أعلنت القيادة الأمريكية العسكرية في القارة الأفريقية (أفريكوم) ومركزها مدينة شتوتغارت الألمانية، خطةً من 5 سنوات، وأشارت الخطة التي نشرت «أفريكوم» ملخصاً عنها على موقعها الإلكتروني، إلى تحرك مدته 5 سنوات في خمسة خطوط من الجهود، الأول هو تحييد حركة الشباب في الصومال (والتي وصفها بالجماعة الإرهابية) ونقل هذا الجهد من قيادة بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال إلى جهة تكون فيها الحكومة الصومالية هي من تؤمن أراضيها"، والخط الثاني يتمحور حول الدولة الفاشلة في ليبيا، وأضاف مسئولون بأن "الجهود ستركز على احتواء عدم الاستقرار في ليبيا" والثالث هو كبح بوكو حرام في غرب أفريقيا، والرابع تعطيل النشاط غير المشروع في خليج غينيا ووسط أفريقيا، والخامس تعزيز "قدرات الشركاء في القارة لحفظ السلام ومواجهة الكوارث".
وقد علق مسئول رسمي في أفريكوم بأن "هذا عمل كبير لقيادة صغيرة" مشيرا إلى أن "الموقع الدائم الوحيد لنا هو في قاعدة ليمونير في جيبوتي" "وأي شيء آخر ليس له إلا بصمة ضعيفة".
وتدل خطة العمل هذه على عزم أمريكا تركيز جهودها في الأعوام القادمة، لتوسيع نفوذها في أفريقيا، فبالرغم من النشاط المحموم لأمريكا خلال العقدين الفائتين لمزاحمة أوروبا المستعمر القديم لأفريقيا، إلا أن النفوذ الأوروبي (البريطاني والفرنسي) استطاع استعادة فاعليته وبقيت له قدم راسخة في أفريقيا وذلك لنفوذه المتجذر وتغلغله في الأوساط السياسية بشكل كبير.
والقيادة العسكرية في القارة الأفريقية (أفريكوم) أنشئت في عام 2007 وباشرت عملها عام 2008 وتم تعيين الجنرال وليام وارد كأول رئيس للقيادة العسكرية الأمريكية الجديدة، ينوب عنه نائب مدني بدرجة سفير من وزارة الخارجية، وهذا الازدواج في العمل بين قائد عسكري ونائب دبلوماسي، يدل على الطبيعة الخاصة لمهمة (أفريكوم) فهي مهمة سياسية بالمطرقة العسكرية.
وقد رافق إنشاء أفريكوم نشاط دبلوماسي أمريكي محموم في أفريقيا، فقد قام الجنرال ويليام وارد قائد أفريكوم بزيارة 30 دولة أفريقية ضمن جولة واحدة خلال شهر شباط/فبراير 2008، وبالرغم من هذا النشاط المحموم فقد رفضت الدول الأفريقية التي كانت محط نظر أمريكا لتكون مقرا دائما لأفريكوم كدول شمال أفريقيا والدول المتاخمة للصحراء الكبرى رفضت قطعيا نصب قواعد عسكرية على أرضها أو على أي أرض أفريقية، وعلى الرغم من إمكانية أن تختار أمريكا دولة من الدول التابعة لها في أفريقيا وتبني فيها مقرا للقيادة، إلا أنها آثرت أن تجعل مقر القيادة العسكرية لأفريقيا خارج أفريقيا وفي شتوتغارت في ألمانيا وتجعله مقرا مؤقتا للقيادة، وكونه مقرا مؤقتا يعني أنها تسعى لإنشاء مقر دائم في مكان محدد تعذر عليها حتى الآن النفاذ إليه.
وقد ورد في تعليقات أحد مسئولي أفريكوم على الخطة قوله "القيادة (يقصد أفريكوم) لديها مواقع تعاون أمني وطوارئ في جميع أنحاء القارة، ولكنها بشكل أساسي "قواعد باردة" والتي من شأنها أن لا تستخدم إلا في حال حدوث طارئ"، فهذه الملاحظات الجانبية من مسئولي أفريكوم والتي تتعلق بضخامة العمل والإشارة إلى عدم وجود قاعدة دائمة، يدل على أن أمريكا تسعى في المرحلة القادمة لتثبيت أقدامها في أفريقيا، وبناء قاعدة مركزية في دول شمال أفريقيا ودول الصحراء.
ولعلها ترى الآن أن الفرصة أصبحت متاحة لها أكثر مما مضى، فقد استطاعت النفاذ إلى ليبيا ومزاحمة أوروبا من خلال عميلها خليفة حفتر، وهي وإن لم تستطع حسم الأمر في ليبيا لصالحها في ظل تجذر النفوذ الأوروبي هناك إلا أنها استطاعت فرض عميلها حتى الآن، وقد أعلن مسؤولون أمريكيون في 17/12/2015 "أن عناصر في القوات الخاصة الأمريكية وصلوا الاثنين إلى قاعدة جوية ليبية لكنهم ما لبثوا أن عادوا أدراجهم من دون أية مشاكل بعدما طلبت منهم ميلشيا محلية الرحيل..." وأضاف مسئول أمريكي "أن هؤلاء الجنود أُرسلوا إلى ليبيا "بموافقة مسؤولين ليبيين" من أجل "تطوير العلاقات وتعزيز التواصل مع نظرائهم في الجيش الوطني الليبي". ولكن ما إن وصلوا إلى القاعدة الجوية حتى "طلب منهم أفراد في ميليشيا محلية المغادرة" وأكد المسئول العسكري الأمريكي أنها "ليست المرة الأولى" التي يقوم فيها جنود أمريكيون بمثل هذه الزيارة إلى ليبيا، رافضا الغوص في مزيد من التفاصيل." (ميدل إيست أون لاين 18/12/2015).
وهذا يعني أن أمريكا عندما تتحدث عن "احتواء عدم الاستقرار في ليبيا" فهذا يعني أنها تجهز للقيام بعمل عسكري في ليبيا، بدعوى محاربة الإرهاب، ولكن لا يعني ذلك دخولها بجنودها في حرب مباشرة، لأن أمريكا ونتيجة تجربتها في أفغانستان والعراق، أصبحت تنأى بنفسها عن شن الحروب المباشرة وتعتمد على العملاء ووكلاء الحروب القذرة.
ولا تتوقف أنظار أمريكا عند ليبيا، فالجزائر في مركز أطماع أمريكا ومخططاتها، والحالة التي تمر فيها الجزائر من حيث أزمة السلطة بيئة خصبة لأمريكا لاستغلال ضعف الرئيس القادم لتمرير مخططات تخترق بها النفوذ المحكم لأوروبا في الجزائر، وكذلك في تونس، وبقية البلدان.
أما لماذا أفريقيا؟
إن أفريقيا تمتلك ما يقدر بحوالي 12% من احتياطي النفط في العالم، 124 مليار برميل تقريبا، بالإضافة إلى 100 مليار برميل على شواطئ القارة من مخزون لم يتم اكتشافه بعد، كما تمتلك القارة احتياطات تصل إلى ثلث إجمالي احتياطات العالم من اليورانيوم. وتنتج أكثر من 18% من إجمالي الإنتاج العالمي لليورانيوم.
وتمتلك أفريقيا حوالي 50% من إجمالي احتياطات العالم من الذهب، وتنتج ما نسبته 25% من الإنتاج العالمي من الذهب. وتنتج أفريقيا 80% من إجمالي البلاتين المنتج حول العالم، كما تنتج 27% من إجمالي كمية الكوبالت المنتجة حول العالم، وإنتاجها من الماس يقارب 40% من إجمالي الألماس عبر العالم، وتمتلك احتياطات تقدر بحوالي 90% للكوبالت، و90% للبلاتين، و95% للكروم، و64% للمنجنيز. ناهيك عن العديد من المعادن والثروات الكثيرة الأخرى. هذا بالإضافة للموقع الاستراتيجي الذي تحتله هذه القارة.
وقد وصفت بلدان جنوب الصحراء الأفريقية في وثيقة صادرة عن البيت الأبيض في 2012 بعنوان استراتيجية الولايات المتحدة تجاه بلدان جنوب الصحراء الأفريقية بأنها "أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة لأمن وازدهار المجتمع الدولي بشكل عام، والولايات المتحدة على وجه الخصوص".
بالإضافة إلى أن أمريكا تعمل على محاربة الإسلام أيضا بدعوى محاربة ما تسميه بالإرهاب، وذلك لأنها ترى في الإسلام خطرا حقيقيا على مصالحها الاستعمارية في العالم، بالإضافة لما يشكله ميل سكان أفريقيا وبخاصة الشمال الأفريقي نحو الإسلام كنظام حكم. فهي تحارب الإسلام فعلا بدعوى محاربة الإرهاب وتتخذ من محاربة ما تسميه الإرهاب لمد نفوذها في أفريقيا لتحل محل المستعمر الأوروبي القديم.
إن أمريكا وبقية دول الغرب الكافر المستعمر لن يوقف نهمها الاستعماري، وتغولها على ثروات العالم كله بما فيه أفريقيا إلا دولة واحدة ونظام واحد لا غير، دولة تقوم على أساس العقيدة الإسلامية وتتخذ من الإسلام قضية مصيرية لها، وتحمله للعالم كله مشعل نور وهداية من ظلام وظلم الرأسمالية الجشعة، وهذا لا يمكن أن يتمثل بغير دولة الخلافة على منهاج النبوة، وبدونها ستبقى البشرية جمعاء تعاني من جشع الاستعمار وظلم الرأسمالية.
رأيك في الموضوع