تعيش تونس منذ ثلاثة أسابيع أحداثاً دامية في بن قردان حيث انطلقت بمحاولة مجموعات إرهابية مسلحة تنفيذ هجمات متزامنة على ثكنة للجيش ومركزين للأمن، ثم تطورت إلى مواجهات بين قوات الأمن والجيش مع هذه المجموعات. وأسفر هذا عن سقوط ضحايا في صفوف الأمنيين والعسكريين والمدنيين.
وأفادت جريدة «الشروق» التونسية، يوم السبت الماضي، بأن الإرهابيين الذين قبض عليهم في بن قردان من قبل وحدات الأمن كانوا سيستهدفون معبر رأس إجدير «حتى يسمحوا لبقية العناصر الإرهابية المتواجدة في التراب الليبي بالتسلل إلى تونس لتنفيذ مخططاتهم الإرهابية ضد مقار أمنية وعسكرية حدودية».وأشارت إلى أن المجموعات التي نفذت العملية الإرهابية ضد مدينة بن قردان كانت تخطط أيضًا لإرسال مجموعة تتكون من عشرة إرهابيين لاستهداف مركز حدودي تابع للحرس الوطني، ولكن تصدي وحدات عسكرية لهم عند مدخل المدينة أفشل مخططهم وجعلهم يتراجعون للخلف ويحاولون الفرار قبل أن يتم قتلهم من قبل أمنيين وعسكريين.
تأتي هذه الأحداث في ظل تصاعد وتيرة الحديث على التدخل العسكري في ليبيا، فقد صرح مسؤول فرنسي قائلاً: «يوجد قلق عام بشأن تأثير الأزمة في ليبيا على تونس. بعد تكرار الهجمات نرى الصلة الليبية حيث نرى تونسيين في ليبيا يتحولون إلى مهاجمة تونس. الوصول سهل جدًّا». والمعلوم أن التدخل العسكري في ليبيا يقتضي توفير مناطق عسكرية أو استخباراتية أو مدد لوجستي من طرف الدول المجاورة وبالأساس تونس حتى يتيسر للغرب التدخل العسكري في ليبيا بأقل التكاليف. وكانت تونس قد أعلنت عن رفضها للتدخل العسكري ودعمها للحل السياسي.
وقد ورد في جريدة الشروق التونسية بخصوص "توقعات بتدخل أمريكي وشيك في ليبيا" في 08 حزيران/يونيو 2015 قائلة: "يبقى السؤال المطروح بإلحاح في تونس يتعلق بإمكانيات البلاد في الدفاع عن نفسها إذا تم إقرار التدخل العسكري في ليبيا حيث يتوقع أن تسعى الجماعات المسلحة إلى الاعتماد على دول الجوار للاحتماء بها... وفي هذه الحالة يرى جل المراقبين أنه ليس أمام تونس إلا تفعيل اتفاقياتها العسكرية التي أبرمتها مع بعض الدول وآخرها اتفاق الشريك غير العضو مع الحلف الأطلسي". وبالفعل بقي هذا الأمر يتراوح بين أمريكا التي تسعى جاهدة للتواجد العسكري في تونس فهي تسعى لإظهار تونس غير قادرة على حماية نفسها، وبين الأوروبيين وبريطانيا التي تريد أن تمنع قدر الإمكان التواجد الأمريكي في شمال أفريقيا. وهذا ما يفسر تعليق جريدة الأيام الجزائرية على عملية القصف الأمريكي التي حدثت في صبراتة: "ويبدو أن إقدام أمريكا على انتقاء الإرهابي «نور الدين شوشان»، لقتله بغارة جوية، إنما الغاية منه إرسال هدية للحكومة المترنحة في تونس، حتى تتحمس وتؤيد التدخل الأمريكي في الجارة ليبيا".
وهكذا فإن تونس حاولت إبراز أنها قادرة بمفردها على حماية البلد دون تدخل أجنبي (وهي كذلك بالفعل فشأن المجموعات الإجراميّة هيّن ورجال تونس قادرون على ردعهم بل قطع دابرهم) وهذا ما يفسر تصريح الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع التونسية المقدم بلحسن الوسلاتي "على أنه لم يتدخل في المعارك أي أجنبي سواء أكان ذلك في الميدان أو بالنصح، موضحًا أن تواجد العسكريين والخبراء الأجانب الحالي في تونس يدخل في إطار تدريبات محدّدة لا غير، وليسوا مقيمين في منطقة بن قردان". ومن جهته نفى رئيس الحكومة حبيب الصيد مشاركة عسكريين أجانب في العملية الأمنية التي شهدتها مدينة بن قردان، قائلاً: «إن ما ذكر ليس صحيحًا بالمرة ومَن دافع عن المدينة وعن تونس هم تونسيون». وكانت صحيفة «ذي ميرور» البريطانية قد ذكرت أن خبراء من القوات المسلحة البريطانية كانوا يساعدون القوات التونسية من خلال تقديم نصائح في التخطيط، واتخاذ إجراءات «تكتيكية» لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي.
وفي سياق متصل أعلنت وزارة الشؤون الدينية الخميس 16 آذار/مارس 2016 عن حملة تحت شعار «غدوة خير» وتستمر سنة كاملة، لمقاومة الفكر الديني المتطرف الذي «غزا» شباب البلاد.
وأشار محمد خليل وزير الشؤون الدينية إلى أن حملة وزارته ستركز بالخصوص على التواصل عبر الإنترنت مع هذه الفئة، وأنه سيتم ضمن الحملة إطلاق «بوابة إلكترونية لنشر القيم الإسلامية الصحيحة باعتماد المنهج الزيتوني المعتدل» في إشارة إلى منهج علماء جامع الزيتونة التونسي الشهير، و«موقع إلكتروني متطور ومرتبط بمختلف المواقع الإلكترونية، للتفاعل والمواكبة» بالإضافة إلى «إرساء مركز نداء للإنصات والإجابة عن تساؤلات الشباب حول قضايا الإسلام».
ويبقى السؤال هنا: هل سيتم التطرق إلى بعض مقالات العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور من مثل "الخلافة منصب ديني عظيم وهو من أركان الإسلام" و"لا انفكاك بين الدين والحكومة في الإسلام" و"الخلافة بمعناها الحقيقي هي ركن ديني بل هو الحافظ على أركان الدين كلها"...؟
رأيك في الموضوع