موجات غلاء متلاحقة وفقر مدقع يزيد يوما بعد يوم وقروض متتالية تثقل كاهل الشعب المنهك الفقير، الذي لو حاول الاعتراض على قرارات النظام وإرادته، فرصاصات الشرطة والجيش التي يدفع الشعب ثمنها، جاهزة لإزهاق روحه، ومن نجا فإلى ساحات المحاكم حتى يعدم بحكم من قضاة يدفع هو رواتبهم من قوته وقوت عياله، بينما كل هؤلاء جالسون على كراسيهم لحماية ناطور الغرب، الذي بدوره يحمي مصالح سادته في البيت الأبيض.
قضت محكمة مصرية، الخميس، ببراءة حبيب العادلي وزير الداخلية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، في اتهامات بالاستيلاء على أموال وزارة الداخلية، وفق مصدر قضائي بحسب ما نقلته الـBBC في 9/5/2019م، بينما القضاء نفسه يوزع الإعدامات بالجملة على شباب مصر في شبه قضايا آخرها كان تأييد الحكم بإعدام 13 شخصاً في القضية المسماة أجناد مصر، وبحسب تصريح مسؤول قضائي لـBBC في 7/5/2019م، فإن محكمة النقض أيدت في القضية نفسها أيضا السجن المؤبد (25 عاما) لـ17 متهما والسجن 15 عاما لمتهمين اثنين والسجن 7 سنوات لسبعة متهمين... لاحظوا الفرق بين التعامل القضائي في الحالتين مع وزير سابق يعلم انتهاكاته الجميع وبين شباب انتُزعوا من بيوتهم ولفقت لهم التهم وانتزعت اعترافاتهم بها تحت التعذيب المثبت، في رسالة موجهة من النظام لرجاله أولا وللشعب ثانيا؛ رسالة لرجاله تطلق يدهم في قتل وقمع ونهب أهل مصر دون رقيب ولا حسيب عليهم، وتطمئنهم أنهم في مأمن من أي عقاب طالما بقي النظام وطالما ظلوا حماة له يحولون دون ثورة الناس عليه، ورسالة إلى شعب مصر الثائر أن هذا مصير كل معترض على قرارات النظام مهما كانت... وكأنه يقول لهم ليس أمامكم إلا الخضوع المطلق لما يريده النظام وما يصدره من قرارات وينفذ من سياسات ولو أكلت كل ما تكسبون وأتت على كل ما تملكون، حياتكم كالعبيد عند الحكام وأدواتهم وسادتهم وإلا فلا حياة لكم!!
وها هو النظام ماض في ذلك كل المضي يزيد من اقتراضه خارجيا وداخليا لتنفق على قصور ومبانٍ لا يسكنها أحد، وطرق وكباري خدمية لعاصمة جديدة تكلفت مليارات، ويناقش مجلس الشعب مقترحا بزيادة معاشات العسكريين 15%، بينما يعلن وزير المالية المصري لمصراوي في 7/5/2019م، قائلا (لو فيه فلوس مش هنبخل".. المالية: 15% عجز الموازنة لو مررنا طلبات الوزارات)، وفي الوقت نفسه تبين استبعاد 13 مليوناً و782 ألف مواطن من المستفيدين من بطاقات التموين بحسب ما نشر على مصراوي أيضا في 2/5/2019م، هذا بخلاف التسول المعلن من الدولة على الشاشات وإهمالها التام لرعاية شؤون الناس، الذي هو واجب الدولة.
هذا هو واقع الكنانة المفجع في ظل هذا النظام الذي وجه سلاحه نحوهم وسلط عليهم آلة قمعه حتى صار الناس بين خيارين أحلاهما ليس مرا بل سم زعاف، فصار الناس يأكلون بقايا نفايات المصانع طوعا، وصارت تباع علنا في الأسواق في صورة لم تعهدها أرض الكنانة التي أطعمت الدنيا كلها من قبل وأغاثت مدينة رسول الله عام المجاعة، بفارق واحد فقط وهو أنها كانت تدار بأنظمة وسياسات من وحي الله عز وجل سواء على عهد نبي الله يوسف أو نبينا عليهما الصلاة والسلام.
إن الواقع المرير الذي تعيشه الكنانة يدركه أهلها جميعا وهو أسوأ مما كان عليه أيام مبارك على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، بل كل يوم يأتي هو أسوأ من الذي قبله، وسبب هذا كله الرأسمالية الحاكمة وفشلها في إيجاد حلول ومعالجات لمشكلات الناس فضلا عن أنها سبب من أسباب إفقار الناس وتجويعهم أصلا، فلم يعد مطروحا لدى منفذي هذا النظام وأدواته غير الحل الأمني القائم على قمع الناس وإجبارهم على قبول حياة هي أشبه بحياة الحظائر، وقبول ما يلقيه لهم النظام من فتات حقوقهم المسلوبة، بل وشاكرين مهللين له على هذا الفتات، الذي لا يعطى لهم دون ثمن بل لقاء خروجهم في انتخابات النظام واستفتاءاته، وهذا ما شهدت عليه كراتين الاستفتاء الأخير التي سلبت أيضا من التجار ورجال الأعمال، الأمر الذي ينذر بانفجار قريب لا محالة حادث أمام زيادة معدل الفقر المطردة والتي لن يتحملها أهل الكنانة رغم صبرهم الشديد إلا أنها فوق أي احتمال على الحقيقة، فقد أكلهم الجوع والفقر والمرض.
إلا أن هذه الثورة المحتملة والقادمة تحتاج إلى قيادة سياسية واعية مخلصة تحمل مشروعا قادرا على إحداث الفرق وعلاج جميع المشكلات بحلول حقيقية، وليس مسكنات وهذا المشروع لا يوجد إلا لدى حزب التحرير، غير أن هذه القيادة وهذا المشروع بحاجة إلى حاضنة من أهل الكنانة، ونصرة صادقة من المخلصين في جيشها، تسلم الأمر لهذه القيادة لتحكم الناس بالإسلام كاملا في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والمعادلة الآن في يد المخلصين في جيش الكنانة والألم ألمهم وما يحيق بالكنانة يصيبهم حتما فهو واقع بأهلهم وإخوانهم والله سائلهم عنهم يوم القيامة، والأمة الآن بعمومها وليس مصر وحدها مهيأة لقيام الدولة التي تعيد لهم الكرامة والعزة ورغد العيش، بل فلنقل مهيأة لأن تحتضن الإسلام ونظامه وتضحي في سبيله بكل غال ونفيس، فالأمة التي صبرت عقودا على فساد الرأسمالية ومنفذيها وفسادها وعجزها عن البين رغما عنها حتما ستصبر وتتحمل عندما ترى الخير يعود وتشعر بالكرامة في بلادها والعزة التي فقدتها والتي لم تعد أبدا إلا بتحكيم الإسلام في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة والتي لم يعد ينقصها حقيقة إلا مخلصون قادرون على نصرتها وهو ما يدركه قادة الغرب ويحسبون له ألف حساب خوفا من أن تفاجئهم الدولة التي تهد أركان نظامهم العالمي وتهدد أمنهم لا في بلادنا فقط بل في عقر دارهم هذا إن أبقت لهم عقر دار.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع