اعتمد البرلمان الدنماركي، قانوناً يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ليحذو بذلك حذو دول أوروبية أخرى مثل فرنسا وبلجيكا، واعتمد النص بغالبية 75 صوتاً مقابل 30 ويفيد "أن كل شخص يرتدي ملابس تخفي وجهه في الأماكن العامة عرضة لدفع غرامة... ومشروع القانون الذي قدمته حكومة الوسط/اليمين نال أيضاً تأييد أكبر قوتين سياسيتين في البرلمان: الاشتراكيون الديمقراطيون والحزب الشعبي الدنماركي؛ شعبوي مناهض للهجرة. واعتباراً من 1 آب/أغسطس 2018م موعد دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، أي مخالفة له سيعاقب عليها بغرامة تبلغ ألف كورون دنماركي (134 يورو). وإذا تكررت المخالفات فإن الغرامة يمكن أن تصل إلى 10 آلاف كورون".
تتوالى هكذا الأحداث عاصفة لمحاربة مظهر من مظاهر الإسلام في القارة العجوز والدافع واحد وإن اختلف المكان، بدءاً من حظر الزي الشرعي الإسلامي في المؤسسات العامة بحجة مخالفته لروح الدولة العلمانية، إلى الترويج للرسوم الكاريكاتيرية المستفزة للمشاعر في الدنمارك باسم تقديس حرية التعبير، إلى الاستفتاء الذي سمح بمنع المآذن في سويسرا لعدم تقبلها عند الرأي العام، إلى استهداف المرأة التي ترتدي النقاب مؤخراً تحت ذريعة الدفاع عن حريتها هي نفسها، وتارة بحجة محاربة (التطرف)، أو لدافع أمني يتطلب كشف الوجه في عالم ينتابه رهاب الخوف غير المبرر بحجج واهية وأوهام اصطنعت في دوائر المخابرات ما يفتح الباب على مصراعيه لتوقع حرب أخرى على مظهر آخر من مظاهر الإسلام ويصبح فقط السؤال المشروع: ما هو السيناريو القادم وماذا سيكون بعد الذي كان؟
تتسابق الدول الأوروبية في إعلان حظرها على كل ما يغطي الوجه وبالأخص النقاب والبرقع وللتبرير غير المقبول يصف مؤيدو حظر النقاب بأنه يمثل خطراً على الأمن العام وإهانة لكرامة المرأة، أو بأنه يتنافى مع المساواة بين الجنسين ويقحم الدين في الحياة العامة، تأتي هذه الادعاءات من القيادات السياسيَّة بعد استثمار ضربة أيلول/سبتمبر لمصلحتهم السياسيَّة تبريرا لفشلهم في سياسات عديدة داخلية وخارجية، ومحاولة الإدلاء بالتصريحات العبثيَّة التي أرادوا من خلالها ترهيب الناس من الإسلام والمسلمين. ورغما عن القوانين والدساتير التي تقدس الحرية الشخصية وحرية الاعتقاد لكنهم احتالوا عليها وأكلوا صنم العجوة الذي صنعوه وقدسوه.
ولنقف وقفة مع ساسة أوروبا في حربهم على النقاب ولندع كلماتهم تعبر عنهم:
عندما أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (11 تموز/يوليو 2017) حظر النقاب في الأماكن العامة الصادر في العام 2011 في بلجيكا، إذ اعتبرت أنه "ضروري في مجتمع ديمقراطي". واعتبر قضاة المحكمة أن الحظر "يهدف إلى ضمان شروط العيش معاً بصفته أحد عناصر حماية حقوق وحريات الآخرين"، وإنه يمكن أن يكون ضروريا في مجتمع ديمقراطي. وكانت فرنسا أول دولة أوروبية تحظر النقاب في الأماكن العامة بموجب قانون دخل حيز التنفيذ في (نيسان/أبريل 2011) وأعلن الرئيس نيكولا ساركوزي خلال الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء لبحث هذا المشروع قائلاً: (نحن أمة عريقة مجتمعة حول فكرة معينة عن كرامة الإنسان ولا سيما كرامة المرأة وحول نظرة معينة بشأن الحياة المشتركة، وأن النقاب الذي يخفي تماماً الوجه يطال تلك القيم التي نعتبرها أساسية وجوهرية في ميثاق الجمهورية)، وطالبت نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، سيلفانا كوخ ميرين، بحظر النقاب في أنحاء القارة الأوروبية، وفي مقال نشرته صحيفة "بيلد آم زونتاغ" الألمانية، قالت سياسية معروفة إن النقاب يعتبر "اعتداءً على حقوق المرأة"، وتمنت "حظر ارتداء جميع أشكال النقاب في ألمانيا وأوروبا بالكامل".
إنَّ ساسة أوروبا يعلمون أن المنتقبات قد اخترن هذا الزي بحرية تامة، ورضين أن يلبسنه، والسؤال كيف ينتهكن حريتهن الشخصية بأنفسهن بينما فرضُ حظرٍ على لباسهن يُعدّ حماية للحرية؟ كيف يمكن أن تفهم هذه الصياغات غير المتسقة؟
وإن كانت المرأة قد اختارت ذلك فلماذا تفرض دول أوروبا منعها من ممارسة حريتها أم أن الحرية الغربية وغيرها في التعري هي المقدسة بينما حرية المسلمة في لبس ما تشاء لا تستوعبها حرية الغرب التي تكيل بمكيالين. إنَّ الحرب ما هي إلا استمرار التضييق على المسلمات، وانتقاص كرامتهن، لأن وجودهن بهذا الزي هو استفزاز للتعري الذي هو سمة لمجتمعات تجعل المرأة لا تقاس بعقلها وإنسانيتها بل بمقدار كشفها لجسدها وتعريها!!
والمفارقة أن مظاهر الإسلام وحدها هي المتقصدة مقابل انتشار مظاهر التميز للديانات الأخرى مثل اليهودية والهندوسية والمجوسية والنصرانية، أليس الغرب غرباً علمانياً لا دينياً؟! فما سبب تخصيص المسلمين بهذه القرارات العنصريَّة وترك الحبل على الغارب للبقية، ليلبسوا ما يشاؤون ويفعلوا ما شاؤوا ويعبدوا ما يشاؤون؟! أم أن العلمانية تتسع لكل الديانات لكنها تضيق على الإسلام!! إنَّ استهداف المسلمين بات في الحقيقة على الهوية والمظهر، والتاريخ يشهد بذلك؛ ففي مدينة هاملتون الكندية، وبسبب أشكال الهنود وعمائمهم التي توقع الكنديون أنَّهم مسلمون، فأحرقوا معبداً للسيخ، وفي اليوم التالي، كتب السيخ لوحة أمام المعبد تقول: (نحن لسنا مسلمين) فقد صار المسلمون بالفعل مضطهدين من غيرهم بسبب ملامحهم وسحنتهم ويؤكد ذلك مقتل مروة الشربيني في ألمانيا، بعد أن حكم القاضي لصالحها ضد ألماني أساء إلى حجابها، فما كان من الألماني إلا أن طعنها طعنات قاتلة، وهي حبلى، في ساحة المحكمة، وكذلك ما ذكرته صحيفة "ذا ديلي ميل" البريطانية أن محكمة ليستر أصدرت حكمها الثلاثاء بعد أن اعترف المجرم ستيفن أرد، الذي هاجم امرأة مسلمة منتقبة (ريحانة سيدات) حيث هاجمها وكان سكراناً، قائلا "انزعي ذلك عن وجهك أيتها المرأة".
ونذكر أوروبا بأنه يوم كان للمسلمين دولة أرسل أحد الأساقفة الصليبيين والذي بعث إلى عكا، إلى البابا في روما، اشتكى فيها تشبه النصارى الصليبيين بالمسلمين في زيهم وطريقة حياتهم، فمن ذلك مثلاً تقليد النساء الصليبيات لنساء المسلمين بالحجاب واللباس المحتشم. حيث قال أحد الكتاب الأوروبيين في ذلك: وكانت النساء الصليبيات يقلدن المسلمات في لبس الحجاب الذي يضفي على المرأة الحشمة والوقار... لا يمكن أن تتوقف أوروبا عن استهداف الإسلام ومظاهره إلا أن تقوم للإسلام دولة ذات شوكة تطبق شرائعه وتحمي مظاهره بقوة مادية تسندها، لتكون رأيا عاماً عالمياً يتشرف من يقوم به حتى من غير المسلمين.
رأيك في الموضوع