قام ملك الأردن عبد الله الثاني الأربعاء الماضي بزيارة خاطفة ومفاجئة للقاهرة استغرقت عدة ساعات، قام خلالها بعقد اجتماع مغلق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تلاه جلسة محادثات موسعة في حضور رئيسي وزراء البلدين وعدد من الوزراء ومسؤولي الديوان الملكي الأردني والوفد المرافق.
وقد صدر بيان رئاسي مصري وبيان صحفي آخر من إدارة الإعلام والاتصال في الديوان الملكي يلخصان طبيعة المحادثات والقضايا التي تطرق إليها الجانبان التي تتلخص في الإشارة لكل قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية والاتفاقيات بين الجانبين المصري والأردني، فقد ذكر بيان الرئاسة المصري أن الجانبين «اتفقا على تكثيف التنسيق والتشاور على مختلف المستويات السياسية والأمنية، خصوصاً في ضوء المواقف المتشابهة تجاه الأزمات الإقليمية، وتعزيز دور المؤسسات العربية كمدخل رئيس لمعالجة أزمات المنطقة». وأكدا «ضرورة تكاتف جهود المجتمع الدولي والدول العربية و(الإسلامية) للتعامل بكل حزم مع خطر الإرهاب والتطرف والتنظيمات الإرهابية».... الخ.
ويغلب على الظن أن ما جعل الأردن يطلب عقد هذه القمة وعلى وجه السرعة مسألتان مهمتان تخصانه وتتعلقان بدوره في المنطقة؛ الأولى تتعلق في الشام وفي التطورات الأخيرة والمتسارعة التي حصلت وخطط لها وكان الدور الأكبر والأخطر فيها لغرفة الموك في عمان، فقد أكد الجانبان «أهمية التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة ينهي المُعاناة الإنسانية للشعب السوري، ويحفظ وحدة الأراضي السورية وسلامتها، ويحول دون امتداد أعمال العنف و(الإرهاب) إلى دول الجوار السوري». مع ملاحظة أن النظام المصري في عهد السيسي وبصوت منخفض نسبيا يدعم ويساند نظام الإجرام في سوريا ويعارض أي تغيير لأنظمة الاستبداد والعمالة في المنطقة كونه جاء للحكم بعد أن ولغ في دماء أهل مصر قتلا وحرقا وتنكيلا.
والمسألة الثانية تتعلق بالتحركات المصرية الهادفة إلى إيجاد «حلحلة» في ملف القضية الفلسطينية ومساعي القاهرة لاستضافة مباحثات بين رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال الأسابيع المقبلة، وتوسيع هذه المباحثات لتشمل ملك الأردن.
وجاءت هذه الزيارة بعد زيارة سامح شكري لكيان يهود وبعد يومين من زيارة وفد من كيان يهود للقاهرة بحث مع مسؤولين استخباراتيين وأمنيين ودبلوماسيين مصريين سبل التنسيق الأمني والمعلوماتي بشأن الأوضاع في غزة وشمال شرق سيناء بالتزامن مع تجدد قصف كيان يهود على غزة، بالإضافة إلى بحث الاحتمالات المطروحة للقاء ثلاثي يجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس وزراء كيان يهود نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ووفقاً للمصادر، فإن وفد كيان يهود المكون من ثلاثة أفراد أجرى اجتماعين؛ الأول أمني مع عدد من المسؤولين رفيعي المستوى يتقدمهم رئيس الاستخبارات المصرية اللواء خالد فوزي، والثاني دبلوماسي - سياسي مع عدد من قيادات وزارة الخارجية، ثم غادر الوفد مباشرة عائداً إلى كيان يهود.
وفي الشق السياسي من الاجتماع جرى بحث المبادرة التي أطلقها السيسي لاستئناف محادثات السلام بين السلطة وكيان يهود. وركز وفد كيان يهود على أهمية "تكثيف الاتصالات المصرية لجمع الفرقاء الفلسطينيين" بحجة أن حكومة نتنياهو "قلقة ومتشككة في إمكانية إحراز أي تقدم على هذا الصعيد دون توحيد القيادة الفلسطينية، والقضاء على حكومة حماس في غزة". وقد أطلع الرئيس المصري الملك الأردني على نتائج تفصيلية لزيارة وزير الخارجية سامح شكري لكيان يهود، بجانب نتائج الاتصالات المكثفة التي جرت خلال الشهور الماضية على مستويات عدة مع كيان يهود، أمنياً واقتصادياً. وشرح له أنه برغم «وجود أصوات متطرفة بالحكومة (الإسرائيلية)، فإن بنيامين نتنياهو لديه رغبة في إتمام عملية السلام والشروع فيها بجدية»، مضيفاً: «هذه الظروف يجب استغلالها بالصورة الأمثل للوصول إلى حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية، على أن تكون عاصمتها القدس الشرقية».
هذه التحركات الدبلوماسية في القاهرة شكلت ضغطا على زعيم السلطة الفلسطينية أبي مازن في موضوع رأب الصدع في حركة فتح خاصة وأن خيوط عملية ما يسمى بالمصالحة الفلسطينية حصرا بيد القاهرة وأجهزة المخابرات المصرية تحديداً، وأن محمد دحلان القيادي المفصول من الحركة والمدعوم بقوة من الإمارات ومصر يطمع لخلافة أبي مازن في قيادة الحركة، ولذلك أعرب السيسي وعبد الله الثاني عن «تقديرهما للرئيس الفلسطيني محمود عباس لاستجابته لدعوة لم الشمل الفلسطيني، وإصدار اللجنة المركزية لحركة فتح بياناً لتأكيد دعوتها إلى إعادة أبنائها تحت مظلة الحركة بما يخدم القضية الفلسطينية والوضع الداخلي الفلسطيني في شكل عام، خصوصاً في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها القضية الفلسطينية في الوقت الراهن وتتطلب وحدة الصف ودعم القوى المعتدلة لمواجهة (الإرهاب) الذي يعاني منه العالم أجمع».
ويبدو أن أهم غاية وهدف لهذه القمة المفاجئة هو تنسيق وتحديد الأدوار المنوطة بالنظامين المصري والأردني؛ فمصر السيسي تطرح مشروعا لحلحلة القضية وتدعو لمؤتمر إقليمي (تفضله أمريكا) يمكن لاحقا أن يضم قوى دولية كأمريكا وفرنسا، وفي المقابل المبادرة الفرنسية (يدعمها الاتحاد الأوروبي) التي تدعو لمؤتمر دولي وبرقابة دولية لمراحل المفاوضات، وهذا توافق عليه السلطة وذاك يحبذه كيان يهود، والأردن يريد أن يحافظ على موقعه ودوره الحالي والمستقبلي في أي حل قادم. مع أن الحقيقة التي بات الجميع يعرفها أن كيان يهود غير مهتم أصلاً (بحلحلة) القضية، ويفضل الوضع الراهن أن يستمر أطول فترة ممكنة بينه وبين أهل فلسطين، وهو يتخذ من هذه التحركات الدبلوماسية وسيلة للتغلغل بشكل مباشر في بلاد المسلمين ويسعى لعقد اتفاقيات سلام ثنائية ومباشرة مع كل الدول العربية وبعدها الدول القائمة في البلاد الإسلامية ظنا منه أن هذا هو الطريق لسلامته وبقائه، مع علمنا وقناعتنا أن جميع أو معظم الأنظمة في البلاد العربية تتواصل سرا مع هذا الكيان المسخ، وتنتظر الفرصة المواتية سياسيا للتطبيع مع هذا الكيان وعقد اتفاقيات (سلام) مباشرة معه، على النقيض تماما من أبناء الأمة الإسلامية التي تحكمها هذه الأنظمة؛ فأبناء الأمة يرفضون تماما أي شكل لأي علاقة مع هذا الكيان بل وينتظرون يوم اللقاء، يوم المواجهة، وتحت قيادة خليفة المسلمين وراية لا إله إلا الله، ليطهروا أرض الإسراء والمعراج من رجس يهود وأعوانهم وإن ذلك لقريب بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع