يأتي قرار ترامب بإيقاف المساعدات الأمريكية المقدمة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، والتي تعادل ثلث ميزانية هذه الوكالة، كجزء من تصفية قضية فلسطين. حيث إن هذه الوكالة تمثل واقع حق العودة، بالنسبة للمهاجرين الذين هجروا من مدنهم وقراهم، وهو أحد الملفات التي نتجت عن وجود كيان يهود الملعون. وأمريكا تحتج بأن عدد اللاجئين المتبقين من التهجير الذي اعتمده كيان يهود، يقدر فقط بـ 400 ألف لاجئ ممن تبقوا أحياء من زمن الهجرة عام 48، بينما هم في واقعهم يزيدون عن خمسة ملايين لاجئ، يشمل اللجوء في ذلك أبناءهم وأحفادهم.
فبعد قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لكيان يهود، جاء تقليص المساعدات الأمريكية لهذه الوكالة، ثم الإعلان عن قطع 200 مليون دولار كمساعدات تقدمها أمريكا لأهل فلسطين وتصرف على عدد من الجمعيات في كل من الضفة وغزة، ثم قراره الأخير بقطع المساعدات الأمريكية المقدمة لهذه الوكالة، وليس بعيدا عن هذا وذاك ما اتخذه كيان يهود من قرارات لها مغزى ولا يمكن أن تتم إلا بموافقة أمريكا...
فقرار كيان يهود بمصادرة الأراضي في منطقة الخان الأحمر في القدس، له دلالة كبيرة حول ما يسعى له كيان يهود من زيادة تقسيم مناطق الضفة الغربية ومن ثم التعامل معها ككانتونات منفصلة تحظى بالحكم الذاتي، ولا ترقى لمستوى أن تكون حتى شبه دولة. وكذلك إقرار قانون ما يعرف بالقومية اليهودية، والذي يعتبر بداية لتهجير أهالي فلسطين الموجودين داخل فلسطين المحتلة عام 48 "الخط الأخضر".
ورغم أن رئيس وزراء كيان يهود قد خاف من تأثير قطع المساعدات الأمريكية على الأوضاع في قطاع غزة خصوصا واحتمال زيادة تفجر معاناة الناس إلا أنه قد عاد ووافق أمريكا على هذه الخطوة بشكل فاجأ حتى قادة جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" والذين نصحوه قبلها بعدم الموافقة على تقليص خدمات الأونروا، بينما فسرت زعيمة المعارضة في كيان يهود تسيبي ليفني قراره كعادتها بالمناكفة، فسرت قراره بأنه سيبقي على حماس في قطاع غزة عبر تحويل الأموال من خلال منظمات أممية.
بل إنه ووفق بعض التقارير فإن ترامب قد أمر دول الخليج بعدم دعم وكالة الغوث إلا لنهاية هذا العام.
فعلى الرغم من إعلان عدد من الدول العربية التابعة لأمريكا، بأنها لن تقبل صفقة القرن كالسعودية التي خشي ملكها من تبعات تلك الصفقة ومغامرات ابنه محمد، ورغم إعلان مصر تنصلها ظاهريا من تلك الصفقة مع أن أول من أطلق اسم صفقة القرن هو رئيس مصر السيسي، ثم فشلها في إبرام اتفاق بين حماس وكيان يهود يكون مقدمة لصفقة القرن، عدا عن رفض الأردن وقطر لها، وأهم من ذلك إعلان تأجيل تفاصيل تلك الصفقة أكثر من مرة من قبل أمريكا، ثم إقرار ترامب قبل أيام بأن إحلال "السلام" بات أمرا صعبا على غير ما كان يتوقع، وخاصة بعد فشل مصر في إبرام اتفاق بين حماس وكيان يهود، أو إجبار السلطة على إعطاء الشرعية لمثل هذا الاتفاق والانطلاق بتعزيز قطاع غزة ليكون ركيزة لما يعرف بأنه دولة السلطة.
فعلى رغم كل ذلك، إلا أنه يبدو أن أمريكا تريد فرض وقائع صفقة القرن على الأرض، بحيث تصبح واقعا يمكن التكيف معه والقبول به لاحقا، علاوة على ممارسة الانتقام بعد فشلها في الترويج لصفقة لا يقبل بها أهل المنطقة، وحتى أكبر عملائها عجزوا عن ترويجها، فضلا عن معارضة أوروبا لها ومطالبتها مرارا بحل الدولتين.
بل إنأوروبا وعلى عادتها فيما يتعلق بقضية الأونروا، ردت بشكل مباشر على قرار ترامب، حيث أعلنت ألمانيا عن زيادة مساعداتها للأونروا، وأكدت بريطانيا على أهمية بقاء هذه الوكالة وضرورة دعمها.
بينما أعلن الأردن الذي ما زال في دائرة النفوذ الإنجليزي، عن تعهده بتصدر الجهود الدولية لدعم الأونروا.
وموقف أوروبا والأنظمة التابعة لها نابع من رفض المشاريع الأمريكية التي تسعى لتغيير بقية الولاءات الأوروبية في المنطقة إلى أمريكية، ونابع من عدم السماح لأمريكا بالتفرد بالحلول.
إن أزمة اللاجئين والتي هي أزمة من عشرات الأزمات التي أوجدها كيان يهود ومن خلفه أمريكا وأوروبا بسبب وجوده، لتكشف عن فشل أي معالجة تتبناها أمريكا ودول الغرب.
فأي مشكلة دولية تم حلها بعد تدخل أمريكا، سواء في سوريا أو تركيا أو العراق أو أي بلد في هذا العالم؟!
فأمريكا ودول الغرب لا تتحرك لحل الأزمات الدولية، بقدر ما تستغل هذه الأزمات لخدمة مصالحها هي فقط.
والسؤال الذي يطرح نفسه: أين هي الأمة الإسلامية من كل ما تحوكه أمريكا وأوروبا وعملاؤهم؟
أليست فلسطين أرضا إسلامية قبل أن تكون عربية أو فلسطينية؟
وهل تكفي بيانات الشجب والاستنكار من قبل بعض الأنظمة والجامعة العربية؟
إن الحقيقة الماثلة للعيان، هي أن الأمة مُقصاة عن واقع الصراع، ولولا أنها كذلك ولولا خضوع الحكام لأمريكا وعدم اعتراضهم على صلف رئيسها الأرعن، لما تجرأت أمريكا وعاملتنا بهذا الازدراء.
لقد قام الحكام ومن خلفهم أمريكا وأوروبا بقمع الأمة وحركتها وانتفاضاتها... والنتجية هي بقاء هؤلاء الحكام المجرمين، وسيرهم مع أمريكا أو أوروبا التي بان بكل وضوح أنها هي من تحميهم وتدعم بقاءهم، ليكونوا حراسا على مشاريعها وخططها، بدل أن يكونوا قادة لأمتهم أو حتى شعوبهم، والنتيجة ماثلة أمام الأمة وجيوشها التي ما زالت لم تثر كما ثارت بقية الأمة.
فماذا تنتظر هذه الجيوش التي بات قادتها يخدمون أخسّ الناس، بينما هم يورطونهم في دماء الأمة أو يُقصونهم قائدا بعد قائد وضابطا بعد ضابط، دون أن يعمل هؤلاء الضباط على الحركة الاستباقية التي تزيح وجه الباطل في هذه الأنظمة وتوحد الأمة في ظل دولة واحدة تنقذ الأرض المباركة فلسطين وأهلها وتزيل كيان يهود فتنتهي كل الأزمات التي أوجدها هذا الكيان الملعون؟
إن أمريكا لو استطاعت تصفية قضية فلسطين في وقت لاحق، فإنها ستصفيها كقضية وطنية، بيد أنها وكيان يهود يتغافلون عن أن قضية الأرض المباركة فلسطين هي قضية إسلاميةبامتياز ستحلها بإذن الله جيوش الأمة بإزالة كيان يهود.
بقلم: الأستاذ حسن المدهون
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع