اتهمت الصين الثلاثاء (الرابع من تموز 2017م) القوات الهندية بأنها اجتازت الحدود الصينية، فيما وصفته "باستفزاز" من جانب القوات الهندية، وأصدرت في 29 حزيران/يونيو 2017 بيانًا جاء فيه: "إن انسحاب القوات الهندية مما تدعي أنها أرضها شرط مسبق لإجراء حوار هادف بشأن المواجهة الحدودية"، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية: "إننا نحث الهند على سحب قواتها نحو جانبها من الحدود"، وهذا هو الشرط المسبق لتسوية الوضع، وكذلك لإجراء حوار هادف.
لا يعتبر الصراع الهندي الصيني جديدًا، فالبلدان اللذان تفصلهما حدود يبلغ طولها 4 آلاف كيلو متر يجمعهما تاريخ طويل من الصراعات. يتمحور الخلاف الرئيسي بين نيودلهي وبكين حول ترسيم حدودهما، وتتواجهان خصوصًا إزاء مصير منطقة (أروناشال براديش) الهندية، التي ضُمت إلى الأراضي الهندية خلال حقبة الاستعمار البريطاني لكن بكين طالبت بالسيادة عليها، وأدى الصراع الحدودي إلى بدء الحرب الصينية-الهندية وسط جبال التبت عام 1962م، وقد منيت الهند بهزيمة قاسية خلال حرب قصيرة، ورغم ذلك احتفظت بمنطقة (أروناشال براديش) بعد انسحاب القوات الصينية في نهاية النزاع وسط ضغوطات دولية، وتأججت المواجهة الثالثة بين الهند والصين عام 1987م، عندما أطلقت الحكومة الهندية لقب "ولاية" على منطقة (أروناشال براديش) لتصبح الولاية الهندية رقم (29)، الأمر الذي أغضب الصين التي لم تعترف بالقرار الهندي، مما صعّد الموقف وأسفر عن إرهاصات علامات حرب جديدة، لكن الطرفين توصلا لحل دبلوماسي ورسم جديد للخط الحدودي.
أما اليوم، فتتكرر المواجهات الحدودية بين الطرفين، مكملة لنزاعات إقليمية طويلة الأمد بين عملاقي قارة آسيا، وقد تجدد النزاع بعد أن دخلت شاحنات البناء الصينية - يرافقها جنود - إلى الجنوب في منطقة (دوكلام) المتنازع عليها لشق طريق فيها، حيث تعتبر الهند وبوتان المنطقة منطقة بوتانية؛ وتدعي الصين أن المنطقة ملك لها، وتقول دلهي إنها تدخلت نيابة عن بوتان، بينما تتهم بكين الهند بالتعدي على أراضيها، وتقول بوتان من جانبها إن بناء الطريق من قبل الصين يعد انتهاكًا لاتفاق عام 1998م، ويدعو كلا الجانبين للحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة المتنازع عليها.
من وجهة نظر بكين فإن ادعاءها لمنطقة (دوكلام) مدعوم بشكل قوي بمجموعة من الوثائق قدمتها وزارة الخارجية الصينية في مؤتمرات صحفية عدة خلال الأيام القليلة الماضية، تعود إلى اتفاقية حدودية بين بريطانيا والصين لعام 1890م تدعم حق الصين في منطقة (دوكلام)، فيما سُمي باتفاقية (سيكيم – التبت) التي وقعت في 17 آذار/مارس 1890م بين هنري بيتي فيتزموريس (نائب الملك البريطاني آنذاك) وشينغ تاي (المساعد الإمبراطوري في التبت)، كما أشار الصينيون بالإضافة إلى ذلك إلى وثائق من السفارة الهندية في الصين صدرت في عام 1960م قبلت الاتفاقات الحدودية.
من وجهة النظر الهندية، فإنه إذا سُمح للصينيين ببناء الطريق، فإن من شأن الطريق أن تجعل الوصول إلى منطقة (غيموشن) سهلًا، وهذا يعني انتقال البؤر الساخنة المتنازع عليها إلى الجنوب، مما يجعلها قريبة بشكل خطير من ممر (سيليغوري).
يسعى الصينيون إلى مد خط سكة حديد ليصل إلى (ياتونج) في وادي (تشومبي) بجوار ممر (دوكا لاباس) باتجاه هضبة (دوكلام) في بوتان، والمقصود من ذلك هو الحد من حركة الهند في وادي تشومبي حيث تتمركز القوات الهندية فوق أكتافها الشرقية. يمكن تحديد مقدار الأهمية التي توليها الصين للمنطقة من حقيقة أن الصين تحاول الحصول على هضبة (دوكلام) من بوتان من خلال مقايضتها بمساحات أكبر من الأراضي في أماكن أخرى.
إن التوغل الصيني في المنطقة سيؤدي إلى دفع الحدود إلى الشرق، وذلك لتحقيق الأهداف التالية:
- منح الصين عمقًا استراتيجيًا في وادي (تشومبي)، وكما ذُكر على نطاق واسع فإن وادي (تشومبي) ضيق للغاية في منطقة جبلية شاهقة الارتفاع على كلا الجانبين، وهذا يمكن الجيش الصيني من التحكم بالوادي من على سفوح تلك الجبال، ويضعف موقف الهند من التلال إلى الغرب على طول حدود (سيكيم – التبت).
- الطريق الرئيسي الحالي للوصول إلى وادي (تشومبي ويادونغ) هو (S-204 )، وبالنظر إلى عمق وادي (تشومبي) ومواءمته، فهو عرضة لاعتراض الهند، لذلك تسعى الصين إلى تطوير طريق (S-204) للوصول إلى الشرق والمرور عبر المنطقة المتنازع عليها، وهذا سيعطيها حماية أفضل نسبيًا ضد الهجمات المسلحة الهندية.
لقد بدأت القوات الهندية بالتحرك العسكري بعد لقاء مودي بترامب للمرة الأولى خلال زيارته لأمريكا في حزيران/يونيو2017م. وقد حذرت الصحيفة الصينية الحكومية "جلوبال تايمز" من أن التقارب بين الهند وأمريكا قد يؤدي إلى نتائج كارثية، وقالت إن واشنطن ونيودلهي تشعران بالقلق إزاء صعود الصين في السنوات الأخيرة على الساحتين السياسية والعسكرية، وجاء التعاون بين الهند وأمريكا بهدف زيادة الضغط السياسي على الصين، وأشارت الصحيفة إلى أن الهند ليست حليفة لأمريكا مثل اليابان أو أستراليا، وحذرت من أن التعاون الاستراتيجي بين الهند وأمريكا ليس في صالح الهند، بل "قد يؤدي إلى نتائج كارثية عليها"، وقالت إن الهند إذا تراجعت عن موقفها من عدم الانحياز، وأصبحت بيدقًا لأمريكا في مواجهة الصين، فسوف تتعثر في معضلة استراتيجية، وستحدث احتكاكات سياسية جديدة في جنوب آسيا. واتفق ترامب ومودي على أن الشراكة الوثيقة بين أمريكا والهند هي محور السلام والاستقرار في المنطقة، طبقًا لما جاء في موقع "نيوز 18" الإخباري الهندي. وقالت الصحيفة إنه على الرغم من شعور نيودلهي بالقلق إزاء صعود بكين، إلا أن الحفاظ على علاقات مستقرة مع الصين له أهمية أكبر لأمن الهند وتنميتها.
وهكذا فإن بؤر النزاع بين الدول الكبرى في العالم - ومنها آسيا - تجعل منها متفرقة وليست موحدة ضد أي صعود قائم للأمة الإسلامية نحو إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، إضافة إلى أن السوس ينخر هذه الدول من كثرة المشاكل الاجتماعية والديموغرافية الداخلية والفشل الاقتصادي والسياسي، فالهند مقسمة ديموغرافيًا إلى مسلمين وهندوس وسيخ... ومئات الملل والنحل الأخرى، إضافة إلى النزعات الانفصالية الموجودة في كثير من المناطق فيها (مثل ولايات الأخوات الست الجنوبية)، والصين كذلك ليست أحسن حالًا لتشابه واقعها بواقع الهند، لذلك كان توقيت نهضة الأمة الحالي لإقامة الخلافة على منهاج النبوة في تلك المنطقة مواتياً ولن تقف في وجهه قوى إقليمية يحسب لها حساب بإذن الله.
رأيك في الموضوع