(مترجم)
قام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يوم الاثنين بزيارة تمتد ليوم واحد في 22 آب/أغسطس إلى كينيا حيث التقى كبار المسؤولين الحكوميين بمن فيهم الرئيس أوهورو كينياتا. وقد ركزت زيارته إلى كينيا على العديد من القضايا ولكنها تناولت بشكل رئيسي قضايا مكافحة (الإرهاب) وعملية السلام في جنوب السودان والتحول السياسي في الصومال. وقد تعهد كيري بدعم إدارته الانتخابات الكينية العامة القادمة بحوالي 25 مليون دولار. والتقى في نيجيريا بالرئيس الحالي محمد بخاري لمناقشة التعاون في الحرب ضد مسلحي بوكو حرام والاقتصاد النيجيري وقضايا حقوق الإنسان. وذكرت وكالة الأنباء النيجيرية (نان) أن كيري قام بزيارة على سبيل المجاملة لسلطان سوكوتو الحاج سعد أبو بكر وقد أشاد بجهوده من أجل تعزيز التسامح الديني والتفاهم بين أهل نيجيريا.
وتعتبر هذه الزيارة هي الثانية لأحد كبار المسؤولين الأمريكيين لكلا البلدين. ففي شهر أيار/مايو من العام الماضي 2015، زار كيري كلا البلدين لمناقشة بعض القضايا التي جرى نقاشها أيضًا في زيارته الأخيرة.
ومن المعروف جيدًا أن أوهورو كينياتا من الموالين للاستعمار البريطاني الذي كان يحتل كينيا. ومع ذلك، فإن أمريكا تملك بعض النفوذ في الطبقة السياسية الكينية والتي تقوم بخدمة مصالحها. وقد قامت أمريكا بتحضير رايلا أودينغا للوصول إلى السلطة مرتين في عام 2007 وفي عام 2013 لكنه خسر الانتخابات فيهما. وقد تشكلت حكومة الائتلاف على أثر فوضى الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في عام 2007 بعد التوصل إلى حل وسط بين الرئيس السابق كيباكي ورايلا. وقد استغلت بريطانيا حكومة الائتلاف واتخذتها فرصة لخداع رايلا وقامت بخطوة استباقية لتدميره سياسيًا. وقد تم ذلك من خلال المحكمة الجنائية الدولية التي اتهمت أوهورو وروتو بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وقد وصلامن خلال مجموعات انتخابية رئيسية وهما المحافظة المركزية ومحافظة ريفت فالي. وقد نجحت خطتهم لأنها قد ضمنت فوز كينياتا في الانتخابات الماضية. وفي لقاء مع قادة المعارضة لتحالف رايلا (التحالف من أجل الإصلاحات والديمقراطية)، قام كيري بإيصال رسالة أوباما التي حثتهم على العمل مع الحكومة لتجنب تكرار أعمال العنف في عام 2017. ويمكن الآن ملاحظة أن أمريكا ليس لديها أي بديل عن رايلا ولذلك فقد قررت العمل مع القيادة الحالية.
أما بالنسبة لقيام كيري بإجراء مباحثات تتعلق بجنوب السودان خلال زيارته لكينيا، فإنها تعد مؤشرًا على الدور الكبير الذي لعبته لإنجاح المؤامرة الأمريكية الشريرة لتقسيم السودان. وقد استضافت كينيا عدة محادثات مثل بروتوكول ماشاكوس في عام 2002 واتفاق نيفاشا للسلام الشامل في عام 2005. وقد كانت هذه المباحثات خطوات سبقت فصل جنوب السودان التي أعلنت "استقلالها" قبل خمس سنوات. وأمريكا هي التي بدأت محادثات الاستقلال المزعوم لجنوب السودان من خلال عميلها جون قرنق، الزعيم السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان. أما بريطانيا فقد قامت بإعداد رياك مشار واستغلاله لتحقيق مصالحها. وتريد أمريكا مواصلة دعم سلفا كير في الصراع الحالي في جنوب السودان من خلال الهيئات الإقليمية مثل الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد". وتجدر الإشارة إلى أن التنافس بين كير ومشار ناتج عن صراع المصالح بين القوى الخارجية أي أمريكا وبريطانيا وهما اللاعبان الرئيسيان في أزمة جنوب السودان.
أما فيما يتعلق بالوضع السياسي في الصومال، فمن الواضح أن لدى أمريكا مصلحة كبرى في هذه البلاد الإسلامية. فالصومال يحتل موقعًا استراتيجيًا مهمًا على طول المحيط الهندي وهو يملك أطول ساحل في أفريقيا. فالساحل الأول يمتد على طول المحيط الهندي إلى الشرق، والآخر يمتد على الجانب الشمالي على طول خليج عدن نحو البحر الأحمر، والبلاد غنية جدًا بالموارد الطبيعة والنفط، وهذه الموارد هي التي تجعل أمريكا متلهفة جدًا لمناقشة قضية الصومال. ومن المعروف أنه من المقرر أن تجري الانتخابات العامة في البلاد في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام. والنظام الحالي في الصومال الذي يقوده حسن شيخ محمود هو مشروع أمريكي وتريد أمريكا أن تتأكد من أن الحكومة القادمة ستعمل بشكل جدي لتحقيق مصالحها. ومن المعروف جيدًا أن أمريكا تدخلت في الصومال تحت ستار محاربة حركة الشباب وقبل ذلك تدخلت تحت ستار قتال اتحاد المحاكم الإسلامية.
وأما بالنسبة لنيجيريا فهي مثل كينيا، فمحمد بخاري هو عميل بريطاني محض، والانتخابات التي جرت في العام الماضي بينت أن جودلاك جوناثان العميل الأمريكي قد تسبب ببعض القلق لأمريكا، ولكن بما أن نيجيريا تملك ثروات هائلة من المعادن والنفط الذي ما زالت أمريكا تتوق له، فإن إدارة أوباما تستخدم الحرب ضد بوكو حرام والانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان والفساد الكبير داخل الطبقة السياسية في نيجيريا كذريعة لنهب مواردها.
أما بالنسبة لمحادثات كيري حول الأمن والحرب على (الإرهاب) فإن ذلك لبناء الرأي العام والحفاظ عليه حول ما يسمى (الإرهاب) على الصعيد العالمي. والحرب على (الإرهاب) هي حملة أمريكية مدروسة لربط الإسلام بسفك الدماء وذلك لمقاومة ظهور قوة عظمى في العالم ودولة تمثل الرحمة للبشرية. وأما حث المسلمين على تشجيع "التسامح الديني" فهو مؤامرة لتمييع الإسلام على الصعيد العالمي.
إن مطالبة الحكومات الأفريقية بدعم ما يسمى الحرب على (الإرهاب) يأتي ضمن السياق نفسه، فهو محاولة أمريكية جديدة لإقامة قواعد عسكرية لا توفر فقط الخدمات اللوجستية للجنود الأفريقيين، وإنما هي أيضًا لحماية شركاتها متعددة الجنسيات التي تنهب باستمرار الموارد الطبيعية الأفريقية. وينبغي أن يفهم بوضوح أنه خلال الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفييتي على الموارد الأفريقية الوفيرة، قامت أمريكا وبالتعاون مع أوروبا بنشر فكرة أن القضاء على انعدام الأمن والفقر والأمراض في أفريقيا يجب أن يتم من خلال ديمقراطية متعددة الأحزاب!
ومن هنا يتضح أن زيارة كيري هي زيارة "براغماتية واقعية" لا يوجد خلفها أي دافع سوى حماية السياسات الأمريكية الاستعمارية الشريرة. ونستطيع أن نستنتج بشكل قاطع من خلال دراسة العوامل الرئيسية للمشاكل المزمنة التي تعاني منها أفريقيا أن هذه الأزمات مرتبطة بغياب النظام السياسي الإسلامي؛ دولة الخلافة على منهاج النبوة. فدولة الخلافة هي وحدها القادرة على علاج كافة المشاكل التي تعاني منها القارة الأفريقية بشكل تام وشامل.
رأيك في الموضوع