أورد موقع فرانس 24 بتاريخ 22/09/2016 أن العلاقة بين الحكومة، التي يقودها الإسلاميون، والقصر في المغرب دخلت منعطفا غير مسبوق، جراء التصريحات القوية لرئيس الحكومة وأحد وزرائها والردود ذات اللهجة الحادة التي عقب بها القصر. ويحصل هذا في أوج الاستعدادات للانتخابات التشريعية التي ستُجرى في شهر تشرين الأول/أكتوبر، ما فسرته وسائل إعلام مغربية بأنه محاولة من محيط القصر لإبعاد الإسلاميين الذي وصلوا للحكم غداة الربيع العربي، عن السلطة على الطريقة المصرية.
فما حقيقة العلاقة بين القصر وحكومة حزب العدالة والتنمية؟
صدرت من القصر مؤخراً إشارات عدة توحي بوجود توتر بينه وبين الحكومة نوردها كما يلي:
- ما جاء في خطاب العرش الأخير (30/07/2016) رداً على تصريحات لبنكيران اشتكى فيها من وجود حكومة ظل موازية لحكومته في إشارة منه إلى محيط القصر، حيث قال الملك: "إنني لا أشارك في أي انتخاب، ولا أنتمي لأي حزب فأنا ملك لجميع المغاربة مرشحين، وناخبين، وكذلك الذين لا يصوتون ولكل الهيئات السياسية دون تمييز أو استثناء، وكما قلت في خطاب سابق فالحزب الوحيد الذي أعتز بالانتماء إليه هو المغرب".
- بيان الديوان الملكي (في 13/09/2016) رداً على تصريح وزير السكن وسياسة المدينة، نبيل بن عبد الله، الذي هاجم فيه مستشار الملك فؤاد علي الهمة واتهمه بأنه يجسد "التحكم" وأنه يقف وراء حزب الأصالة والمعاصرة، حيث وصف بلاغ الديوان الملكي تصريحات بن عبد الله بـ"اللامسئولة" وأنها "وسيلة للتضليل السياسي في فترة انتخابية تقتضي الإحجام عن إطلاق تصريحات لا أساس لها من الصحة واستعمال مفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات".
- عدم رجوع وزارة الداخلية لوزير العدل والحريات لاستشارته والتنسيق معه بشأن القرارات التي تتخذها بخصوص انتخابات 7 تشرين الأول/أكتوبر المقبلة على الرغم من وجود لجنة التنسيق المركزية للإشراف على الانتخابات بينهما، حتى اضطر وزير العدل إلى إعلان امتعاضه للعموم عن طريق صفحته على الفيسبوك في 18/09/2016 من خلال تدوينة جاء فيها: (إعلان عام... خلال الانتخابات الجماعية السابقة كان وزير العدل والحريات يقرر مع وزير الداخلية في كل ما يتعلق بالشأن الانتخابي... حاليا على بعد ثلاثة أسابيع من انتخابات 7 تشرين الأول/أكتوبر تقع عجائب وغرائب...!!! وزير العدل والحريات لا يستشار ولا يقرر في شأن ذلك مما يعني أن أي رداءة أو نكوص أو تجاوز أو انحراف لا يمكن أن يكون مسؤولا عنها...).
- إقدام وزارة الداخلية على تنظيم مسيرة الأحد 18/09 لمهاجمة بنكيران وحزب العدالة والتنمية، ومن ثم التنصل من المسيرة ونسبتها إلى مجهول!
من المعروف لدى الجميع أن القصر لم يكن ليستقدم الإسلاميين للحكم لو لم يكن مضطراً لذلك، فقد عاش المغرب بعيد انطلاق أحداث الربيع العربي فترة من الاضطراب كان بإمكانها أن تتطور لما يمكن أن يزعزع أركان الحكم في المغرب، والقصر يعلم أن الحزب الوحيد الذي يملك شعبية حقيقية في الشارع تستطيع تهدئته وتنفيس غضبه هو حزب العدالة والتنمية فأُتي به لهذا الغرض. ورغم الخدمات الجليلة التي قدمها الحزب للقصر، فمن المعلوم أنه ليس صاحب الحظوة لديه، وأن هواه مع الأحزاب العلمانية عموماً ومع حزب الأصالة والمعاصرة بالتحديد الذي أنشأ نواته فؤاد عالي الهمة (مستشار الملك حالياً) في أواخر سنة 2008، الحزب الذي أعلن منذ اليوم الأول وبدون مواربة أن هدفه هو محاربة الإسلاميين.
اليوم، وبعد أن أحس القصر أنه قد تعدى مرحلة الخطر، أصبح يرسل رسائل إلى العدالة والتنمية بأنه لم يعد مضطراً لتحمله وأن التخلي عنه ليس مستبعداً، وما من شك أنها رسائل تهديدية يقصد منها أمران:
- إعادة ضبط إيقاع الحزب حتى لا يكتسح البرلمان بعدد أكبر،
- مزيد من الخضوع والخنوع، والتوقف عن الحديث عن حكومة الظل والتحكم والعفاريت والتماسيح،... وتحمل انتقادات الناس وعدم نسبة التقصير إلى القصر حتى وإن كانت المظالم نابعةً فعلاً من سوء تدبير القصر وحاشيته.
إن العلاقة بين القصر وحزب العدالة والتنمية هي بمثابة علاقة عشقٍ من طرف واحد، لا يترك بنكيران فرصة للإشادة بالملك وبيان أنه يعتبر نفسه مجرد موظفٍ عنده يأتمر بأوامره، وأنه لا يمكن أن يعصي له أمراً وأنه مستعدٌّ لتنفيذ كل ما يطلبه منه بما في ذلك الاستقالة، وأنه من غير الوارد عنده أن يدخل في مجابهة أو صراع معه... وفي المقابل يرسل القصر الرسائل التهديدية لحزب العدالة والتنمية، ويقف مع خصمه اللدود ويهيئ له الظروف كي يتوسع ويمتد.
هذه عاقبة ارتماء الإسلاميين في أحضان الحكام، أن يُستعملوا لتحقيق مصالحهم، حتى إذا استوفوا منهم ما يريدون لفظوهم لفظ النواة، ومثال العراق ومصر حاضر بين أيدينا. قال r: «مَن التمَس رضا اللهِ بسخَطِ النَّاسِ رضِي اللهُ عنه وأرضى النَّاسَ عنه، ومَن التمَس رضا النَّاسِ بسخَطِ اللهِ سخِط اللهُ عليه وأسخَط عليه النَّاسَ» [صحيح ابن حبان].
فهل من متعظ؟
رأيك في الموضوع