منذ أكثر من عام وإدارة الرئيس أوباما تضع الخطط العسكرية، وترسل المستشارين العسكريين، وتدرب الجيش العراقي، وتحشد الغرب والعالم، وترسل أحدث الأسلحة والطائرات والصواريخ، وتكدس العتاد، لخوض أهم معركة في التاريخ الحديث التي هي بمثابة إعلان الحرب العالمية الثالثة كما وصفها هنري كيسنجر قبل ثلاثة أعوام، فالمعركة ستشارك فيها جميع دول العالم، بحجة القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية". فقد عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في العراق بـ 400 عسكري آخر في الأيام الأخيرة ليرتفع عدد العسكريين الأمريكيين العاملين في العراق من 4 آلاف إلى 4460 حسب ما ذكره العقيد جون دوريان الناطق باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم في العراق الذي توقع أن تكون المعركة طويلة وصعبة، بينما تحدث مسؤولون عراقيون أنه تم تحضير ما بين ثماني إلى عشر كتائب من الجيش العراقي، أي حوالي 30 ألف جندي للمشاركة في الهجوم، بالإضافة إلى وحدات مدفعية فرنسية وصلت للمشاركة في الهجوم وستدعم مقاتلات من على حاملة الطائرات "تشارلز ديغول" أرض المعركة، وما صرح به الرئيس التركي أردوغان حينما قال بأن (تركيا جاهزة لخوض معركة الموصل على غرار معركة درع الفرات في سوريا)، بعد أن أعطت إدارة أوباما الضوء الأخضر له بالدخول إلى الأراضي السورية والعراقية فضلاً عن الحشد العشائري من أبناء الموصل والحشد الشعبي المليشياوي ناهيك عن الدعم الذي قدمته قوات التحالف الدولي لنحو 1500 إلى 2000 عنصر من البيشمركة والتي سمحت باسترجاع 12 قرية شرق الموصل، خلال 48 ساعة ما بين 14 و16 آب الماضي.
أما توقيت عملية الهجوم، فمعظم التقارير تشير إلى ما قبل نهاية السنة الحالية فقد ذكر الجنرال ستيفن تاونسند، القائد الجديد للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لصحيفة وول ستريت جورنال الأربعاء 14/9 إن معركة تحرير الموصل قد تنطلق الشهر المقبل. ولكن العقيد دوريان خفف مما ذهب إليه الجنرال تاونسند بقوله إن العراقيين هم الذين سيقررون توقيتات معركة الموصل. أما الجنرال جو فوتيل، قائد القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى، فقال الأسبوع الماضي إنه بإمكان القوات العراقية استعادة الموصل قبل نهاية السنة الحالية. بينما قال بين رودس، وهو من أرفع مساعدي الرئيس الأمريكي، إن أوباما سيلتقي بالعبادي في نيويورك يوم الاثنين المقبل 19/9/2016 وذكر"إنها فرصة للزعيمين لتدارس موضوع الحملة المناوئة لتنظيم الدولة الإسلامية وكذلك حملة تحرير الموصل".
إن تأخير عملية تحرير الموصل كان مقصودا من قبل إدارة الرئيس أوباما الذي سيودع مهزوما ومأزوما البيت الأبيض قريبا، بعد فشل إدارته في احتواء الثورة السورية، وظهور حركات ومنظمات إسلامية جديدة لا تقل خطورة عن تنظيم الدولة في سوريا حسب وجهة نظر الغرب، لذلك فأوباما وإدارته يحرقون الوقت لإحداث (هزة) عالمية تعيد الوعي للشارع الأمريكي وينتخب الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له، وهكذا نراه اليوم يتخبط في تصريحاته، ويعدل ويبدل كل فترة من سياساته الفاشلة في المنطقة، ويشرك معه روسيا وإيران، لكي يحقق إنجازا يشار إليه ولفترة رئاسته الطويلة، أوباما والحزب الديمقراطي اليوم أمام مفترق تاريخي عسير، بعد صعود نجم دونالد ترامب وتهديده لهيلاري كلينتون واكتساحه أصواتها في كل الولايات الأمريكية، لهذا نرى الإدارة الأمريكية تلوح للناخب الأمريكي وتوعده بانتصار تاريخي في معركة تاريخية مهمة جدا لأمريكا وسمعتها العالمية، ألا وهي معركة الموصل، التي يزعم ويخطط لها ويعول عليها، بالقضاء على تنظيم الدولة فيها نهائيا، لأنها ترى أن الموصل، هي عاصمة وعصب مركزي للتنظيم وخلافته المزعومة في العالم، وهكذا وضع البنتاغون خططا بنفسه لخوض معركة المصير في الموصل، فأنشأ قاعدة عسكرية قرب الموصل سماها القاعدة النارية للانطلاق منها، مع إرسال أحدث الأسلحة والأجهزة والمستشارين والصواريخ الليزرية والمدفعية النقطوية، وتحضيرات كبيرة من الفرق العسكرية العراقية، وبعض الوحدات العسكرية للنخبة الأمريكية، ونصب الأقمار الصناعية وفتح فضائية الحدباء خصيصا لمعركة الموصل، وبدأت الطائرات منذ أشهر بقصف وقتل أبرز قادة التنظيم في الموصل، وقطع الإمدادات بشكل كبير جدا وقطع الاتصالات والموارد وعزل المدينة، نهائيا عن العالم، وعليه فإن إدارة أوباما تعول وتخطط لتفجير مفاجأة كبرى (كما تزعم)، قبيل الانتخابات بأيام، ألا وهي معركة استعادة الموصل محاولة منها لكسب الانتخابات، ولا ندري كيف تستعيد مدينة كبرى بحجم الموصل، بأيام معدودة، وهي التي عجزت عن تحريرها بعامين بجيش وحشد عشائري ومليشياوي!! إلا إذا كان هناك في الأمر (إن)، ونقصد بالـ(إن)، أن ينسحب التنظيم من الموصل فورا وتحدث معركة صورية مثلما حدث في معركة تحرير مدينتي تكريت والأنبار.
أما مشاركة القوات التركية بعملية الهجوم فجاء بعد أن طرحت أمريكا موضوع إقامة منطقة آمنة أو محافظة جديدة للنصارى والمكونات العراقية الأخرى التي تعيش في سهل الموصل منذ قديم الأزمان. مما شجّع تركيا على الإعلان رسمياً عن القيام بعملية عسكرية في الموصل شبيهة بعملية درع الفرات في سوريا مؤخراً. مبررة ذلك باتفاقية الحدود بين العراق وتركيا عام 1926م، التي تدعي تركيا أنها منحتها حق حماية التركمان في العراق، خدمة لمصالحها القومية واستراتيجيتها السياسية والعسكرية في المنطقة، وإثبات دورها الحيوي فيها. في حين إن رئيس الإقليم مسعود بارزاني، الذي أعلن شروط مشاركة قوات البشمركة بـ(ضمان الشراكة السياسية في الإدارة وضمان حقوق الأقليات، وتنفيذ المادة 140، وحل قضية المناطق المتنازع عليها حسب المادة، مضيفا أن الأرض التي تتحرر بالدم، لا يمكن الانسحاب منها)، ولذلك فإن اللعبة الأمريكية القذرة في تحرير الموصل، لا يمكن أن تكون معركة نظيفة بقياساتها العسكرية، ولو بحدودها الدنيا، ولكن ستكون معركة تدميرية وأرضا محروقة كما تريدها وتخطط لها إدارة أوباما، لكي يفوز حزبه الديمقراطي برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ولدعم العبادي الذي امتعض كثيرا بسبب عدم تمكنه من إجراء إصلاحات للقضاء على الفساد، كل ذلك على حساب دماء أهل الموصل، لأن تصريحات إدارة أوباما والبنتاغون ترسل إشارة أكيدة لمعركة أخيرة في الموصل نهاية العام.
إن مما يؤسف له أن أوضاع المسلمين أصبح الكافر المستعمر هو الذي يتحكم بها، ولذلك نراه يستخدم الطائفية لتفرقة المسلمين والاقتتال فيما بينهم، وكل ذلك بسبب غياب الراعي المخلص للمسلمين الذي يرعى شؤونهم بكتاب الله وسنة رسوله، ولكن عقيدة الإسلام الراسخة في نفوس المسلمين ستطيح بأحلام الكافر المستعمر وعملائه ولو بعد حين، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
بقلم: علي البدري
رأيك في الموضوع