يواصل الطلاب في الجامعة الإسلامية بالعاصمة الهندية نيودلهي احتجاجاتهم ضد تعديل قانون الجنسية الذي أقره البرلمان الهندي الأسبوع الماضي، والذي يسهل تجنيس الأفغان والباكستانيين والبنغال الذين عاشوا خمس سنوات في الهند بشرط ألا يكونوا مسلمين، والقانون الجديد الذي أقره البرلمان الأسبوع الماضي يفتح الطريق لأقليات دينية مثل الهندوس والنصارى في بنغلادش وباكستان وأفغانستان، الذين استقر بهم المقام في الهند قبل عام 2015، للحصول على الجنسية الهندية على أساس أنهم واجهوا اضطهادا في تلك الدول.
منذ استقلال الهند الشكلي عن بريطانيا في عام 1947م وتنصيب حكام عملاء للإنجليز يحكمون الهند بقانون ودستور من وضع بريطانيا نفسها، بعد أن اطمأنت بريطانيا لولاء الهند لها من خلال الوسط السياسي العميل، منذ ذلك الحين، كانت الهند تعمل جاهدة للعيش الطبيعي في محيطها الإسلامي متأثرة بالتاريخ الطويل لحكمها بالإسلام، وكان الحزب الرئيس الذي يحكم الهند هو حزب المؤتمر، بينما كان حزب بهاراتيا جاناتا، حزب معارضة صغيراً، إلى جانب بعض الأحزاب الصغيرة الأخرى، أوجده الإنجليز من الوسط السياسي نفسه الموالي لهم، حتى يكتمل الشكل الديمقراطي لأنظمة الحكم الديمقراطية، ولكن مع ضعف نفوذ بريطانيا عمليا وضعف تأثيرها في الموقف الدولي ودخول أمريكا وهيمنتها عليه، تمكّنت أمريكا من استمالة كثير من رجالات الوسط السياسي وخصوصا من حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يقدّم نفسه على أنه هندوسي عنصري، وكان ذلك في فترة حكم بيل كلينتون من خلال الشركات الإلكترونية التي ظهرت في الأسواق العالمية بشكل كبير في زمنه، فكانت مدينة بنجلور المدينة الإلكترونية التي أطلق عليها اسم "وادي السلكون الهندي"، ومنذ قدوم حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة بدعم قوي من أمريكا في العام 1996، أصبح نفوذ أمريكا في الهند يزاحم النفوذ البريطاني فيها، وأصبحت أمريكا تستخدم الهند في تنفيذ مشاريعها في المنطقة، وأهم مشروع لها هو تحجيم الصين، ومنع بزوغ فجر الإسلام في الدول المحيطة بها، باكستان وبنغلادش وأفغانستان.
وكي تحقق الهند هذين الهدفين أمدّتها أمريكا بشتى أسباب القوة والهيمنة الإقليمية، فأبرمت الهند العديد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع بنغلادش، حتى بات المراقب يحسب أنّ بنغلادش أصبحت تابعة للهند، بينما هي بريطانية قلبا وقالبا، وعملت أمريكا على تطبيع العلاقات بين الهند وباكستان من خلال عملائها حكام باكستان، لدرجة تخلي حكام باكستان عن كشمير لصالح الهند، لإعطاء الهند زخما إقليميا تبدو فيه أنها دولة قوية تمضي لما تراه مناسبا لمصلحتها دون خوف من العدو اللدود باكستان، على الرغم من تفوق باكستان العسكري على الهند على مختلف الصعد. وسمحت أمريكا للهند بالوجود في أفغانستان بعد احتلالها لها، وبعد فوز مودي في الانتخابات هذا العام، وفي ظل وجود ترامب في البيت الأبيض، واستمرار الحرب الصليبية العالمية على الإسلام بقيادة أمريكا، شجّعت هذه المعطيات كلها الحكومة الهندية على القيام بأي عمل ضد المسلمين لخدمة مصالحها ومصالح أمريكا في المنطقة، وفي هذا السياق يتم تفسير موقف ودافع الهند وراء سن هذا القانون العنصري ضد المسلمين وضم كشمير لها.
وعلى الرغم من كبر حجم الهند الجغرافي وعدد سكانها الذي يناهز المليار، ويطلق عليها شبه القارة الهندية، إلا أنها دولة مفككة وضعيفة، فهي دولة تقوم على مجموعة عرقيات ومئات الديانات الفارغة، وهذا يجعل النزاعات والتفكك في النسيج المجتمعي هو الطابع العام لها، وعلى الرغم من غنى البلد بالثروات الطبيعية، إلا أنّ أغلب أهلها هم من الفقراء، بسبب النظام الرأسمالي المعمول به في الدولة والفساد المستشري فيها، والمعدّل بفساد الموروث البريطاني الاستعماري، فعلى الرغم من عوامل الضعف هذه إلا أنه أُريد لهذه الدولة لعب دور إقليمي استعماري، وأعطيت من أسباب القوة الوهمية ما يمكّنها من لعب هذا الدور، ولولا تخاذل وعمالة حكام المسلمين، الذين مهدوا لها الطريق لتصبح "الهند الكبرى" لما تقوّت على المسلمين فيها وفي كشمير، وكان بإمكان باكستان وحدها أن تضع ألف حد لها لو كانت القيادة الباكستانية موالية لله ولرسوله e وللأمة، ولتمكّنت دول الخليج التي تحتفظ بمليارات الدولارات من الاستثمارات الهندية فيها، إلى جانب الملايين من العمال ورجال الأعمال الهنود فيها، لتمكنت من فرض إرادة المسلمين في الهند وخارجها على هذه الدولة العنصرية. إن الدولة الهندية، على كبر حجمها، تشبه دولة يهود، والشبه يكاد يكون متطابقا، فكلا الدولتين مصطنعتان، فدولة يهود وجدت كجسم سرطاني غريب في قلب العالم الإسلامي، والدولة الهندية كذلك جسم سرطاني في خاصرة جسم الأمة، وكلاهما لا جذور له اجتماعيا وحضاريا، ولا عمق تاريخي له، فدولة الهند الحالية التي تقوم على (الأقلية) الهندوسية تقوم على حركة سياسية أوجدتها بريطانيا في الهند كما أوجدت الصهيونية في العالم، فالأصل أن الهندوسية كانت ديانة تافهة لا أثر لها في الحياة أو السياسة، ولكن الإنجليز بخبثهم "سيسوا" هذه الطائفة لمواجهة الإسلام والمسلمين في شبه القارة الهندية. وعليه فإن أتباع هذه الديانة أو الحركة وعلى رأسهم حزب بهاراتيا جاناتا ودولتهم أهون من أن تكون دولة مستقلة زيادة على أن تكون دولة إقليمية محورية.
صحيح أن هذا القانون العنصري لا تداعيات له على المسلمين في الداخل أو الخارج، بل يؤكد على عنصرية هذه الدولة، ولكن له معنى سياسياً، وتمريره يشجّع الدولة على المزيد من الأعمال العنصرية ضد المسلمين فيها، فالإسلام والمسلمون لا يعترفون أصلا بشرعية الدولة الهندية القائمة على بلاد السند والهند التي فتحها المسلمون وحكموها لقرون مديدة، فكيف لهم التباكي على جنسية هذه الدولة العنصرية؟! ولولا جثوم حكام رويبضات على صدر هذه الأمة الإسلامية وغياب الخليفة الراشد الذي يمثّل الأمة التمثيل الحقيقي ويدافع عنها، لما تغوّل عباد البقر على عباد الله خير أمة أخرجت للناس، وهذه الحال دافع آخر للمسلمين في شبه القارة الهندية للعمل الدؤوب لإعادة الخلافة إلى بلادهم، حتى ينعموا بعدل الإسلام ويستنيروا بنوره، مصداقا لقول رسول الله e «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ».
رأيك في الموضوع