار مؤتمر الخلافة السّنوي الثّاني عشر الذي عقده حزب التحرير/ ولاية تونس، ولا يزال، عاصفة غير مسبوقة من الاستنكار والتنديد، في حملة دنيئة من التحريض على الحزب بالافتراء عليه، ووسمه بما ليس فيه، وتشويه سمعته عمدا، حملة أثارها العلمانيّون يستنكرون الدعوة إلى الخلافة ويتباكون على المدنية والحداثة، وقد بلغ بهم السفه أن صاروا يطالبون بحله، (هكذا) محرضين السلطة على شبابه ومناصريه ومؤيديه. وقد تولت جهات إعلامية، وبعض منظمات ما يسمى بالمجتمع المدني من الذين لا يخفى ارتباطهم الفكري والعضوي بالمستعمرين، قيادة الحملة الإعلامية، بصورة ممنهجة سُخّرت لها المنابر الحوارية وفتحت أمامها أعمدة صحف وعناوينها الرئيسية.
لماذا التّحريض على الحزب؟ أليس العلمانيون هم دعاة حرية الفكر والرأي؟! ألم يقولوا من قبل إن أي فكر مقبول ما دام أصحابه لا يستعملون العنف ولا يدعون له، وهم يشهدون أن الحزب لا يستعمل العنف ولا يدعو له؟ فلماذا يحرضون على الحزب والخلافة التي يدعو لها؟ لماذا يغرون البوليس بشباب الحزب؟ ولماذا سعوا إلى منع عقد مؤتمر الخلافة السنوي؟
يقولون إن الخلافة فكرة ضد المدنية والجمهورية وقيمها، خطر على الدولة المدنية الحداثية، فأعلنوا خوفهم صراحة من الخلافة.
فهل الخلافة مخيفة؟ ومن يخاف الخلافة؟
الخلافة هي الحكم بالإسلام وهي استئناف الحياة الإسلامية كما أرساها الرسول ﷺ، وهي الدولة التي تنقذ البشرية، وقد اتفق كل علماء الأمة على وجوبها، ولم يخالف منهم من يعتد برأيه. وإذا كانت الخلافة هي التجسيد العملي للإسلام في الحياة، وإذا كان التونسيون من المسلمين، فهل تُخيف الخلافة المسلمين؟
قطعا لا، فالرأي العام في تونس يؤيد بقوة الحكم بما أنزل الله، فحيثما ذهبت في تونس وسألت عن الحكم بما أنزل الله فلن تجد معارضا بل لن تجد إلا المؤيدين يدعون الله أن يأتي ذلك اليوم الذي يحكم فيه الإسلام بشريعته العادلة. وما يدلك على قوة هذا الرأي وأنه ليس مجرد أماني، أن السياسيين العلمانيين والشيوعيين (وخاصة في أول الثورة) ما عادوا يقدرون على المجاهرة بمعاداة الإسلام، وكل من بان منه مجافاة للدين ولو حكم من أحكامه سقط من الاعتبار سقوطا مدويا.
إذن فمن الذي يخاف من الخلافة والإسلام؟ الوسط السياسي في تونس علماني صنعه المستعمر على عينه، هذا الوسط هو الذي تحكم في الحياة السياسية، ولكنه فقد ثقة الناس بعد أن جربوا حكمه لأكثر من ستين عاما، جربوا علمانيته بكل أشكالها وألوانها، الدكتاتوريّة منها والديمقراطية، الحليقة منها والملتحية. فما نالهم منها سوى الآلام والعذابات. فرفضوها وثاروا عليها وأسقطوا رأس النظام وما زالت الثورة مستمرة تريد أن تبلغ مستقرها تغييرا حقيقيا يضمن التحرر التام من سطوة المستعمر ومن التبعية المهينة والمذلة، ويضمن للأمة السيادة والريادة لكي تعود خير أمة أخرجت للناس. وهذا ما يفتقده العلمانيون الذين لا يحسنون إلا التبعية الفكرية والسياسية ولا يعرفون من ممارسة الحكم والسياسة إلا الاتباع الذليل لما يملى عليهم من سادة ما وراء البحار.
هذا الوضع في تونس وغيرها من بلاد المسلمين هو ما أربك الوسط السياسي برمته بل أربك صانعيه المستعمرين، ذلك أن أدواته (الوسط السياسي العلماني) فقدت قدرتها على سوق الناس وتضليلهم، رغم كل المكر والمؤامرات. وصار الوضع بالنسبة إلى المستعمرين يتهدده خطران:
- خطر الثورة المستمرة التي اتسعت حتى شملت كل مكان وكل فئة في تونس.
- وخطر وجود بديل حقيقي؛ الإسلام والخلافة وهو بديل بلوره حزب عريق عرف الناس شبابه وعرفوا صدقهم وأمانتهم ورأوا منهم فهما سليما للإسلام ورأوا منهم قدرة على فهم ألاعيب الدول ومكائدهم. حتى لم يعد بين المسلمين والخلافة إلا أن يتقدم أصحاب القوة فينزعوا الحماية التي وضعوها على العملاء وأن يقفوا بجانب دينهم وأمتهم وقائدها (حزب التحرير) الذي ظهر وعرف الجميع شبابه ورجاله.
نعم إن الأمر بالنسبة إلى الغرب في غاية الخطورة:
- لأنّ ظهور حزب التحرير أفشل سعيهم الإجرامي في إزالة الإسلام من الحياة، فالغرب بعد أن ظن أنه قضى على الخلافة والإسلام يرى اليوم فكرة الخلافة رأيا عاما في العالم وفي تونس منطلق ثورة المسلمين في البلاد الإسلامية، يراها ويسمع نداءاتها في تونس والشام، في إندونيسيا وباكستان وأفغانستان، ويسمع نداءاتها المسلمون في كل مكان ويسمع نداءاتها الذين يكتوون بنيران الرأسمالية في كل مكان.
- لأنّ الخلافة التي يدعو لها حزب التحرير هي الخلافة على منهاج النبوة هي دولة تطبق الإسلام في الداخل وتسعى إلى إنقاذ البشريّة من جرائم الرأسمالية بالدعوة والجهاد.
- ولأنّ عودة الخلافة ليست مجرد فكرة بل هي دولة عالمية تسعى إلى قيادة العالم من جديد استئنافا لما بدأه الرسول الأكرم ﷺ ستنهي عهدا مظلما بدأ مع وستفاليا عام 1648م وترسخ باتفاقيات سايكس بيكو. وهذا ما يخيف الغرب بل يرعبه، يرعبه عودة الإسلام قوة عالمية.
قد يقول القائلون أنتم تبالغون في وصف الغرب بالرعب والخوف من دولة الخلافة.
نقول: التصريحات تفضح خوفهم وفزعهم، هم فزعون من تغير نظام العالم، فزعون من انهيار بنيانهم السوء الذي أسسوه في وستفاليا (1648م) وما بعدها سايكس بيكو وأخواتها. فهذا هنري كيسنجر يستشعر نهاية عهد وستفاليا، ويصرح في محاضراته ومقالاته بقرب انتهائه، وهذه زينو باران تحذر من حزب التحرير في دراسة لها عن الحزب سنة 2004، وتقول إن خطر الحزب يكمن في كونه أوجد "أيديولوجية" ملهمة وتعني بذلك الإسلام بديلا حقيقيا عن الرأسمالية قد يتوجه إليه الناس في العالم بعد سقوط الاشتراكية وفشلها في التصدي للرأسمالية. هذا وقد امتلأت مكاتب صناع القرار في الدول الكبرى بالتقارير عن الحزب والخلافة وعن كيفية الحيلولة دون نجاح الحزب في إقامة الخلافة.
وعليه فإن الخوف من حزب التحرير في تونس وفي البلاد الإسلامية حقيقي وهو ليس خوف الأتباع والعملاء لأنهم منحطون فقدوا البصر والبصيرة، مأجورون لا يفقهون أكثر مما يملى عليهم، ولكن الخوف من الحزب رابض في أروقة البيت الأبيض وفي مكاتب دراسات المستعمرين الاستراتيجية، الذين بدأوا يرون صعود الحزب والخلافة. ولذلك دفعوا من يهاجم الحزب بشراسة، يظنون أنهم قادرون على صد الحزب ودعوته. يريدون أن يستمر نظامهم، يريدون تحطيم معنويات الأمة وكسر إرادتها بالتجويع والإذلال، ويريدون إشغال قيادتها المخلصة بالتهويش والتضليل. وقد فاتهم أن الخلافة ليست شأنا حزبيا، ليست شأن حزب التحرير، إنما هي أمر الله العليّ القدير وهي ما يريده الله لعباده، وما يريده الله كائن لن يتخلّف؛ وعد غير مكذوب.
قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
رأيك في الموضوع