لم تكن الحرب بين علي صالح "رأس النظام الحاكم السابق في اليمن" والحوثيين عبثية، بل كانت حرباً دافع فيها علي صالح عن نفوذ بريطانيا السياسي في اليمن في وجه نفوذ أمريكا السياسي الذي يتدثر برداء الحوثيين، ولم يكن من المصادفة أن تمد إيران المرتبطة ارتباطاً عضوياً بأمريكا منذ مجيء الخميني إلى الحكم وحتى اللحظة، أن تمد الحوثيين بالعون العسكري المتمثل بالأسلحة من الجزر الأرتيرية التي استأجرتها قبالة سواحل اليمن الشمالية الغربية على البحر الأحمر، وبضباط الحرس الثوري الإيراني ومن هم على شاكلتهم لتدريب الحوثيين على فنون حروب يجهلونها وهم مقدمون عليها، وحين كان يتعسر على إيران إيصال الأسلحة للحوثيين عن طريق سواحل البحر الأحمر كانت تستخدم على حين غرة سواحل البحر العربي لإيصالها إليهم عبر أبين وشبوة فالجوف وصولاً إلى صعده، وما إمساك سفينتي جيهان1 وجيهان2 المحملتين بالأسلحة للحوثيين في زمان حكم علي صالح إلا نتيجة لذلك الفعل الإيراني. كما أن حملة منع حمل الأسلحة في اليمن أيام السفير الأمريكي لدى اليمن إدموند هول أتت في إطار خدمة التوسع الحوثي في شمال اليمن.
وحين أدركت بريطانيا أن أمريكا تعمل على إخراج علي صالح من الحكم وإفساح الطريق أمام الحوثيين بإشراكهم في الحكم بدءًا بزيارة جمال بن عمر لعبد الملك الحوثي بصعده في تشرين الثاني/نوفمبر 2011م، ثم إشراكهم في مؤتمر الحوار في آذار/مارس 2012م بنسبة أكبر من حجمهم، قام المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" الذي تقع اليمن في نطاقه بوضع سيناريوهاته المحتملة عن اليمن في ورشاته السياسية التي باشرت أعمالها في نيسان/أبريل 2012م لمواجهة مخططات أمريكا في اليمن.
وما إن بدأ جمال بن عمر تمهيد الطريق لوصول الحوثيين بقوة السلاح إلى صنعاء بفكرة حيادية الجيش في المعارك التي كان يشنها الحوثيون ليزيلوا العوائق أمامهم ويتقدموا من صعده باتجاه مدينة خمر معقل عبد الله بن حسين الأحمر وعمران معقل حميد القشيبش وصولاً إلى صنعاء، حتى كانت بريطانيا تضع سيناريوهات تشاتم هاوس موضع التطبيق بتقسيم عملائها في اليمن إلى فريقين؛ علي صالح وحزبه والحرس الجمهوري إلى جانب الحوثيين، وفريق عبد ربه والحكومة والجيش في مواجهتهم كي لا تخسر اليمن بضربة واحدة على طريقة عدم وضع كل البيض في سلة واحدة. وهذا ما يعانيه الحوثيون اليوم بصمت من أن علي صالح وحزبه يشاركونهم بالمناصفة جميع مكتسباتهم حتى وفد مؤتمرات جنيف فهو بالمناصفة، في الوقت الذي سيحصل فريق عبد ربه في الجهة المقابلة على نصيب، فتكون بريطانيا قد أحبطت مسألة سيطرة الحوثيين الكاملة على حكم اليمن وإخراج نفوذها السياسي نظير بسط أمريكا نفوذها السياسي في اليمن عن طريق الحوثيين.
ومع أن علي صالح يقف إلى جانب الحوثيين إلا أنه أنكر عليهم تسمية دخولهم صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر 2014م ثورة ورفض عرضهم لحزبه في 2 أيلول/سبتمبر 2015م بالمشاركة في تشكيل حكومة معهم، وطالبهم بإلغاء إعلانهم الدستوري المعلن في 5 شباط/فبراير 2015م وإعادة الاعتبار لمؤسسات النظام الذي يصب في مصلحة حزبه حيث لديه أغلبية في مجلس النواب فيما ليس للحوثي فيه مكان.
وحين ضغط الحوثيون بعد توقيع اتفاق السلم والشراكة الذي أداره جمال بن عمر يوم دخولهم صنعاء في 21 أيلول/سبتمبر 2014م للحصول على المزيد من السلطات عبر مطالبة عبد ربه بإصدار المزيد من القرارات لصالحهم، كانت خطة بريطانيا تقضي بتقديم بحاح وهادي استقالاتهما لإعاقة الحوثيين من الحصول على المزيد من المكاسب في الحكم، ووضعهم أمام معضلة كبيرة لا يزالون يعانون منها حتى اليوم. وساعد عملاء بريطانيا عبد ربه على الهرب من صنعاء إلى عدن، وضباط مخابراتها في تحديد موقعه في المهرة وإيصاله بالهليوكبتر إلى عمان ومنها إلى السعودية.
حين وصل الحوثيون إلى عدن في منتصف العام 2015م ومدوا أيديهم للحراك الجنوبي الأمريكي "فريق التصالح والتسامح" بقيادة علي ناصر محمد، أصدرت بريطانيا أوامرها للقوات الإماراتية المتفوقة بالسلاح والعتاد باجتياح عدن وطرد الحوثيين منها بتنسيق مع قوات الحرس الجمهوري التي انسحبت من مواقعها في عدن.
بريطانيا هي من يقف وراء عرقلة مؤتمرات جنيف التي دأبت أمريكا على الدعوة لعقدها بلسان بان كي مون منذ نيسان/أبريل 2015م "لأنها تمنح الحوثيين الاعتراف بهم"، وكان آخر تلك العراقيل رفض علي صالح يوم 27 كانون أول/ديسمبر 2015م الذهاب إلى جنيف3 الذي كان من المقرر عقده في 14 كانون الثاني/يناير 2016م ودعوته روسيا لتولي الحوار إلى جانب الأمم المتحدة لولا أن الخارجية الروسية اعتذرت يوم 31 كانون أول/يناير 2015م عن ذلك.
إن بريطانيا هي العدو الحقيقي للحوثيين وليس أمريكا التي يرفعون شعار الموت لها ثم يخدمونها على طريقة النظام الحاكم في إيران حين رفع شعار "الموت لأمريكا" على مدى 30 عاما وأزاله أخيراً دون أن يقتل أمريكيا واحدا وخدمها بفتح سمائه لطائراتها لضرب واحتلال أفغانستان وشاركها برياً بمخابراته ورجاله في احتلالها للعراق وأخيرا انصياعه بتعطيل برنامجه النووي ونقله اليورانيوم لتخصيبه خارج أراضيه ونزعه قلب مفاعل أراك النووي وصبه بالإسمنت.
إن المسلمين في اليمن لا يريدون استبدال النفوذ الأمريكي بالنفوذ البريطاني، بل يريدون استئصال النفوذين البريطاني والأمريكي المتصارعين على يمن الإيمان والحكمة واستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة التي يعمل حزب التحرير لإقامتها، فهي وحدها القادرة على ذلك ولا تستطيع كيانات هزيلة مرتبطة بطرفي الصراع من فعل ذلك.
المهندس شفيق خميس - اليمن
رأيك في الموضوع