خلال جلسة 02/11/2023 المسائية بالبرلمان التونسي المخصصة للتصويت على قانون تجريم التطبيع مع "إسرائيل"، أعلن رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة تأجيل جلسة التصويت على مشروع القانون، وقال إنّ "الرئيس قيس سعيّد قد أوصاه بأن يبلغ النواب بتأجيل الجلسة قائلا: "إنّ مقترح القانون سيضر بالمصالح الخارجية لتونس وأن الأمر يتعلق بخانة الاعتداء على أمن الدولة الخارجي وأن المسألة اتخذت طابعا انتخابيا لا أكثر لا أقل". وأكد النائب بلال المشري، أنّ رئيس المجلس إبراهيم بودربالة "رافض لقانون تجريم التّطبيع وهو من يعيق تمرير مشروع القانون، وأنّه يُجري اتصالات هاتفية بشكل شبه يومي مع السفير الأمريكي بتونس جوي هود" الذي يضغط من أجل منع تمرير مشروع هذا القانون.
يروّج الكثيرون أنّ موقف الرّئيس التّونسيّ سعيّد هو من المواقف "المشرّفة" تجاه ما يحدث من قتل في غزّة. فهل هو موقف مشرّف؟ هل هو الموقف الذي ينبغي لرئيس دولة أن يتّخذه؟
بالنّظر في الوقائع نرى أنّ الرّئيس قيس يتكلّم كثيرا ويخطُب كثيرا، في كلّ مكان، وربّما نزل إلى الشّارع رافعا يديه مردّدا "نحن ننتصر أو نستشهد" مقولة عمر المختار البطل المجاهد المأثورة. فهل الرئيس سعيّد من طينة المجاهدين أمثال عمر المختار؟!
نهتمّ بهذا الأمر لما قد يُثيره من التباسات، خاصّة وأنّنا بدأنا في الأيّام الأخيرة نسمع كلاما عن مواقف الرّئيس (المشرّفة) وأنّه من أفضل الحكّام العرب، فالمشكلة هنا ليست في مدح حاكم أو ذمّه، إنّما في ما هو الموقف اللّازم ممّا يحدُث في غزّة؟ وهل ما يأتيه رئيس تونس هو الموقف اللّازم أو المناسب؟
وللتّوضيح نقول:
- مسألة التّطبيع باعتباره إقامة علاقات طبيعيّة مع كيان عصابات يهود، مسألة مزيّفة وأسلوب خبيث ماكر في الانحراف بقضايا المسلمين؛ ذلك أنّه يحوّل مشكلتنا في فلسطين من مشكلة اغتصاب أرض إسلاميّة، إلى حديث حول إقامة علاقة مع المغتصب أو عدم إقامتها. والحال أنّ الأمر يتعلّق فقط بإزالة هذا الكيان الغاصب من الوجود، وأنّ إزالته لا تكون إلّا بجيش يقوده خليفة يُجاهد في الله حقّ جهاده. وأيّ حديث غير هذا هو التّخلّي عن أرض إسلاميّة، وهو الخيانة بعينها.
- إثارة الرّئيس لمسألة التّطبيع لم تكن إلّا هروبا من أصل المسألة إلى مسائل فرعيّة جانبيّة ليكثر الكلام بين الرّافضين والقابلين ويطول بين حجج وحجج مضادّة، ونتحوّل إلى معارك كلاميّة لا ينتج عنها سوى إيجاد شرعيّة النّقاش، أي شرعيّة من لا يرى مشكلة في التّطبيع، ليسقط الجميع، رافضا وقابلا في الاعتراف بكيان مجرم مغتصب، عن علم أو جهل، ولا فرق.
- عذر الرّئيسين (رئيس البرلمان ورئيس الدّولة) في تأجيل التّصويت على مشروع قانون تجريم التّطبيع، أقبح من ذنب التّطبيع، فعذرُهما أنّ التّجريم سيضرّ بمصالح تونس الخارجيّة (هكذا)، أليس هذا عجبا من القول؟! ما هي مصالح تونس الخارجيّة؟ القروض المهلكة؟ أم المساعدات المسمومة؟ أم الاتّفاقات المهينة المذلّة التي جعلت البلاد مرتعا لشركات النّهب وسخّرت شبابها خدما وعبيدا؟!
- الرّئيس خطب يوم الجمعة 03/11/2023، ليؤكّد قبر المشروع نهائيّا بزعمه أنّ المعركة اليوم ليست معركة تجريم إنّما معركة تحرير. فماذا فعل بطل التّحرير هذا؟! أرسل وزير خارجيّته إلى بريطانيا ثمّ الكاميرون حيث القمّة الفرنسيّة. فهل أرسلهما من أجل التحرير، أم ليؤكّد تبعيّته للغرب، بل لمن يقتل الفلسطينيين في غزّة، لمن يقف ويسبّ المسلمين المجاهدين ويصمهم بالإرهاب؟!
فقد ذهب نبيل عمّار وزير خارجيّة قيس سعيّد إلى لندن يوم 02/11/2023 يترأس وفد تونس المشارك في الدورة الثانية لمجلس الشراكة التونسي البريطاني في لندن. وهناك اجتمع بوزير خارجيّة بريطانيا كليفرلي، فماذا فعل؟ أشاد "بالمستوى الجيد للعلاقات بين البلدين وتأكيد التطلع المشترك إلى مزيد تطويرها وإثراء مضامينها في جميع المجالات... واستكمال آليات عمل مجلس الشّراكة التّونسيّ البريطاني، والتأكيد على أهمية متابعة نتائج هذه الدورة بما يمكن من مزيد الارتقاء بالعلاقات الثنائية". ثمّ التقى نبيل عمار بوزير الدولة البريطاني للهجرة، لـ"تثمين مستوى التعاون الثنائي القائم في المجال الأمني"، والاتفاق على "...على المضي قدما في تنفيذ مذكرة التفاهم الأمنيّة الموقعة بين الجانبين في 2016".
ثمّ طار وزير خارجيّة سعيّد إلى الكاميرون ليترأس "أعمال الدورة الـ124 للمجلس الدائم للفرنكوفونية، يومي 4 و5 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، التي تنعقد تحت شعار "الحوكمة الرشيدة: ضمانة للاستقرار السياسي والاقتصادي والثقافي للمواطنين الفرنكوفونيين"، وتنطلق من أبرز مخرجات قمة جربة للفرنكوفونية التي انعقدت في تونس (تشرين الثاني/نوفمبر 2022)، "إعلان جربة"، واعتماد الإطار الاستراتيجي للفرنكوفونية 2023 و2030...
وعودة على السّؤال الأوّل: ماذا فعل الرّئيس وما هي مواقفه من غزّة؟ وما علاقة زيارة وزير الخارجيّة التّونسيّ إلى بريطانيا، ثمّ ترؤسه قمّة فرنكفونيّة؟
وللجواب نقول:
- بريطانيا هي عدوّ المسلمين الأوّل، هي من غرس كيان يهود في قلب البلاد الإسلاميّة، وهي من سلّحت عصابات يهود وأطلقتهم على المسلمين في فلسطين يذبحونهم ذبحا منذ القرن الماضي إلى الآن، وما زالت بريطانيا تقتل المسلمين بأيدي يهود في فلسطين. في الوقت الذي ذهب وزير خارجيّة سعيّد إلى لندن يمدح سياسة بريطانيا ويُثني عليها، كانت بوارج بريطانيا تقف إلى جانب بوارج أمريكا لا لحماية كيان يهود فحسب بل لضمان هدم أكثر ما يمكن من فلسطين وذبح أكثر ما يُمكن من الأطفال والنّساء والشّيوخ. في هذا الوقت ينسّق قيس سعيّد مع بريطانيا أمنيّا، وهذا لا يعني إلّا خدمة بريطانيا وتقديم معلومات مخابراتيّة لها، وهي العدوّ الذي يُحاربُنا! فما معنى هذا؟ ما اسمُه؟!
- أمّا القمّة الفرنكفونيّة فهي الاشتغال بتبعيّة ثقافيّة لفرنسا، وترؤس القمّة لا يعني الزّعامة والسّيادة إنّما يعني خدمة الأعداء بتفان و"إخلاص"؛ ذلك أنّ فرنسا هي الأخرى تشارك أمريكا وبريطانيا في استعمال عصابات يهود في قتلنا هناك في فلسطين؛ في القدس والضفة وغزّة هاشم. فبينما ينشغل الرئيس الفرنسي ماكرون بالحرب وقتل الأطفال والنّساء، يقوم وزير خارجيّة قيس سعيّد مقامه ويتمّم أعماله. وشعارها في هذه القمّة التي تترأسها تونس: "استقرار... مواطنين فرنكفونيين" بما يعني أن الرئيس قيس ووزير خارجيّته يزعمون أنّنا فرنكفونيّون، يعني: فرنسيّون (عفوا) تابعون لفرنسا! فرنسا مجرمة الحروب التي تحاربُنا الآن وتقتل أطفالنا ونساءنا في غزّة! أليس هذا تحالُفا بل خدمة للعدوّ وتأميناً لظهره في الحرب؟! فماذا يُمكن أن نُسمّي هذا؟!
وبالعودة إلى حديث التّطبيع في سياق هذين الحدثين، ينكشف لكلّ ذي عينين أنّه مجرّد أضاليل، ونقاش شغل النّاس عمّا هو أخطر وأفظع؛ خدمة أعداء المسلمين الذين يُحاربوننا الآن، الذين تصطفّ بوارجهم الآن، الذين يُحاصرون أطفالنا ونساءنا الآن. وصدق الرسول ﷺ إذ قال: «إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ».
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس
رأيك في الموضوع