الجزء الثاني
الأمينان العامان السابقان للحزب الاشتراكي علي ناصر محمد وعلي سالم البيض، القاطنان في دمشق والضاحية الجنوبية ببيروت ثم الإمارات بقيا رهن إشارة أمريكا، ووجد لهما أتباع في الحراك الجنوبي الذي ارتبط بالسفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن سيش، فقد ظهر علي ناصر محمد لأول مرة في القاهرة في 2015م متحمسا للعودة إلى اليمن لمزاولة العمل السياسي، بعد رفضه التام لدعوات سابقة متكررة من علي عبد الله صالح. وكذلك البيض الذي بقي لسنوات طويلة بعمان بعيدا عن الأضواء والأعمال السياسية، فقد عاود الظهور في 2012م ثم تتالى ظهوره في المشهد السياسي في اليمن وحتى اليوم. ووصفهم الحوثيون بالشرفاء من أبناء الجنوب، وعند وصول الحوثيبن عدن في منتصف 2015م خططوا لتسليم أتباعهم عدن فلم يفلحوا، وأُخرجوا من عدن في آب/أغسطس 2015م.
اليمن نالت قسطاً من مخططات أمريكا في الشرق الأوسط ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير في 2006م، وفي إعادة ترسيم حدود سايكس بيكو السياسية بمناسبة مرور مائة عام على الاتفاقية، وتخطط أمريكا لتقسيم اليمن قسمين أو أكثر. وتخطط لتسليم زمام الحكم للحوثيين في الشمال وعلي ناصر محمد في الجنوب والبيض وباعوم في حضرموت.
في الناحية الدولية استغلت أمريكا أدواتها الدولية التي أنتجتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يعول عليهما الإمساك بالاقتصاد في اليمن في فترة ما بعد الحرب القائمة لصالح مخططات السياسة الأمريكية، كذلك استخدمت الأمم المتحدة لإرسال المبعوثين الذين يحققون مخططاتها كجمال بن عمر الذي كان إرساله بقصد حرف طريق ثورة شباط/فبراير 2011م، فذهب لمقابلة عبد الملك الحوثي في صعدة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011م، واللقاء في صنعاء بالحراك الجنوبي الأمريكي المُطالب بالانفصال ووعده لهم بعرض قضيتهم في الأمم المتحدة فور التخلص من صالح. كما قام جمال بن عمر بإشراك الحوثيين بتمثيل يفوق حجمهم في مؤتمر الحوار الذي عقد في آذار/مارس 2012م، ومحاولة إعطائهم حصة في حكومة مجور، ومن ثم تخلية الطريق لهم في توجههم نحو صنعاء مرورا بعمران، وإزالة المعوقات التي تقف أمامهم، ومن ثم رعاية وعقد اتفاق السلم والشراكة في مكتب عبد ربه منصور هادي في 21/09/2014م. ومن بعده إسماعيل ولد الشيخ أحمد الذي قام بعقد أول مفاوضات في سويسرا بين الحوثيين وصالح من جهة وهادي من جهة ثانية، وحشد لهم المساعدات الغذائية والطبية التي قامت أمريكا بتجميعها.
وحين تعثر الحوثيون في تمددهم خارج صنعاء في جبل الثعالب بالمناسح قاتلت الطائرات بدون طيار إلى جانبهم، وقامت قوات أمريكية خاصة بالإنزال بيكلأ في محافظة البيضاء لإزالة عقبات تقف في طريق الحوثيين باتجاه بيحان في محافظة شبوة النفطية، وتحدث مسؤول استخباراتي أمريكي بوجود اتصالات استخباراتية بينهم وبين الحوثيين.
كما أطلقت أمريكا المبادرات التفاوضية لإلباس الحوثيين شرعية الحكم، واعتراف المجتمع الدولي بهم كمبادرة -كيري شانون في 2017م ودعوة ترامب أثناء لقائه بولي عهد آل سعود محمد بن سلمان في آذار/مارس 2018م إلى حل سياسي في اليمن، وتجديد الدعوات من وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية بومبيو في تشرين الأول/أكتوبر 2018م إلى إنهاء الحرب في اليمن والجلوس إلى طاولة المفاوضات التي رحبت السويد باستضافتها مطلع شهر كانون الأول/ديسمبر 2018م.
بعد إزاحة صالح عن هرم السلطة بالمبادرة الخليجية في تشرين الثاني/نوفمبر 2011م، عرضت أمريكا العرض تلو العرض لصالح بإخراجه من اليمن برفقة ذويه، فلم يقبل عروضها لخشيته من أن تلاحقه في المحاكم الدولية، فأقدمت عن طريق مخابراتها على تحديد مكان وجوده الأخير بعد حضوره احتفال تأسيس حزبه في آب/أغسطس 2017م، فحاصرته ثم قتلته في 04/12/2017م بعد أن أطلق نداءه الأخير بالثورة على الحوثيين.
من ناحية إقليمية لعبت إيران ربيبة أمريكا دورا في تهريب الأسلحة للحوثيين عن طريق البحر الأحمر، حيث تنطلق الزوارق المحملة بالأسلحة والخبراء والمدربين الإيرانيين واللبنانيين من شواطئ الجزر الإريترية التي تستأجرها إيران، وكذلك الشواطئ الصومالية باتجاه شواطئ اليمن الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وعن طريق بحر العرب في أبين وشبوة ثم انطلاقها برا إلى مأرب والجوف. وتمتلك اليمن أدلة على ذلك؛ السفينتين جيهان 1 وجيهان 2.
كذلك لعبت دورا في استقطاب واستضافة آلاف الشبان الحراكيين من الأذرع الأمريكية في طهران وبيروت وإسطنبول، والمشائخ القبليين في كل من دمشق وبيروت.
كما لعب نظام آل سعود في نسخته الأمريكية "سلمان بن عبد العزيز وابنه محمد" دورا سياسيا لصالح أمريكا منذ وصول سلمان إلى كرسي الحكم في شباط/فبراير 2014م، كإيقاف تقدم جبهات القتال في كل من نهم باتجاه صنعاء، ومنع حرمان الحوثيين من السيطرة على ميناء الحديدة، وتصريحات عادل الجبير أكثر من مرة بالقبول بالحوثيين، والدعم للاقتصاد في اليمن بإيداع ثلاثة مليارات دولار، وتقديم مئات الملايين من الدولارات هبات ومساعدات إلى جانب التزويد بالمشتقات النفطية التي حرم منها الحوثيون في اليمن. وإطلاق يد سفيرها محمد الجبير في حضرموت لدعم حراكيي أمريكا فيها، والمهرة التي تريد بترها ووراء الأنبوب النفطي الخرخير - نشطون على بحر العرب وتوجيه نفطها شرقا بالمحيط الهندي والهادي نحو أمريكا بدلا عن المحيط الأطلسي.
كان ذلك تلخيصا موجزاً لأبرز أعمال أمريكا السياسية لبسط نفوذها السياسي في اليمن وإخراج نفوذ بريطانيا السياسي منه.
هكذا خلا الجو للدول الغربية أن تتصارع على اليمن، في غياب سياسيين مخلصين يتخذون من العقيدة الإسلامية أساسا ينظرون من زاويتها إلى العالم، يقومون برعاية شؤون الناس بالأعمال السياسية وفق الأحكام الشرعية، يتمكنون من الحصول على ثقة أهل الإيمان والحكمة للعمل معهم لإعادة اليمن إلى نظام الإسلام في دولة الخلافة على منهاج النبوة، بعد أن خذلهم السياسيون الحاكمون السابقون والحاليون، وانخرطوا في مخططات المستعمرين لبلادهم القدماء والجدد.
رأيك في الموضوع