في سابقة جديدة من نوعها أعلنت مؤخرا مصلحة الضرائب المصرية على لسان رئيس إدارتها المركزية سعيد فؤاد، تطبيق قانون ضريبة الدخل على تجار المخدرات والسلاح والدعارة في حال القبض عليهم. وبكل شموخ وفخر شرح المسؤول الحكومي الكيفية التي سيحاسب بها تجار الأعمال غير المشروعة في حال اعتراف التاجر بمزاولة النشاط منذ مدة معينة، وكيف سيتم أخذ ضريبة منه على هذه المدة التي عمل بها، بل وأكثر من ذلك يقول السيد المسؤول: "إننا سنناقش التاجر لنعرف بكم تاجَر وكم كسب؛ وبناء على إقراره سنحدد قيمة الضريبة". وهذا في حد ذاته يعتبر تقنيناً لبيع المخدرات والسلاح وممارسة الدعارة وإن ادعى النظام خلاف ذلك، وهو إيحاء للمخالفين المتاجرين في الأمور غير المشروعة بأن الدولة على استعداد لتقبل أنشطتهم؛ لأجل الحصول على ضرائب تُقدر بمليارات الجنيهات لتمويل عجز الموازنة المتزايد.
إذا كان النظام في حاجة إلى المال وزيادة مداخيل الدولة من خلال فرض ضريبة على المال الحرام، فهذا مبرر لا يمكن قبوله لأن القانون يتيح للنظام إمكانية مصادرة أموال الخارجين على القانون كلها وليس فقط تحصيل جزء منها من خلال الضريبة، مما يؤكد على أن القصد الأساسي من هذه الخطوة هو شرعنة تجارة المخدرات والسلاح والدعارة، ويبدو أن هذا ما يسعى له النظام. فالنظام يقوم بمصادرة أموال من يتهمهم بالقيام بأعمال إرهابية أو بتمويل الإرهاب، ولم يلجأ لفرض ضريبة دخل على أموالهم كما يفعل الآن مع تجار المخدرات والسلاح والدعارة.
لا غرابة أن يصدر هكذا قرار من نظام أبعد ما يكون عن أحكام الإسلام، بل هو يحارب الإسلام ويشرعن للفساد والمحسوبية قانونا، ويدور كل المسؤولين فيه في حلقة مفرغة، فمهما كانت خبرتهم عظيمة في اختصاصاتهم، فالمعالجات التي ينشدونها لا تهدف إلا للجباية وتحصيل المال بأي طريقة، وما دامت معالجاتهم غير منبثقة من عقيدة الأمة، فهي معالجات فاشلة لدولة فاشلة.
إن هذا القرار بفرض ضريبة على المحرمات ما هو إلا نتيجة حالة الضياع والتخبط التي تعيشها مصر في ظل نظام السيسي الذي يرتكز على مشاريع استثمارية موهومة وقروض ربوية كغطاء لنهب المال العام، فلا تلك المشاريع ولا هذه القروض حققت زيادة في الإنتاج بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا قامت بتوفير البنى التحتية الجاذبة للاستثمار، ولا أقامت مشاريع لتأهيل العمالة المحلية أو تجويد التعليم أو تمويل البحث العلمي، بل تسببت في رهن البلاد والعباد للغرب الكافر من خلال إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين. وتشريع هكذا ضريبة لا يمكن أن يكون نهج دولة تحترم نفسها، بل هو نهج جماعات المافيا، فلا عجب أن نجد النظام وقد انقلب على كل القيم والأخلاق والأعراف، ولا عجب أن تتفنن هذه العصابة الحاكمة في تقنين الجرائم والمحرمات ما دامت تدفع الإتاوات المسماة في عرفهم بالضرائب.
إن جل ما يقوم به نظام السيسي على المستوى التشريعي والتنفيذي وكل ما سوف نراه في قابل الأيام، هو نتاج البعد عن أحكام الشريعة الغراء، وتبني النظام الرأسمالي العفن، فضلا عن ثلاثية (الاستبداد والفساد والتبعية). هذه الرأسمالية وتلك العلل الثلاث هي الجذور التي تحتاج من أبناء الكنانة العمل الجاد على خلعها من جذورها وبأشخاصها. وقد بات من الملاحظ أن النظام يبحث عن أموال من أي مكان وبأي طريقة حتى لو كانت غير مشروعة لتثبيت كرسي حكمه المعوج، وهو ما يؤكد أننا أمام عصابة أو شبه دولة كما وصف السيسي نفسه نظامه الحاكم، فهو يحلم في ليله وصباحه بالأموال، وقد عبر عن أمنياته أن يستطيع توفير مائة مليار دولار حتى (يركنها على جنب)! وقد أسس صندوق (تحيا مصر) الذي فرض من خلاله إتاوات على رجال الأعمال بالإكراه، رغم تعثر مشاريعهم وتعثر الحالة الاقتصادية في البلاد بشكل عام، كما أنشأ (صندوق مصر السيادي) وهو صندوق لا يخضع لأي عمليات رقابة مالية أو برلمانية حسب قانون تأسيسه، ويهدف لبيع أصول الدولة لتسديد قيمة الديون المتراكمة التي تسبب فيها النظام ويدفع فاتورتها الشعب المسكين.
لم تكن الضرائب السابقة على المخدرات والدعارة والسلاح هي الوحيدة التي لجأ إليها النظام لملء صناديقه النهمة للأموال، بل إنه فرض عبر قوانين وقرارات جديدة العديد من الرسوم والضرائب الجديدة التي تثقل كاهل الناس ولم تراع الظروف التي تمر بها مصر في ظل جائحة كورونا.
وبرغم أننا نعلم أن هذا النظام كغيره من أنظمة الكفر والظلم في بلاد المسلمين لا يتحرى الحلال والحرام في معاملاته، ولا يلتفت لذلك ولا يعيره اهتماما، فهو قد أطلق أبواقه لتهاجم الإسلام وأحكامه بحجة الحرب على الإرهاب، بل وولغ في دماء الناس واستهان بحرماتهم وألقى بمن يعارضه في المعتقلات والسجون، واستعان ببعض المشايخ في دار الإفتاء والأزهر ليبيحوا ما حرم الله في فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان! وبرغم ذلك فإننا لن نتوقف عن تبيان الحكم الشرعي في كل تصرفاته ليتبين الناس أن هكذا نظام لا يمكن السكوت عليه، وأنه لا بد من العمل الجاد المخلص لخلع هذا النظام المجرم من جذوره وإقامة نظام الإسلام الممثل في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع