توجد بين أبناء الأمة أحزاب متعددة، منها ما يأخذ المنحى الديني ومنها ما يأخذ المنحى العلماني أو اللاديني، ولقد كان وجود الأحزاب الدينية أمرا طبيعيا بحكم عقيدة الأمة وارتباطها بدينها، أما الأحزاب العلمانية فقد وجدت بحكم الغلبة والسيطرة للفكرة العلمانية في العالم، وحيث إن الأحزاب الدينية تقوم على أساس الدين، وعلى النقيض منها تقوم الأحزاب العلمانية على أساس لا ديني، وهي فكرة العلمانية التيتعني فصل الدين عن الحياة فلا وجود للدين في مؤسسات الدولة أو تنظيم حياة الناس وإنما ينحصر الدين في علاقة الإنسان بربه، لذلك تقوم الأحزاب العلمانية على أسس وطنية أو قومية أو ديمقراطية أو غير ذلك مما لا علاقة له بالإسلام، أما الأحزاب الدينية فالأصل فيها أنها تقوم على أساس الدين باعتباره طريقة للحياة ووجوب اتباع الدين في جميع أمور الحياة ومؤسسات الدولة.
وحيث إن معظم القائمين على الأحزاب العلمانية هم من أبناء الأمة فقد كان هناك تأثير ملحوظ للدين في أفراد تلك الأحزاب، وبما أن الفكرة العلمانية هي السائدة في العالم فقد تأثرت الأحزاب الإسلامية بالفكر العلماني على مستويات مختلفة، فقد شاهدنا من الأحزاب الإسلامية من ينادي بالوطنية أو القومية أو الديمقراطية على اعتبار أنها من الإسلام أو أنها لا تخالف الإسلام، كذلك لوحظت لقاءات بين الأحزاب الدينية والعلمانية تنادي بالتقارب بين الأفكار والعمل سويا على اعتبار الجميع من أبناء الأمة ويعمل لصالحها وخدمتها.
إن الناظر إلى واقع العمل الإسلامي يدرك أن أساسه الإسلام أي العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من أحكام وما بني عليها من أفكار، فالإسلام نظام كامل يشمل جميع العلاقات في الحياة؛ علاقة الإنسان بنفسه من مأكل وملبس وأخلاق، وعلاقته بربه من عقيدة وعبادات، وعلاقته بغيره من بني الإنسان من معاملات وعقوبات. الإسلام يشمل جميع نواحي الحياة وهو طريقة متكاملة للحياة، وكذلك فإن العقيدة الإسلامية هي المصدر الوحيد لأحكام الإسلام وأفكاره، وبذلك كان القرآن والسنة هما مصدر التشريع، وهما وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي الأدلة الشرعية، وقد أمر المسلمون بالرجوع إلى هذه المصادر في جميع أمور حياتهم وأن لا يأخذوا من غيرها أبدا فقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ فحصر الله سبحانه وتعالى التشريع بما جاء به المصطفى e وأمرنا أن لا نأخذ إلا ما أتى به المصطفى e، وبذلك كانت الأمة عامة والأحزاب خاصة مأمورة باتباع ما جاء به المصطفىeوأن لا يأخذوا من أي مصدر آخر مهما كانت الأسباب أو التبريرات والذرائع، فالأحزاب الإسلامية مأمورة بأن تجعل الإسلام مرجعها في جميع ما تقوم به من أعمال وأن تتخذ من طريقة الرسول e منهاج حياة، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خطَّ رسولُ الله خطّاً بيده، ثم قال: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ مُسْتَقِيماً» ثم خط خطوطاً عن يمين ذلك الخطِّ وعن شِماله، ثم قال: «وَهَذِهِ السُّبُلُ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ»، ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.
لذلك فإن الإسلام والإسلام فقط هو أساس قيام الأحزاب الإسلامية وأساس سيرها نحو طريق النجاة، والإسلام لا يأخذ من غيره ولا يداهن ولا يتلون فهو واضح عند من يتبعه عن بينة كوضوح الشمس في كبد السماء.
أما العلمانية فهي فصل الدين عن الحياة واعتبار أن مكان الدين هو أماكن العبادة فقط، والناظر إلى نشأة الفكرة العلمانية يجد أنها بدأت في أوروبا حيث كان الدين أو الكنيسة تتحكم بحياة الناس وكان الملوك والحكام يظلمون الناس ويعيثون في الأرض الفساد باسم الدين، فخرج من يدعون باللادينية ومن يدعون بإقصاء الدين عن الحياة والمنادون بأن الدين هو سبب كل آفة وسبب الظلم الواقع بالناس، واستمر المنادون بإقصاء الدين عن الحياة حتى تمكنوا من تغيير النظام عن طريق الثورة الفرنسية وما تبعها من ثورات وانقلابات في أوروبا، وبذلك انتصرت الفكرة العلمانية وقضت على وجود الدين في الحياة الأوروبية وأصبحت الديمقراطية هي نظام الحكم في أوروبا، وبذلك تبنت الدول الأوروبية فكرة فصل الدين عن الحياة وحملتها إلى العالم، وبانتصار الدول الأوروبية واستعمارها لمعظم دول العالم أصبحت العلمانية هي الفكرة الراجحة والسائدة على السطح، وبحكم تطبيق الديمقراطية في بلاد المسلمين واعتلاء العلمانيين مناصب الحكم فقد وجد العديد من الأحزاب العلمانية في بلاد المسلمين.
وبعد هذه النظرة المجملة للأسس التي تقوم عليها الأحزاب الإسلامية والأحزاب العلمانية يتضح أن هناك تناقضا كاملا بينهما؛ فالأحزاب الإسلامية الأصل أن أساسها هو الإسلام، والأحزاب العلمانية أساسها هو إقصاء الدين عن الحياة، وقد يرى بعض سطحيي التفكير أن المصالح الآنية أو الوطنية قد تفرض على هذه الأحزاب التقارب والعمل سويا على اعتبار وحدة الأهداف أو المصالح العامة، إلا أن الصواب هو أن أهداف الإسلاميين لا تلتقي أبدا مع أهداف العلمانيين، وأن مصالحهم لا تلتقي مطلقا ومصالح العلمانيين، فأهداف الأحزاب الإسلامية يجب أن تكون منبثقة من عقيدتها الإسلامية والمصالح المعتبرة في الإسلام هي ما اعتبرها الشرع مصالح لا ما اعتبرها العقل، وهذا على خلاف الأحزاب العلمانية التي ترسم أهدافها بعيدا عن الدين وتجعل العقل أساس تحديد المصالح والأحكام، ومن هنا نجزم بأنه لا التقاء أبدا بين الإسلاميين والعلمانيين، وأي دعوة لذلك من العلمانيين فهي محض تضليل، أو من الإسلاميين فهي زيغ عن الإسلام وانحراف عن المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله e، فهل يعي المسلمون هذه الحقيقة؟!
﴿وَأَسِرُّوا قَولَكُم أَوِ ٱجهَرُوا بِهِ إِنَّهُۥ عَلِیمُ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ * أَلَا یَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِیفُ ٱلخَبِیرُ﴾
رأيك في الموضوع