إن أردوغان يريد اغتنام الفرصة بعدما ارتفعت شعبيته بعملية عفرين، إذ نظر إليها الناس بسطحية حسب التضليل الذي اعتمده بأنها لضرب الحركات الكردية الانفصالية التي تهدد وحدة البلاد. وأيدها حزب الحركة القومية لتوجهاته القومية وارتباطاته الأمريكية. ولم يدرك كثير من الناس أن أردوغان يؤدي أكبر خدمة للمجرمين أمريكا وروسيا وإيران والنظام السوري. فقد اتفق مع هؤلاء المجرمين للقيام بعملية عفرين لضرب الثورة السورية ضربة قاصمة بلفت الأنظار إلى عمليته وسحب الثوار نحوها وترك النظام بمساعدة روسيا وإيران ليدخل جنوب إدلب وبعدها الغوطة كما فعل في حلب بعملية درع الفرات، إذ أخرج الثوار منها ومكّن أولئك المجرمين من السيطرة عليها. فهي خيانات الواحدة تلو الأخرى يرتكبها أردوغان بينما المخدوعون به يصفقون له!
إن أردوغان يقدم موعد الانتخابات تحسبا لتغير الظروف وانقلابها عليه، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية تتجه نحو الأسوأ، فوضع الليرة يتدهور منذ عام 2014 ولا يستطيع إنقاذها رغم محاولاته اليائسة، بسبب شح العملات الصعبة لتسديد الديون التي تتراكم على البلاد، إذ أعلنت الخزانة التركية في أيلول 2017 عن بلوغ الديون الخارجية لتركيا نحو 438 مليار دولار. فتضطر تركيا لجمع العملات الصعبة من السوق لتسديد المستحقات عن خدمات الدين، فقد صرحت الخزانة يوم 31/10/2017 أنها "تخطط لدفع 10,92 مليار دولار كجزء من المبلغ الذي يصل قرابة 43,1 مليار دولار لخدمة الدين في عام 2018". وقالت في بيانها: "نظرا لارتفاع إجمالي خدمة الدين والتطورات في الموارد غير المقترضة في عام 2017، ارتفع إجمالي الاقتراض مقارنة بالإعلان الأولي"، وبلغت معدلات التضخم إلى أعلى من 10%. وقد ازداد تدهورها في المدة الأخيرة، فحذرت "موديز" يوم 14/4/2018 قائلة: "إن الضعف المزمن في العملة التركية له أثر سلبي لتصنيف ديونها السيادية وإشكالي للاقتصاد"، وأشارت إلى "تدني احتياطات النقد الأجنبي لدى تركيا". وهناك عجز بين الصادرات والواردات، إذ زاد إلى 37,5% ليصل إلى 77,06 مليار دولار كما أظهرت بيانات وزارة الجمارك والتجارة التركية يوم 2/1/2018. والواردات تدفع بالعملات الصعبة.
وكانت محاولات تركيا لمواجهة ضعف الليرة عن طريق رفع سعر الفائدة الربوية، فلم يسعفها ذلك. وعندما خفضت "موديز" تصنيفاتها لبعض المؤسسات التركية يوم 12/3/2018 انفجر أردوغان غاضبا فقال: "الشغل الشاغل لوكالة موديز هو وضع تركيا في مأزق لمنح الفرصة لمن يرغب في الاستفادة من هذا الوضع". وكان نائب رئيس الوزراء والمسؤول عن الاقتصاد محمد شيمشاك قد حذر بأنه "عقب الانتخابات مباشرة ستلجأ الحكومة إلى تطبيق إصلاحات اقتصادية وأن الوصفة العلاجية ستكون مُرة"، فوبخه أردوغان عن هذا الكشف، فاضطر أردوغان يوم 21/4/2018 إلى التصريح بذلك فقال "بفضل تقديم تاريخ الانتخابات سنستعد لآثار زلزال اقتصادي مدمر وإلا لن نتمكن من الخروج من هذه الفترة دون تكبد الخسائر". فلا يدرك الذين اتبعوه ويستعدون لانتخابه أنه يُعِدّ لهم مزيدا من الضنك في العيش لشدة السطحية لديهم وعدم الالتفات لمن يهديهم سبل الرشاد كحزب التحرير بدعوته إلى تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي.
وكذلك تدهور الأوضاع الداخلية؛ فملأ أردوغان السجون، حيث بلغ عدد المعتقلين 48,3 ألفا كما صرح بذلك وزير الداخلية سويلو يوم 10/1/2018، وطرد أكثر من 120 ألفا من وظائفهم بتهمة التآمر عليه. ولم يكتف بذلك، بل يعتقل من ينتقده في توجهاته السياسية أو من يدعو إلى الإسلام كمطاردته لشباب حزب التحرير وتأكيد الأحكام الصادرة عليهم منذ سنين، وذنبهم أنهم كانوا ناصحين للناس ولحكامهم ومحاسبينهم على خيانتهم وداعين الناس لتغييرهم وإقامة الخلافة الراشدة التي ستسعدهم.
وأما تأييد رئيس حزب الحركة القومية بهتشلي؛ فيعود لارتباطاته الأمريكية، فكان دائما مؤيدا لأردوغان في كل سياساته، وهو الذي سبب عام 2002 سقوط حكومة أجاويد الذي كان مواليا للإنجليز ليمهد الطريق لنجاح حزب أردوغان يوم 3/11/2002. ويريدان أن يفوتا الفرصة على ميرال أكشنار التي حاولت إسقاط بهتشلي والحلول محله، إلا أن أردوغان ومحاكمه قاموا ضدها، ففوتوا الفرصة عليها للحفاظ على بهتشلي عميل أمريكا، وقد تمكن من إخراجها من حزبه يوم 15/12/2016، فأسست الحزب "الجيد" يوم 25/10/2017 مع نواب آخرين انفصلوا عن الحزب، إذ توضع عراقيل في وجه مشاركة حزبها في الانتخابات، وهي تلقى تأييدا في الوسط القومي. وقد عملت كوزيرة داخلية في حكومة أربكان عامي 1996-1997 وفازت بمقعد برلماني عن حزب الحركة القومية في انتخابات عام 2007 وعام 2011 وانتخابات حزيران 2015، ولم يرشحها الحزب لخوض انتخابات تشرين الثاني 2015. وقد شاركت في تأسيس حزب أردوغان عام 2001 باسم حزب الفضيلة، إلا أنها تركته، ربما أنها أدركت توجهاته الأمريكية وعدم قدرتها على منافسته داخليا، فتوجهت نحو حزب الحركة القومية ذي الجذور الإنجليزية لتنافس رئيسه الموالي لأمريكا، فلدى هذه المرأة توجهات إنجليزية.
أما انتقاد أمريكا لتقديم الانتخابات عندما أعربت متحدثة خارجيتها نويرت عن "القلق من إجراء انتخابات مبكرة بتركيا في ظل حالة الطوارئ" إنما ذلك للتغطية على حقيقة أردوغان وخداع الرأي العام كما فعلت مع انتخابات السيسي في مصر عندما أعربت عن القلق من استبعاده للمرشحين وشفافية الانتخابات، ولكن عندما فاز السيسي كان الرئيس الأمريكي أول من بارك له، كما كان أول من بارك لأردوغان عندما فاز باستفتاء التعديلات الدستورية يوم 16/4/2017 لمنحه صلاحيات واسعة والانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي، وهذه الانتخابات ثمرة ذلك. علما أن أردوغان أول من بارك لأمريكا بضرباتها الأخيرة في سوريا مما يؤكد ولاءه لأمريكا.
فأردوغان تدعمه أمريكا في هذه الانتخابات ومن المحتمل أن يفوز بها، حتى يحكم قبضته على زمام الأمور في تركيا لينفذ لأمريكا في الداخل والخارج سياستها بكل أريحية، فقد أثبت مدى ولائه وتقديم الخدمات العظام لها، إذ تمكن من توجيه ضربات موجعة للثورة لم تقدر عليها أمريكا وروسيا مباشرة بخداعه للثوار، وسيقوم بلعب دور فعّال في المنطقة الإسلامية كلها لعرقلة مشروع الأمة بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فقد أكد علمانيته مدة 16 سنة بتطبيقه لها وبالترويج والدعوة لها ومحاربته العاملين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ولكنها قائمة رغم أنفه وأنف سيدته أمريكا وأنف كل الكافرين والمنافقين، لأنها وعد الله ولن يخلف الله وعده، وبشرى رسوله e ولن تخيب بشراه ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
رأيك في الموضوع