تشكلت مجموعة ما يسمى "أصدقاء السودان" في العاصمة الألمانية برلين، في حزيران/يونيو 2019م، عقب الإطاحة بنظام البشير في نيسان/أبريل 2019م، وقيل إن المجموعة تشكلت من أجل مساعدة السودان على تجاوز الأزمة الاقتصادية، فعقدت أول اجتماع لها في تشرين أول/أكتوبر الماضي في واشنطن، ثم تواصلت اجتماعاتها في واشنطن، وبروكسل، وبرلين، وكان الاجتماع الأخير بالخرطوم يوم الأربعاء 11/12/2019م بقاعة الصداقة، بمشاركة 24 دولة على رأسها أمريكا وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، والنرويج، وغيرها من الدول التابعة مثل السعودية والإمارات وإثيوبيا، وغيرها، بالإضافة لممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وقد خاطب رئيس الوزراء السوداني حمدوك الجلسة الافتتاحية، داعياً المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب بلاده، ومعالجة الاحتياجات العاجلة للفترة الانتقالية، وقال (إن الأولويات تتمثل في معالجة الاقتصاد وإعادة هيكلة المؤسسات، واسترداد الأموال المنهوبة، وخلق فرص لتوظيف الشباب) وتابع (أدعوكم أن نعمل سويا وأطلب من الشركاء أن يقفوا موحدين معنا لمعالجة المطلوبات العاجلة وطويلة الأجل للأزمات وخاصة الاقتصادية).
وللأسف فإن حمدوك الذي يقف أمام هذه المجموعة متسولاً طالباً منها العون، وحل الأزمات وبخاصة الاقتصادية، في تحول عجيب وغريب في المواقف، مما يؤكد ما هو مؤكد أن حكام المسلمين، ومنهم حمدوك، ليسوا ذاتيين، وإنما تملى عليهم المواقف، وحتى أكون منصفاً وغير متجنٍ على هذا الرجل، سأورد بعض تصريحاته السابقة والتي تتناقض تماماً مع موقفه الحالي المخزي؛ ففي مساء أدائه القسم رئيساً لوزراء السودان للفترة الانتقالية وفي أول مقابلة له مع فضائية سكاي نيوز العربية الأربعاء 21/8/2019م قال: (سنعمل على معالجة الأزمة الاقتصادية، وبناء اقتصاد وطني يقوم على الإنتاج وليس الهبات والمعونات)، مضيفاً (نحن بلد غني نستطيع الاعتماد على مواردنا الذاتية)، وفي مقابلة مع بي بي سي في 27/09/2019م، قال: (السودان بلد غني لا نريد طريق الهبات والمعونات)، انظروا كيف يتناقض الرجل وتتبدل مواقفه وأقواله بين عشية وضحاها؟! ثم ماذا كانت النتيجة بعد كل هذا الاستخذاء والاستجداء، لقد تمخض الجبل فولد فأراً، فكان البيان الختامي لمؤتمر ما سمي بأصدقاء السودان صفراً كبيراً ومزيداً من الوعود كمواعيد (عرقوب)، فقد أوردت وكالة سونا للأنباء نص البيان الختامي لأصدقاء السودان الذي اختتم مساء الأربعاء 11/12/2019م بقاعة الصداقة بالخرطوم برئاسة النرويج وبمشاركة بنك التنمية الأفريقي وصندوق النقد والبنك الدوليين، والاتحاد الأوروبي (فرنسا، ألمانيا، هولندا، السويد، الكويت، قطر، السعودية، الإمارات، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، والأمم المتحدة) ونقتطف بعضاً مما جاء في البيان الختامي الذي أوردته سونا: (عبر أصدقاء السودان عن موقفهم الواضح والمتحد لدعم الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون وقيادتها برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والوزراء ويرى المشاركون أن الحكومة الانتقالية أحدثت إنجازات كبيرة تحسب لها في فترة ثلاثة أشهر... وأكد أصدقاء السودان أن قرار الحكومة الانتقالية بإلغاء قانون النظام العام حجر زاوية لفتح الحريات الشخصية بالبلاد... ويؤكد المشاركون أهمية مشاركة النساء والشباب في كل مراحل السلام والتحولات القادمة في البلاد).
وقد خلا البيان الختامي من أي دعم يقدم للسودان، غير معسول الكلام، وجدير بالذكر أن وزير مالية السودان البدوي كان يعول على تمويل ميزانية العام القادم 2020م على من أسماهم أصدقاء السودان! ولذلك نرى تأخر إعلان الميزانية، رغم مضي نصف الشهر الأخير من ميزانية العام 2019م، وكان في العادة أن تجاز الميزانية في بداية هذا الشهر كانون أول/ديسمبر، حتى تدخل حيز التنفيذ في بداية العام من كانون الثاني/يناير 2020م، ولا ندري كيف سيتصرف وزير المالية حيال هذا الأمر، أم أنه ما زال مصراً على أصدقاء السودان، الذين قيل إنهم سيجتمعون مرة أخرى في السويد في منتصف شباط/فبراير 2020م، ثم مؤتمر المانحين في نيسان/أبريل 2020م؟! وهنا نذكر حمدوك ووزير ماليته بما قالته نائبة وزير الخارجية النرويجي ماريان هيغان، حيث قالت في كلمتها في المؤتمر يجب أن تكون ميزانية 2020م لصالح التنمية المستدامة... ودعت السودان إلى عدم الاعتماد على الموارد الخارجية، التي وصفتها بالانتقالية.
وهناك مسألة يجب أن ينتبه لها وهي وجود أمريكا ضمن ما يسمى أصدقاء السودان وهي المعرقل الرئيس لأي دعم خارجي للسودان، بإصرارها على عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فوجودها ليس من أجل دعم الحكومة المدنية الحالية التابعة لأوروبا وإنما لكشف ألاعيب أوروبا إذا حاولت دعم الحكومة الحالية بأية حيلة، ومنعهم من دعمها حتى تسقط ويعود العسكر بثوب جديد للحكم، وليس سيناريو مصر السيسي عن السودان ببعيد.
إن أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الاستعمارية، لا يمكن أن تكون صديقة فهي دول جبلت على أخذ ثروات البلاد الإسلامية، منذ هدم دولة الخلافة العثمانية، وإلى يومنا هذا، عبر الاستعمار القديم "بالقوة العسكرية والاحتلال"، أو الاستعمار الحديث عبر الاقتصاد "القروض والاستثمارات وغيرها" وهي دول كافرة! وعداء الكفار للمسلمين وللإسلام بينه رب العالمين جل وعلا إذ يقول: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ وغيرها من الآيات التي تبين هذه العداوة الظاهرة والباطنة.
ثم إن الواقع يؤكد هذه العداوة، أوليست أمريكا هي من احتلت العراق باسم الفرية المزعومة بامتلاك السلاح النووي؟ أليست هي من قتلت الآلاف في الفلوجة بالأسلحة المحرمة؟ كما أن بريطانيا هي من زرعت دويلة يهود في أرض الإسراء والمعراج، فهجرت المسلمين من أهل فلسطين، ومن تبقى منهم ما زالت تعمل فيه آلة القتل والسحل اليهودية، وهي دويلة قائمة بحبل من أمريكا وبريطانيا. أما فرنسا فهي التي قتلت الملايين من المسلمين في الجزائر وغيرها، وما زالت آلتها تعمل في قتل المسلمين في مالي والنيجر وأفريقيا الوسطى وغيرها، فكيف يكون أمثال هؤلاء أصدقاء؟! ما لكم كيف تحكمون؟!
إن دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريباً بإذن الله، هي دولة ذاتية لا تعول على أعداء الأمة في تمويل ميزانيتها، وإنما على مواردها الذاتية بنظام فصّله الإسلام تفصيلاً لا يحوجنا إلى الدول الاستعمارية. وهو ما يجب أن تعمل له الأمة.
* الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع