دخلت ثورة الشام المباركة هذه الأيام عامها الثامن وهي ما زالت تعاني وتدفع أثماناً باهظة من الدماء ومقدرات البلاد في ظل صمت وتخاذل المسلمين وتآمر حكامهم مع الغرب الكافر، تدخل الثورة في العام الثامن لها وما زالت تسير على غير هدى خصوصاً ممن تتولى قيادة فصائلها، فمن الغوطة الشرقية وعمليات التهجير الجماعي لأهلها وسكانها وثوارها، إلى الاقتتال البغيض بين فصائل الشمال السوري، إلى ركون فصائل الجنوب في درعا والقنيطرة إلى الداعمين الذين حولوهم إلى دجاج ينتظر دوره بالمذبحة المستمرة في طول البلاد وعرضها.
لقد دفع أهل الشام ثمناً كبيراً بسبب تولي قيادة الثورة من أناس أقل ما يقال فيهم إنهم غير واعين سياسياً إن لم نقل إنهم عملاء لأعداء الثورة، فالتخاذل الذي تمر به الغوطة لم يكن لها وحدها فقد سبقتها في ذلك حمص وحلب وداريا والزبداني وغيرها، فقادة الفصائل المرتبطون بأجندات خارجية مع الدول الإقليمية لم تحركهم صرخات المستضعفين ونواح الثكالى واليتامى، ولن تحركهم!! فمن لم يتحرك لدينه وعرضه فيما سبق من المدن التي هجّرت لن يتحرك الآن...
إن هذا المرض العضال كان حزب التحرير قد وضع له العلاج قبل أن يستفحل، ولكن أبى قادة الفصائل أن يستمعوا لصوت العقل والحكمة، حيث وضع حزب التحرير ثوابت للثورة وطالب الثائرين أن يلتزموا بها لضمان نجاح الثورة وعدم وصولها إلى ما وصلت إليه، هذه الثوابت التي تبدأ بالانفكاك عن الخارج وأجنداته وماله السياسي المسموم والذي كان القنبلة الموقوتة التي أدخلها الغرب عبر عملائه من حكام تركيا والسعودية وقطر إلى داخل الثورة ففخخها، وأدى إلى النتائج الكارثية التي شهدتها الساحة وتشهدها، وبدلا من التمسك بقرار الشعب في إسقاط النظام توجه قادة الفصائل ومعهم ائتلافهم العميل إلى مفاوضة النظام، وبدلاً من التحرر من دول الكفر ومنظومتهم الدولية الظالمة ناموا على أعتابها، فحولوا هدف الثورة من التخلص من العلمانية والديمقراطية التي تحارب الله ورسوله إلى إقامة الدولة الإسلامية (الخلافة الراشدة على منهاج النبوة).
إن مأساة أهل الشام الذين غرقوا بدمائهم يتحمل جانباً كبيراً منها قادة الفصائل الذين قبلوا بالارتهان للمنظومة الدولية وربطوا قرارهم بها وبمؤتمراتها وبمبعوثيها، وأوصلهم إلى القبول أن يكون العدوان الروسي والإيراني ضامنيْن لاتفاقات خفض التصعيد، فأصبحوا الخصم والحكم، ونحن الآن لن نغرق في تفاصيل الواقع الذي عاشه أهل الشام طوال سني ثورتهم وذاقوا فيه جميع أنواع الخذلان والتآمر، فالسياسي الفذ هو الذي يعطي أمته ترياقاً ودواءً للمشاكل التي تعترضها، رغم الكم الكبير للتدخل الخارجي على الأرض ليس من طرف النظام وحسب بل وحتى من طرف الثائرين، فالثورة بحاجة ماسة إلى من يجمع شتاتها مرة أخرى ويوحد قواها ليس بالطريقة التي اعتادت عليها الفصائل ألا وهي التوحد على الدعم الخارجي، بل التوحد على مشروع يوصلها لبرّ الأمان ويسقط النظام المجرم ويسحقه، وهذا لن يكون إلّا بقيادة سياسية واعية مخلصة تحمل المشروع السياسي الكامل والواضح والمنبثق من عقيدة الأمة، تقود دفة الثورة فتحشد تحت جناحيها القوة العسكرية والحاضنة الشعبية، وهنا علينا أن نذكّر أن أركان الدولة هم الفكرة، أي المشروع السياسي ورجاله، والحاضنة الشعبية المطلعة على المشروع وتفاصيله وأدواته ورجالاته وطريقة إيجاده في الواقع، والقوة العسكرية التي تعطي النصرة لهذا المشروع وللثلة التي تحمله، وبذلك يتم التوحد الحقيقي لقوى الثورة الذي يطالب الثائرون به منذ سنين.
إن القيادة السياسية هي الضامن الحقيقي للسير بالثورة إلى هدفها الذي خرجت من أجله، وهو الذي ما زال يفتقده الثوار منذ انطلاق الثورة إلى الآن رغم أنه أمامهم وبينهم، يحمله ثلة من أبناء الأمة المخلصين الذين عاهدوا الله ألا تضعف لهم عزيمة أو تلين لهم قناة حتى يحققوا النصر الموعود مستمسكين بحبل الله ومقتدين بسيرة سيد الخلق محمد e، صاحب العزيمة والأسوة الحسنة، إنهم شباب حزب التحرير الذين نذروا أنفسهم ليكونوا شموعاً يضيئون درب أمتهم إلى النهوض والعزة والكرامة.
أيها المسلمون في العالم عامةً وفي الشام خاصةً! إنكم ترون بأم أعينكم أن خلاص المسلمين من أعدائهم وأذنابهم من بني جلدتنا لا يكون بالعمل الفردي غير المنتج ولا بجمعيات ومنظمات وفصائل وغيرها... بل يكون بإقامة دولة القرآن لتعيد ترتيب صفوف المسلمين وتحدد أولوياتهم وتسخر طاقات الأمة الجبارة في مواجهة أعدائها، ويجب على الأمة بكافة أطيافها ومثقفيها ومفكريها أن يعلموا أن الله قد اختارهم من بين كل أمم الأرض لمواجهة الكفر العالمي الذي أهلك الحرث والنسل، وآن لهذه الأمة أن تمسك بزمام أمورها وأن تمكّن الواعين المخلصين من قيادة سفينة الإسلام إلى حيث يحب الله ورسوله.
أما أنتم يا أهلي في الشام، فقد أثبتم أنكم أهل الصبر والمصابرة، وأهل التضحية والفداء، فاثبتوا على ما خرجتم لأجله ولن يتركم الله أعمالكم، ولم يبق إلّا القليل فنصر الله آتٍ لا محالة، وإنها أيام ابتلاء وتمحيص... فقولوا كلمتكم واستفرغوا وسعكم في تصحيح مسار ثورتكم بالتغيير على قادة الفصائل المرتبطين عسى أن ينزّل الله علينا نصراً يشفي صدور قوم مؤمنين ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد معاز
رأيك في الموضوع