إن قصص الإهانة والاستخفاف بالرويبضات حكام المسلمين، أمام أسيادهم من زعامات الكفر؛ تنبؤنا كل يوم بجديد، من قصص الذل والهوان، والاستخفاف والتحقير والاستهزاء... إلى غير ذلك من ألفاظ يلصقونها بهم. وكان آخر هذا الاستخفاف والتحقير والاستهزاء ما حصل في اللقاء الذي جمع ابن سلمان بترامب أثناء زيارته لأمريكا 20/03/2018؛ حيث أخرج الرئيس الأمريكيّ لوحةً تحمل صور الصفقات العسكرية التي وقعها حكام آل سعودمع أمريكا، ومبلغ كل منها بالمليار، ثم وجّه حديثه لابن سلمان قائلاً: "هذه المبالغ زهيدة بالنسبة لكم... السعودية ثرية جدا، وستعطينا جزءا من هذه الثروة" وأضاف: "سوف نعيد مليارات الدولارات إلى الولايات المتحدة" وقال أيضا: "إن هناك تعاونا بين بلاده والسعودية في مجال الدفاع، مشيرا إلى أن الرياض "تدفع جزءاً كبيراً من فاتورة الدفاع للشرق الأوسط بأكمله"، وفي خطاب لترامب ألقاه أمام حشد بولاية آيوا الأمريكية 10/10/2018، قال: "إن إيران كانت ستسيطر على الشرق الأوسط في غضون 12 دقيقة قبل أن يتسلم الرئاسة، غير أنها تكافح للبقاء الآن"،وأشار للمرة الرابعة على التوالي، إلى أن على السعودية أن تدفع المال مقابل حماية أمريكا لها، قائلا: "إن كنا سنحميك يجب أن تدفع". فماذا كان رد ولي العهد من آل سعود، وماذا قال انتصاراً لكرامته وكرامة بلده؟!
إن رده كان ذليلا بقدر الذل الذي رضيه لنفسه؛ عندما ربط نفسه وعائلته بحبلٍ من الذل والهوان مع الكفار أولياء الشيطان، وقطع صلته مع الله جل العزة والرفعة والسمو.. لقد ردّ قائلا: "إن السعودية تشتري الأسلحة من الولايات المتحدة، ولا تأخذها مجانا"، وأضاف "في الوقت الحاضر لن ندفع شيئا مقابل أمننا، وإن علاقة السعودية مع ترامب جيدة ومميزة، وأنه يحب العمل مع الرئيس الأمريكي، وإنه يجب تقبل المديح والنقد من الأصدقاء"!!
والسؤال الذي نسأله هنا: لو صدر هذا القول من أحد النقاد في السعودية، أو من أحد الكتاب أو الصحفيين، أو صدر من أحدهم خارج السعودية - كما حصل مع خاشقجي - فماذا سيكون مصيره؟! لقد صدق في هؤلاء الأذلاء قول الشاعر: أسد علي وفي الحروب نعامة *** ربداء تجفل من صفير الصافر، وقول الشاعر: من يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلامُ. فليت هؤلاء الحكام يتعظون مما جرى، وما زال يجري لأقرانهم من عملاء السوء عملاء الغرب؛ من الحكام. والأمثلة على ذلك كثيرة؛ منها الحديث ومنها القديم؛ فما جرى للملك عبد الله في ساحة الأقصى سنة 1951 ليس بعيدا عن حكام آل سعود وعن ولي العهد، عندما بعث الإنجليزمصطفى شكري عشو؛ ليطلق عليه النار فأرداه قتيلا، وما جرى مع الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود كذلك؛ عندما قتله ابن عمه فيصل بن مساعد بن عبد العزيز سنة 1975. وما جرى مع عبد الكريم قاسم في العراق 1963، وعبد الإله؛ حيث قتل وسحبت جثته في شوارع بغداد 1958. وما جرى مع شاه إيران 1979، وما أدراك ما شاه إيران؟! حيث تربع على عرش من الأبهة والتيه، وكان يتفاخر بأنه المخلص الأمين للإنجليز في منطقة الشرق الأوسط، وعندما تغلبت أمريكا على نفوذه في إيران عن طريق الثورة؛ استطاعت أن تخلع آل بهلوي عن عرش الحكم، وجاءت بالخميني على رأس الثورة المزورة باسم الدين، فقال شاه إيران كلمته المشهورة وهو يغادر إيران على متن الطائرة، وهذه الكلمة يجب أن تحفر في ذاكرة هؤلاء السقط من الحكام؛ قال: "لقد أخرجتني أمريكا من إيران كما يخرج الفأر الميت من المصيدة". ثم رفضه العالم كله بعد ذلك؛ أي بعد أن عادته أمريكا وأخرجته من عرشه وأبهته، فلم يجد بلداً في العالم يستقبله، وفي نهاية المطاف استقبلته مصر التي أضحت مرتع حكام الظلم والظلام. وبقي في مصر لا يسمع له صوت حتى مات ودفن فيها. وهكذا يحصل مع كل حاكم ليس له سند من مبدئه ومن شعبه. فالأصل في الحاكم أن يكون خادماً أمينا لشعبه؛ يطبق عليهم المبدأ نفسه الذي يحملونه، ويخدم شعبه ويحرص عليهم، ويحرسهم أكثر من نفسه، تماما كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله لا أشبع حتى يشبع آخر مسلم في المدينة"، وقال: "لَوْ مَاتَتْ شَاةٌ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ ضَائِعَةً لَظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَائِلِي عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟!".
إن ما جرى ويجري من إهانة لولي عهد السعودية؛ هو بسبب معرفة الكفار بأنه لا سند له من شعبه، ولا من دينه، ولا مبدئه.. فسنده - كما يعرف ترامب وغيره - هو أمريكا؛ فهي التي تأتي بهؤلاء الحكام أمثال ابن سلمان، وهي التي تخلعهم كما يخلع الحذاء من أخمص القدم، وتأمر وتنهى كما ترى مصلحتها لا مصلحة الشعب داخل السعودية. فرحم الله زماناً بعث فيه نكفور حاكم الروم رسالة إلى هارون الرشيد أمير المؤمنين فيها قلة من أدب مع الخلفاء، فرد عليه هارون الرشيد رحمه الله قائلا: "من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نكفور كلب الروم؛ الجواب تراه قبل أن تقرأه"، وسير جيشا جرارا أوله عند الروم وآخره في بغداد، وأعاد لنفسه ولدولته الاعتبار، واعتذر حاكم الروم عن قلة أدبه وأدى الجزية مضاعفة!!
إنه لا سبيل لعزة هؤلاء الحكام - إذا ما أرادوا العزة - إلا بعودتهم إلى أحضان شعوبهم، والعمل بشريعة ربهم عز وجل، وصدق الحق القائل: ﴿بشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً﴾ [النساء: 138-139] والقائل سبحانه: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 18] والقائل عز وجل: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ [فاطر: 10]... صدق الله العظيم
رأيك في الموضوع