بعد العديد من اللقاءات والمشاورات بين أمريكا وروسيا تم الإعلان عن اتفاق بينهما بخصوص سوريا، وكان من المفترض الإعلان عن بنود ووثائق الاتفاق في جلسة طارئة لمجلس الأمن كان من المفترض أن تعقد مساء الجمعة والتي ألغيت بناء عن طلب من الجانبين بسبب خمس وثائق سرية ترفض أمريكا التصريح عن تفاصيلها؛ ذلك أن هذه البنود على درجة عالية من الحساسية.
أما روسيا فلا ترى مانعا من التصريح عن بنود اتفاق التهدئة بين الجانبين، إلا أن أمريكا أصرت على التكتم على محتوى الاتفاق بينهما. فقد أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف "لا يوجد مبرر لعدم الإفراج عن تفاصيل الاتفاق علنًا"، مشيرًا إلى أن إبقاء الاتفاق سريًا كان بناء على طلب من واشنطن.
وقد أثار التكتم على البنود حفيظة العديد من الجهات في (المجتمع الدولي) مثل وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك إيرولت الذي طالب الخميس الاطلاع على تفاصيل اتفاق التهدئة، داعيًا واشنطن "لإطلاع حلفائها على نص الاتفاق". وقد رد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، مارك تونر، بالقول إن "هناك بعض التفاصيل التنفيذية التي لها حساسية، ونحن نعتقد أنه لم يكن في مصلحة الاتفاق أو في مصلحة أحد الكشف عنها".تونر اعتبر أن "هناك بعض المفسدين الذين يرغبون في إفشال الصفقة ونحن ندرك ذلك، ولا يزال تقييمنا أننا لا نرغب في الكشف عن تفاصيل الاتفاق علنًا، ولكن إذا وصلنا إلى نقطة نعتقد أننا يمكننا إعلان التفاصيل فسنفعل".
فما هي هذه البنود الحساسة ولماذا لا تريد أمريكا الإفصاح عنها؟
الذي يبدو هو أن هذا الاتفاق هو اتفاق أمني عسكري بحت للقضاء على ثورة الشام؛ فلم يتطرق الاتفاق لمصير الأسد ولا للمرحلة الانتقالية ولا لأي هدف من أهداف الثورة.فقد خرج "ميخائيل بوغدانوف" نائب وزير الخارجية الروسي، صباح يوم الجمعة، ليعلن بشكل رسمي أن اتفاق موسكو وواشنطن حول سوريا لا يشمل مصير الأسد، أو المرحلة الانتقالية في سوريا...
ولذا فالاتفاق يبدو أنه عسكري أمني بامتياز هدفه إعادة فرز الفصائل العسكرية المعارضة وإعادة تصنيف العديد منها بين معتدل وغير معتدل لتضم إلى تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام من الفصائل التي ستقوم روسيا بدكها ومحاولة سحقها. ومن الواضح أن الاتفاق الأمريكي مع روسيا يهدف إلى ضرب الفصائل التي لا تسير في ركاب أمريكا، وفي هذا السياق قال أنس العبدة: "أعتقد أن وقف إطلاق النار مقبول لدى معظم الفصائل... يجب على جنودنا البقاء بعيدا عن النصرة خلال سبعة أيام لأنه سيتم استهدافها بشكل مشترك من قبل الأمريكان والروس".
ولذلك فإن اتفاق الهدنة الذي جاء به كيري هو ليس لإيقاف سفك الدماء كما زعم بل لتصفية الثورة وإراقة دماء الثوار والمسلمين والمعارضين الحقيقيين لنظام الأسد. فكل ما تريده أمريكا بالهدن هو إطالة عمر النظام بالاتفاق الأخير مع روسيا وتفتيت وتجزيء المجموعات المعارضة والثوار، الأمر الذي ييسر مهمة دي ميستورا في أمر المفاوضات مع النظام الأسدي والتنازل تلو التنازل عن أهداف الثورة وطموحاتها. وبهذا تختزل أمريكا الثورة السورية ومطالبها وأهدافها في مسألة طعام ومساعدات إنسانية كما قال كيري: (قضية حليب وطعام أفضل من لا شيء)!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا أرادت أمريكا التكتم على نتائج الاتفاق وأبقت بنوده سرية بينما لم يجد الروس ضيرا في التصريح عنه؟
إن الحقيقة هي أن كلا من أمريكا وروسيا تعملان لوأد الثورة السورية ولإبقاء نظام الأسد، إلا أن أمريكا لا تريد الكشف عن اللائحة الجديدة خشية أن تتوحد الفصائل جميعها مع بعضها ضد هذا التصنيف الجديد، مما يصعب الأمر على أمريكا مستقبليا في إيجاد بديل للأسد بين هذه الفصائل.
ينبغي على جميع الفصائل المقاومة أن تدرك الآن أنها جميعها مستهدفة عسكريا إذا كانت من الفصائل التي تم تصنيفها على أنها (إرهابية)، وسياسيا إذا كانت من الفصائل التي صنفت على أنها معتدلة. فدي ميستورا ينتظر أولئك المعتدلين ليجعلهم الواجهة المعتدلة للنظام الأمني الذي أسسته أمريكا في سوريا منذ عقود. إن على الفصائل المنهمكة إما في القتال فيما بينها أو في تنفيذ ما تطلبه تركيا أو ما تطلبه دول أخرى من إشعال بعض الجبهات أو تهدئة جبهات أخرى، إن عليها أن تعي أن الهدف بات واضحا وهو إزالة النظام الأمني الذي بنته أمريكا في سوريا، وأن هذا يجب أن يتم بمعزل عن الداعمين الإقليميين والدوليين.
رأيك في الموضوع