ما زالت كثير من مقررات مؤتمر أستانة4 الذي عُقد في 4/5/2017م، لم تُنفذ بعد، إلّا أنّ تهيئة الأجواء، واستمرار التجهيز ما زال قائمًا وخاصةً من جهة تركيا الدولة التي أخذت على عاتقها ضمان المعارضة في تنفيذ هذا الاتفاق المشؤوم، فقد كان من المقرّر حسب مؤتمر أستانة أن تنشر تركيا وروسيا قوات فصل بين النظام والمعارضة لتكون ضامنًا لاتفاق الهدنة في أستانة، إلا أن هذا الأمر لم يتم بعد وذلك لوجود عقبات أمام تنفيذ هذا الاتفاق، فقسم كبير من الناس القاطنين في الشمال السوري يرفضون اتفاق أستانة ومقرراته المُفضية إلى وقف إطلاق النار مع النظام، ومن ثم الانخراط في الحل السياسي الأمريكي، وتسليم المناطق المحرّرة للنظام سواء برئاسة بشار أسد أو بغيره.
أمّا أمريكا فما زالت تتقمص دور المُناصر لقضايا الشعوب، المدافع عن حرّيتها! فبعد سنين طويلة من ادعاء صداقة الشعب السوري علنًا، ودعم النظام المجرم سرًّا وأحيانًا علانية، ها هي اليوم تُكمل دورها فتُطلق التهديدات للنظام المجرم مُحذرة إياه من استخدام السلاح الكيماوي، وقد اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "أن تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لبشار أسد جدّي وينبغي الإصغاء له"، وهذا يحاول تأكيد أن أمريكا تُعادي النظام السوري، مع أنه قد بات معلوماً للصغير قبل الكبير أنّه لولا الدعم الأمريكي وأضواؤها الخضراء لما استطاع النظام الوقوف على قدميه حتى هذه اللحظة، ولم تكتف أمريكا بالتحذيرات بل وصلت يوم السبت الماضي أكبر حاملة طائرات أمريكية إلى ميناء حيفا، وذلك عقب التهديدات المُوجهة لنظام أسد.
وحتى ندرك ما الذي تريده أمريكا من عملها هذا، فلا بد أن نعلم أولاً أن بشار أسد هو عميلٌ لأمريكا خلفًا لأبيه المقبور، وما تدخل إيران وروسيا من قبل إلا بإيعازٍ من أمريكا، وأيضًا لا بد أن نعلم أن أمريكا لم تكن يومًا صديقًا للشعب السوري ولن تكون، فهي الدولة التي تريد الحفاظ على مصالحها ومصالحها فقط، وقد كانت أيام الثورة في الشام خير كاشف لزيف ادعاء الغرب مجملاً وأمريكا خاصةً بأنهم يُدافعون عن حقوق الإنسان ومع الشعوب في تقرير مصيرها، كل هذا وغيره كشفته ثورة الشام لكل من كان على عينيه غشاوة.
وهكذا يتبين أن أمريكا تريد من هذا العمل خداع من تبعها من العملاء ليزدادوا ارتماء في أحضانها طلبًا لرضاها، وكذلك فإنها تريد من هذا التهديد وما تبعه من تحرك لحاملة الطائرات، أن تدفع باتجاه الحل السياسي عبر تهديد الثورة بحضور قوتها الضاربة، وإنه وإن كان في الظاهر تهديد للنظام إلا أن حقيقته هو تهديد للثورة وأهلها، وهنا يجد المراهنون على أمريكا والغرب فرصتهم ليقولوا "لا طاقة لنا اليوم بأمريكا وجيوشها".
فهذه المعارضة التي صنعتها أمريكا لا تفتأ تذكر أمريكا والغرب وما يُسمى أصدقاء الشعب السوري، ولم تُدرك ما أصبح مُسلَّمًا به عند أهل الشام، بأنه لا أحد من هذه الدول صديق للشعب السوري، بل كلهم أعداء متنافسون، يتقاسمون مصالحهم ولو على حساب دماء الآلاف والملايين من الناس، فهذا رياض سيف يؤكد مرّة أخرى أن هذه المعارضة هي صنيعة أمريكا ولا تعرف طريقًا سوى ما رسمته أمريكا لها، ففي تصريح له يوم الخميس الماضي طالب فيه ما سماها الدول الصديقة للشعب السوري "بدعم الائتلاف ومؤسساته من أجل إدارة المناطق المحررة وعدم ترك فراغ في السلطة"، وأشار سيف إلى أن اهتمام الدول الصديقة "يعطينا الأمل بأن يعود الشعب السوري قادراً على حكم نفسه".
وأمام هذا التآمر المفضوح على أهل الشام، لا يبقى للمسلمين في الشام إلا زيادة الوعي على كل مؤامرة تحوكها الدول الكبرى والدول التابعة لها، فلطالما كان الوعي هو الصخرة التي تتحطم عليها كل المؤامرات ولطالما كان الوعي هو قوة الردع التي تمتلكها الشعوب والأمم، فالوعي يقيها شر المكائد والمؤامرات، ويحفظ دماءها وأعراضها، ويحمي بلادها من كل من يتاجر بها، فلنعلم أن دخول قوّات تركية لتكون قوّات فصل بين الثوار وبين النظام لن يكون لحماية المناطق المحررة من القصف والاجتياح، بل هو خطوة في طريق الحل السياسي الأمريكي والذي تقرّر في جنيف1 والذي يهدف للقضاء على الثورة وذلك بتسليم هذه المناطق للنظام المجرم بمؤسساته العسكرية والأمنية، تحت مُسمّيات "حكومة مشتركة" و"محاربة الإرهاب".
ولنعلم أن أمريكا هي رأس الحربة في القضاء على الثورة، ولم ولن تكون يومًا في صفّ الثورة وأهلها، فهي من أوعزت لعملائها في الدول الإقليمية بأن يأخذ كلٌّ منهم دوره في الحرب على ثورة الشام، فإيران وروسيا كان لهما الدور الإجرامي في مشاركة الطاغية في قتل المسلمين وكسر إرادتهم، وأما تركيا والسعودية فكان لهما دور الدعم والاحتواء، ونتج عنه الاقتتال والتفرّق والتشرذم، ومن ثم الارتباط والارتهان لقرارات الداعمين، وتسليم المناطق المنطقة تلو الأخرى، وأما أمريكا فتزعمت ما يُسمى "الدول الصديقة" فرَعت المؤتمرات، وعملت على جمع النظام والمعارضة على طاولة المفاوضات، وسَعت لتثبيت الهدن وتوسيعها، وذلك كله في حربٍ واضحة للقضاء على الثورة في الشام وإعادة الناس للحكم الجبري الذي حقّق لها مصالحها على مدى العقود الماضية.
فالثورة اليوم تحتاج لمزيد من الوعي، وكثير من الثبات، وإرادة لا تنكسر، وقيادة واعية مخلصة، تنتشل الثورة من مستنقع الهدن والمفاوضات، لتضعها على برّ العمل الجاد لإسقاط النظام وتحكيم الإسلام بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع