مجموعة العشرين تأسست عام 1999م كمجموعة اقتصادية، وهي بمثابة منتدى وليس منظمة، أسستها مجموعة السبع على أثر اضطراب أسواق المال العالمية بسبب الأزمة المالية الآسيوية التي كانت أمريكا وراءها.
وعندما اندلعت الأزمة المالية عام 2008م بدأت تعقد على مستوى الرؤساء سنويا، فمعنى ذلك أنها أصبحت مجموعة سياسية اقتصادية. تبحث الأمور الاقتصادية ليس على أساس اقتصادي بحت وإنما كثيرا على أساس سياسي، وإن وضعت أهدافها النمو الاقتصادي الدائم والمتوازن وحرية التجارة الدولية وتنظيم أسواق المال والعمل وتقوية النظام المالي العالمي وتعزيز الرقابة لمنع تكرار الأزمة المالية والتغير المناخي وقضايا اللجوء ومحاربة (الإرهاب). ويجري الصراع فيها بين الاقتصاديات الكبرى وخاصة بين أمريكا وأوروبا.
وكانت قمتها الأخيرة في اليابان يومي 28-29/6/2019 على هذه الشاكلة، فكانت النقاشات تتعلق بملفات سياسية وبالتجارة والاقتصاد الرقمي والمناخ، فأصدرت بيانا ختاميا يدعم اتفاقية باريس للمناخ فرفضت أمريكا العودة إليها. ولكن البيان تجنب ذكر مكافحة الحمائية والالتزام بالتجارة الحرة، حيث إن أمريكا اتخذت تدابير حمائية تخالف مقررات منظمة التجارة العالمية التي أسستها، وقد طالب البيان بإصلاحها. وقال البيان: "الأهم هو أن التوترات التجارية والجيوسياسية تصاعدت". وهكذا تعترف القمة بأنها فاشلة فلم تستطع معالجة قضاياها، فلم تستطع إلزام أمريكا بالتراجع عن الحمائية والعودة إلى العولمة التي أطلقتها سابقا، إذ رأت أضرارها فتراجعت عنها وبدأت بالحمائية والحرب التجارية.
ويلتقي الرؤساء بلقاءات ثنائية على هامش القمة ليبحثوا العلاقات بين دولهم. فتكتسب القمة أهمية من هذه الناحية. وتتوجه الأنظار إلى اجتماعات رئيس أكبر دولة في العالم مع المسؤولين الآخرين.
ولهذا توجهت الأنظار إلى اجتماعات ترامب مع مسؤولي الدول الأخرى. حيث اجتمع مع الروسي مادحا إياه بالقول "إنه شرف كبير لي أن أكون مع الرئيس بوتين.. علاقاتنا جدية جدا" ليستميله ويستخدمه. فطلب منه إشراك الصين في معاهدة الصواريخ المتوسطة المدى إذا أرادت روسيا عودة أمريكا إليها، لأن هذه الاتفاقية مهمة جدا لأمن روسيا، لتقوم وتضغط على الصين للدخول فيها، لأن الصين سترفض ذلك، وهكذا ستنشأ أزمة بين الصين وروسيا، وهذا سيسهل وقوف روسيا مع أمريكا في وجه الصين.
واجتمع ترامب مع الصيني بينغ واصفا اجتماعه بأنه "ممتاز" وقائلا "عدنا إلى المسار الصحيح.. سيكون الأمر تاريخيا إذا استطعنا التوصل إلى صفقة تجارة عادلة" بينما قال بينغ إن "الحوار أفضل من المواجهة". مما يشير إلى تنازلات وخدمات صينية لأمريكا اقتصادية وسياسية، فنتج عنها تخفيف العقوبات على شركة هواوي الصينية، ووقف فرض رسوم جمركية جديدة مقابل تلك التنازلات والخدمات منها الضغط على كوريا الشمالية الواقعة تحت التأثير الصيني، فكان اجتماع ترامب وأون ورئيسها، نظرا لأن الشيوعية مغيبة نهائيا من السياسة الخارجية الصينية ومستعدة لبيع الرفقاء الشيوعيين في سبيل المصالح الاقتصادية، فتقدم الصين خدمة لأمريكا التي تسير في تطبيق خطتها تجاه كوريا. والصين كما صرح رئيسها غير مستعدة للمجابهة والصراع مع أمريكا، وبذلك تؤخر رِجلا نحو صيرورتها دولة كبرى عالميا. إذ يلاحظ على سياستها أنها تقدم رِجلا نحو ذلك وإذا تصدت لها أمريكا تؤخرها. وهكذا أمرها في إقامة سلسلة القواعد البحرية (عقد اللآلئ) على سواحل دول آسيوية عدة حتى أفريقيا، فأقامت واحدة في جيبوتي وتوقفت عن إقامة غيرها.
واجتمع ترامب مع أردوغان مدافعا عنه ليستمر في تسخيره، فحمّل إدارة أوباما المسؤولية عن شراء تركيا للصواريخ الروسية، واعتبرها ضحية سياسة أوباما وأنها "لم تكن عادلة مع تركيا وتلبية طلبها بشراء صواريخ باتريوت"، وذكر أن "الأمر معقد نعمل على حله".
فأمريكا على عهد أوباما دفعت تركيا لشراء هذه المنظومة من أجل إطماع روسيا بالسير في الخطط الأمريكية فيما يتعلق بسوريا، وهذا ما كان، فنفذت روسيا تلك الخطط. وعندما جاء ترامب وقفت أمريكا في وجه هذه الصفقة ليبتز تركيا ويستخدمها، فذكر ترامب أن تركيا "صديقة لأمريكا، وقمنا معاً بأعمال رائعة وأنها صديق تجاري وسنرفع زيادة حجم التجارة أربعة أضعاف ومنها صفقات عسكرية.. لتصل إلى 75 مليار دولار" بل "ينبغي أن يتجاوز مئة مليار بكثير"، أي أنه يريد أن يحل محل الاتحاد الأوروبي في تركيا، فيوجه ضربة اقتصادية في حربه التجارية ضد أوروبا. فتركيا قامت بأعمال رائعة لأمريكا إذ خدعت أهل سوريا بدعمها الظاهري وهي تنفذ الخطة الأمريكية للحفاظ على النظام السوري متفقة مع روسيا وإيران تحت مسمى خفض التصعيد. وبذلك أخرجت الفصائل المسلحة من حلب والغوطة ودرعا وحاصرتها في إدلب ووقعت اتفاقية سوتشي يوم 17/9/2018 التي أعلن ترامب أنه كان من ورائها ووجه شكره لأردوغان وبوتين وإيران وسوريا (النظام)، والتي تستهدف تصفية الثورة وتركيز النظام بصياغة جديدة حيث يجري الحديث عن وضع دستور جديد يشترك فيه النظام بخمسين ممثلا، وبذلك تحافظ أمريكا على نفوذها في سوريا. فخيانة أردوغان وغدره لأهل سوريا لا توصف. إذ يظهر كالصديق والمعين وهو يتفق مع الأعداء، ولم يصدقه إلا الغبي الساذج الذي وقع في فخ الغدر!
واجتمع ترامب مع ابن سلمان واصفا إياه "بالصديق" ومادحا إياه على سياسة "الانفتاح" التي تنشر الفسق والفجور في السعودية باسم الترفيه وإطلاق حرية المرأة، مخاطبا إياه: "أفكر بشكل خاص فيما فعلته من أجل النساء.. إنها كثورة بشكل إيجابي للغاية"، بجانب مدحه لمشتريات السعودية العسكرية من أمريكا بمئات المليارات دعما للاقتصاد الأمريكي، ودورها في استقرار أسواق النفط لحساب أمريكا وخداع روسيا بجلبها إلى الأوبك، ودورها في تنفيذ الخطط الأمريكية الاستعمارية في المنطقة باسم "التعاون السعودي الأمريكي".
ولهذا جاء اجتماع بوتين مع ابن سلمان لبحث الشراكة مع أوبك حيث قبلت دول أوبك بعد ذلك في فينّا يوم 2/7/2019 هذه الشراكة باسم "أوبك بلس" لتدخل روسيا تحت تحكم أمريكا. وذلك لغباء روسيا السياسي إذ توهمها أمريكا بأنه صار لها نفوذ في الشرق الأوسط ولها تأثير داخل أوبك.
كانت القمة فاشلة في الضغط على أمريكا لتتخلى عن الحمائية والحرب التجارية، بينما استغلت أمريكا وجود المسؤولين الآخرين لتملي سياستها عليهم.
مجموعة العشرين تسيّر بسياسة رأسمالية تتنافس فيها الدول الرأسمالية، ولهذا فلن تدخلها دولة الخلافة على منهاج النبوة القائمة قريبا بإذن الله. وسوف تعمل على عقد اجتماعات واتفاقات اقتصادية وسياسية على مستوى عالمي أو ثنائي على أساس الإسلام، ليتحقق العدل وتوزع الثروات على الناس، ويرى الناس نور الإسلام فيدخلوا فيه أفواجا.
رأيك في الموضوع