نشرت عربي 21 السبت 6/7/2019م، ترجمة لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست" حول عواقب انهيار الدولة المصرية تحت حكم نظام السيسي، وتداعيات دخول مصر مربع الفوضى على منطقة الشرق الأوسط والعالم ككل، وقالت المجلة، في هذا التقرير، إن الرئيس المصري تنبأ في سنة 2015 بأنه في حال انهارت مصر سيشهد العالم تدفقا غير مسبوق لجحافل مقاتلي تنظيم الدولة. وتندرج مثل هذه التصريحات ضمن استراتيجية السيسي للبقاء على رأس الدولة، التي ترتكز أساسا على القمع في الداخل وتحذير حكام الدول الأجنبية من مغبة عدم دعم نظامه السياسي وعواقب ذلك على مصر التي ستقع فريسة للفوضى.
وأشارت المجلة إلى أن هذه الاستراتيجية قد آتت أكلها، وبينت أن الرئيس المصري يتلقى الدعم من أمريكا على نفس الخلفية المتعلقة بجماعة الإخوان، بينما تتخذ أوروبا موقفا سلبيا وتغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث داخل مقرات الأمن خوفا من تدفق ملايين اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط إذا عمت مصر الفوضى، كما أشارت إلى أن الأراضي المصرية الشاسعة غير الخاضعة للسلطة ستوفر ملاذا آمنا للمتمردين الوافدين من ليبيا إلى الأراضي الحدودية، وسينشئ الجهاديون دولة خلافة جديدة على أرض مصر، ونتيجة لذلك، ستتحول مصر من شريك سلام لكيان يهود إلى مصدر تهديد مميت؛ وأخيرا أفادت المجلة بأن الدروس التي تم استخلاصها من سوريا وليبيا تحتم عدم السماح بانهيار الدولة المصرية في المقام الأول، نظرا لأن إعادة توحيد الأراضي والسيادة المصرية سيكون صعبا للغاية وقد يستغرق عقودا طويلة. ولكن يبدو جليا أن السيسي ليس الرجل المناسب لمهمة الحفاظ على أمن ووحدة مصر... فما هو الانهيار الذي تتحدث عنه المجلة؟ وكيف يكون؟ وكيف يتعامل النظام الحالي مع الشعب ومع الغرب؟
المجلة تتبنى وجهة النظر الغربية الرأسمالية وتنظر للأمور من خلال زاويتها، فالانهيار الذي تتحدث عنه وتحذر منه هو انهيار المبدأ الرأسمالي وتحول أهل مصر إلى المطالبة باقتلاعه، وتحكيم الإسلام، وهم حقا كما تراهم تربة خصبة لذلك خاصة بعد انقلاب العسكر على الديمقراطية عندما أوصلتهم للحكم وأنهم لن يقبلوا أن تتم إزاحتهم بهذه الطريقة متى وصلوا للحكم وهو ما لن يسمح به الغرب حتى لا توجد مساحة ولو صغيرة من الحرية تمكن من إنتاج نظام يطبق الإسلام بشموليته كاملا في دولة خلافة على منهاج النبوة، ولهذا فأي حراك سيقوم به أهل مصر سيقابله النظام بالقمع الوحشي، وهو ما يدل عليه تعامل النظام مع كل القضايا السابقة التي تخص معارضيه بل وحتى منافسيه في العمالة، وحتى من الشكل العام لقوات الجيش والشرطة وما ترتدي من دروع وتحمل من سلاح موجه للشعب وبشكل مهين، وحتى أماكن تمركزها التي صارت تشبه القلاع، والغرب سيغض الطرف كعادته عن أي انتهاكات طالما أنها في حق المسلمين وطالما بقيت مصالحه محفوظة وظلت يده قائمة على ثرواتنا ينهب منها كيف شاء، وطالما بقي كيان يهود ينعم بالأمن.
إن أي انهيار يسبقه انفجار وهو متوقع في ظل قرارات النظام الكارثية وضغطه المتواصل على أهل مصر بآلات قمعه، حتى لا يعلو صوت لمعترض. إلا أن هذا لن يدوم، ولولا عدم رؤية الناس للبديل الحقيقي والتعتيم المفروض عليه وعلى كل دعاته لتغير الحال؛ فلو علموا أن هناك مشروعا حقيقيا بديلا قادرا على علاج مشكلاتهم لاحتضنوه وجعلوا من حملته قادة لهم وحملوهم حتى أوصلوهم للحكم رغما عن النظام وسادته في البيت الأبيض، ولهذا يتمحور عمل رأس النظام المصري في شقين؛ أحدهما خطاب الغرب وإظهار كونه رأس حربة في صراعهم مع الإسلام البديل الحقيقي لمبدئهم وحضارتهم، من خلال ثورته الدينية التي أعلنها ودعوته لتجديد الخطاب الديني، وإظهار كونه الحارس الأمين لمصالحهم والحامي لأمن كيان يهود وأنه وحده صمام أمانهم وبدونه ستتدفق جيوش الخلافة لتفتح أوروبا ولن يكون هناك وجود لكيان يهود، وهذا وإن سعى من خلاله للحصول على دعم الغرب واستغلال عدائهم للإسلام إلا أنه حقيقة، فلو أقيمت دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فلن يكون لكيان يهود وجود وسيتوقف سيل نهب ثروات المسلمين المتدفق على بلاد الغرب، بل سيُطالَب الغرب بتعويض ما نهبه من ثرواتنا وستعود أوروبا لعصور الظلمات الوسطى وسترجع أمريكا لما وراء البحار ولن يأمن الغرب في عقر داره إن بقي له عقر دار.
أما المتعلق بأهل مصر وما ينفذ عليهم من قرارات تزيدهم فقرا وجوعا وتتخم خزائن الغرب والمنتفعين بثرواتهم، وما يصاحب هذا من إظهار للقوة الغاشمة والعصا الغليظة الموجهة دائما لقمع كل مُطالب بحق من حقوقه، فهو ما ينذر بانفجار وشيك لا يؤجله إلا عدم رؤية الناس للبديل الحقيقي، والذي لو أدركوه لكان لهم رأي آخر يخشاه الغرب ويدرك أنه قادم لا محالة؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة، وهو ما دعاه إلى اقتراح رأس النظام.
الإشارة إلى أن السيسي ليس الرجل المناسب لهذه المرحلة وراءها قراءة للواقع الذي يسير في اتجاه الانفجار بعد القرارات الكارثية التي اتخذها رأس النظام في السنوات الماضية وكأنها تقترح على سادته سرعة استبدال وجه آخر به، يخدع الناس لسنوات وربما لعقود قادمة، غير أن هذا لم يعد يجدي نفعا؛ فواقع الأزمة في الرأسمالية التي أثبتت فشلها، ولا يبقيها على قيد الحياة إلا القمع والقهر ونهب الثروات، فاستبدال الوجوه مع بقاء النظام ليس حلا ولن يدوم طويلا، والحل الوحيد الذي ينجي العالم كله وليس بلادنا فقط هو اقتلاع الرأسمالية من جذورها وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
الغرب يكيد لنا ليل نهار، ولم يعد تآمره علينا خافيا بل صار ظاهرا جليا لكل ذي عينين. والأمة الآن في حالة مخاض تنتظر مولودا جديدا يعيد لها العزة والكرامة، لا ينقصه حتى يرى النور إلا أن ينصره المخلصون من أبناء الأمة في الجيوش بقطع ما بينهم وبين الغرب وعملائه الحكام من حبال وأن ينظفوا صفوفهم من الخونة والعملاء ويسلموا قيادتهم لمن يقودهم بالإسلام حتى تقام بهم الخلافة على منهاج النبوة التي تنهي وساوس الغرب وتقطع دابر القوم المجرمين ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ألا إن نصر الله قريب.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع