كان من المفترض وعلى حسب ما جاء في الوثيقة الدستورية، أن يعلن رئيس وزراء السودان د. حمدوك عن أسماء وزراء حكومته، يوم الأربعاء الماضي 28/08/2019م، وجاء الموعد المضروب دون أن يُعلن عن التشكيل الوزاري، حيث رشح في الأخبار أن حمدوك وقوى الحرية والتغيير اتفقوا على تأجيل إعلان الحكومة الانتقالية لمدة 48 ساعة، وأفاد مكتب حمدوك في تعميم صحفي بأن الطرفين، اتفقا على التأجيل لمراجعة قوائم المرشحين والمرشحات للمناصب الوزارية، والمجالس المتخصصة، وذلك وفق جدول زمني محدود. وتتحدث الأوساط السياسية عن صراع محموم في أوساط الحرية والتغيير حول قوائم المرشحين الذين قيل سابقاً إنهم كفاءات وطنية مستقلة، وتحدثت أحزاب قوى الحرية والتغيير عن أنها لن تشارك في التشكيل الوزاري، إنما فقط ستشير إلى من هم أهل للوزارة خارج عضويتها. ويبدو أن هذا الحديث هو للاستهلاك السياسي، ومحاولة لذر الرماد في العيون، حيث إن هذه القوى اتفقت في السابق على أن يكون أعضاء المجلس السيادي من الكفاءات غير الحزبية، إلا أنهم لم يلتزموا بما قالوه، وتمت المسألة في السيادي الذي لا يزيد عدد المدنيين الذين تحددهم قوى الحرية والتغيير عن خمسة، تمت على أساس المحاصصة الحزبية والمناطقية، وثار حول الموضوع غبار كثيف، فكيف يكون الأمر والعدد المطلوب في مجلس الوزراء والمجالس المتخصصة يفوق العشرين مقعداً؟! فمن الطبيعي أن يتشاكسوا ويختلفوا على تقسيم الغنائم، وكيكة السلطة.
والغريب في الأمر أنهم عندما كانوا يتفاوضون مع الجبهة الثورية، والتي هي جزء من مكونات الحرية والتغيير، اتهموها بالمحاصصة، وها هي الجبهة الثورية تعود وتتهمهم بالتهمة نفسها التي رموها بها سابقاً، حيث أصدرت الجبهة الثورية بياناً الجمعة الماضي، قالت فيه إنها ليست لها علاقة بتكوين أجهزة الحكم الانتقالي بالخرطوم، واعتبرت الأمر بأنه تغييب لقضايا السلام والمواطنة بطريقة متعمدة، من أجل انفراد النخب بالحكم، وأكدت الجبهة رفضها لما أسمته توظيف تجارب النخب في الاستيلاء على الثورات للوصول إلى الحكم. وأوضح البيان الممهور بتوقيع كل من مالك عقار، وأركو مني مناوي، أن ما يحدث حالياً بالسودان محاولة للاستيلاء على حصاد ثلاثين عاماً من نضال الشعب، وناشد البيان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك برفض قوائم المرشحين والمرشحات للمناصب الوزارية والمجالس المتخصصة. كما نبه بيان الثورية على أنها طرف أصيل ومؤسس لقوى الحرية والتغيير، مشيرة إلى أن ما يحدث محاصصة وبصورة قبيحة...
ما يجري في السودان، وما جرى في السابق من تسابق القوى السياسية للاستئثار بالسلطة، يؤكد أن العقلية التي كانت تدير البلاد في العهد البائد، هي نفسها عقلية السياسيين الجدد، فكما كان نظام المخلوع البشير يختار الوزراء وحكام الولايات وغيرهم على أساس الجهوية والقبلية، عبر الأحزاب السياسية التي كانت مشاركة في الحكم، فإن قوى الحرية والتغيير التي اختطفت ثورة شباب لا ينتمي معظمهم إلى أي تيار سياسي، فإنها - أي قوى التغيير - تسير في منهج النظام السابق نفسه، من محاصصات جهوية وحزبية، دون أن تكون هناك رؤية واضحة لكيفية حكم السودان، هذا البلد الموبوء بسياسيين انتهازيين همهم هو إرضاء الكافر المستعمر، ثم الرضا بفتات السلطة، دون أن يقدموا لهذا الشعب المغلوب على أمره شيئاً يتعلق برعاية شئونه، ففي الوقت الذي تتصارع فيه مكونات قوى التغيير حول المناصب والمكاسب والغنائم، تعيش البلاد أزمات متلاحقة يأخذ بعضها برقاب بعض، فما يزال الناس منذ شهور يعيشون أزمة طاحنة في المواصلات، حتى صار منظر مئات بل آلاف الناس وهم ينتظرون المواصلات لساعات طوال، صار هذا منظراً مألوفاً لا يحرك الساسة المتشاكسين، إضافة إلى أزمات الوقود والخبز في العاصمة، وبصورة أشد في الأقاليم.
ثم كانت الطامة... ما حدث من اقتتال قبلي في مدينة بورتسودان، راح ضحيته المئات بين قتيل وجريح، دون أن يكون هناك حل جذري للمشكلة، أضف إلى ذلك السيول والأمطار والفيضانات، التي أثرت على عشرات المدن والقرى، وتشردت آلاف الأسر، وجعلتهم في العراء، لا معين لهم إلا الله ثم بعض الخيريين!
إن الذي يخرج السودان، بل والعالم بأسره من تحكم الرأسمالية البغيضة، هو نظام يقوم على أساس مبدأ صحيح، يقنع العقل، ويوافق فطرة الإنسان، ويملأ القلب طمأنينة، ويوجد رجالاً على أساس المبدأ نفسه، يسعون لرضا الله سبحانه، ويطبقون أحكام المبدأ، فتسعد البشرية بهم، إنه مبدأ الإسلام العظيم، الذي يعالج مشاكل الإنسان باعتباره إنساناً يحتاج إلى إشباع حاجاته العضوية وغرائزه، بنظام لا يطلقها، ولا يكبتها، فيطمئن في حياته، فالإسلام مبدأ يقوم بذلك عبر دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، دولة حكامها كفاءات ترضي ربها، وتخدم أمتها، لا كما هو حال كفاءات الأنظمة الوضعية في بلاد المسلمين اليوم، التي تخدم الكافر المستعمر بتطبيق أنظمته في الحكم والسياسة والاقتصاد، فتغضب ربها، وتظلم نفسها وأمتها على السواء!
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع