تعود العلاقات السعودية التركية إلى ما قبل سقوط دولة الخلافة العثمانية حيث ثار آل سعود مرات عديدة على دولة الخلافة، وبعد إلغاء نظام الخلافة وهدم دولة الخلافة العثمانية على يد المجرم مصطفى كمال عميل الإنجليز وإنشاء الدولة السعودية ومن قبل الإنجليز أيضا، وحصل أول اتصال وبشكل رسمي بين الدولتين عندما زار الأمير فيصل تركيا عام 1932م مهنئا بإعلان الجمهورية التركية ومرة ثانية زارها فيصل ملكا عام 1966م لعدة ساعات. وبقيت العلاقات جافة بين الدولتين لاختلاف الأدوار المنوطة بهما واختلاف توجهات كلا النظامين؛ فالسعودية لبست لبوس الدولة التي تحمي مقدسات المسلمين وتطبق بعض أحكام الإسلام في الحياة العامة، وتركيا أوغلت في الابتعاد عن كل ما يمت للإسلام بصلة، وتبنت النهج الغربي في دستورها ونظامها السياسي ظنا من قادتها أن أوروبا والغرب يمكن أن تقبلها لتصبح جزءا من أوروبا ودول الغرب.
وخلال مرحلة الثمانينات فرضت الحرب العراقية الإيرانية والحرب في أفغانستان على كلا البلدين أن يعطيا أبعادا استراتيجية لعلاقاتهما، ونتيجة لذلك، حسنت تركيا من علاقاتها مع البلاد الإسلامية ومن ضمنها السعودية، وبعد حرب الخليج الأولى شهدت العلاقات تحسنا ملحوظا حيث قامت السعودية بمنح تركيا 1.2 مليار دولار، بالإضافة إلى مليار دولار آخر لتمويل الجيش التركي، حتى تعوض تركيا الخسائر الاقتصادية التي لحقت بتركيا بعد الحرب، وبعد التزام تركيا بقرارات الأمم المتحدة ضد العراق. إلا أنه نتيجة لعدم الاستقرار السياسي الداخلي في تركيا في التسعينات شهدت العلاقات الثنائية فترات صعود وهبوط ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 بدأت مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية.
وصل حزب العدالة والتنمية المنبثق عن حزب الفضيلة ذي "المرجعية الإسلامية" إلى السلطة في تركيا عبر الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2002م، وقد وصف ذلك الوصول بأنه "حدث تاريخي" وقد عملت حكومة العدالة والتنمية على تحسين العلاقات مع السعودية.
وعندما انطلقت شرارة ما سمي بالربيع العربي في نهاية عام 2010 وبالذات بعد سقوط مبارك ظهر تباين واضح في رؤية النظامين؛ فالسعودية بقيادة الملك عبد الله قادت التيار المضاد للثورات وأردوغان ظهر بمظهر الحليف لهذه الثورات وخاصة في مصر، وفي سوريا ظهر في العلن توافق على تغيير الأسد إلا أن الاختلاف في التعامل مع الفصائل المقاتلة كان ظاهراً، فقد أوردت بعض المصادر أن وزير خارجية السعودية سعود الفيصل عام 2013م رفض منح تركيا أي دور في الملف السوري، حتى لو سقط النظام، وأن الرياض لا ترغب في أي دور تركي في معالجة الأزمة السياسية في مصر، وكشفت المصادر آنذاك أن "السلطات التركية قررت، في سياق المواجهة القائمة بينها وبين السعودية، إغلاق غالبية المراكز والشقق التي يستخدمها عناصر من الاستخبارات السعودية في تركيا ضمن مهمة إدارة المجموعات المسلحة ودعمها في سوريا".
وعندما كان الملك سلمان ولياً للعهد ووزيراً للدفاع، أمسك شخصياً بملف العلاقات السعودية التركية، وشكّلت زيارته آنذاك لتركيا في 23 أيار 2013م مرحلة مفصلية في بلورة العلاقة في اتجاهات جديدة، تمكن خلالها من توقيع اتفاقية تعاون صناعي ودفاعي مع تركيا، ومن بعدها شهدت العلاقات نمواً في مختلف المجالات، وبدأت الاستثمارات السعودية تتنامى في تركيا، وقادت شركات تركية أعمالاً رائدة في السعودية.
وبالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فقد قطع جولة أفريقية في أواخر كانون الثاني 2015، من أجل الوصول للرياض لمقابلة الملك سلمان بعد توليه الحكم وتقديم العزاء في الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تلوح مؤشرات التقارب أكثر.
وقد أشارت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إلى أن الملك سلمان وضع العلاقات مع أنقرة ضمن أولوياته، خصوصاً أنها - أي العلاقات - ستكون مؤثرة في قضايا مهمة تُعنى بها السعودية في دول عديدة بالمنطقة.
وفي 29 كانون الأول/ديسمبر الماضي أعلن وزير خارجية السعودية عادل الجبير، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في الرياض، اتفاق قادة البلدين على ضرورة إنشاء «مجلس تعاون استراتيجي» لتعزيز التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي، كما أكد تطابق موقف الجانبين تجاه الأزمة السورية في دعم المعارضة المعتدلة؛ تمهيدًا لحل سياسي لا يكون الرئيس السوري بشار الأسد جزءًا منه، والطرفان يتفقان في خطوط عريضة في كلٍّ من سوريا والعراق واليمن، لوجود الطرف الإيراني في الصراع الدائر هناك، جاء ذلك بعدما بحث الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس التركي رجب طيب أردوغان العلاقات الثناية والتطورات الإقليمية والدولية، في زيارة هي الثالثة خلال عام لأردوغان للسعودية.
وبعد توتر العلاقات مع روسيا التي تستورد منها تركيا أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي، فإن هناك توجها جديا لدى أنقرة لتنويع مصادر الطاقة لديها وعدم الاكتفاء بمصدر واحد، ولذلك توجهت قبل شهر لدولة قطر ووقعت معها العديد من الاتفاقيات لشراء الغاز وغيره لتغطية أي نقص محتمل، وفعلت الأمر نفسه مع أذربيجان التي زارها أردوغان للغرض ذاته، وكذلك زيارات قادة إقليم شمال العراق الأخيرة لأنقرة، ولهذا فإن زيارة السعودية تهدف من ضمن أهداف أخرى للاتفاق على تزويد تركيا بالطاقة.
وفي الخلاصة؛ فإن هذه الدول والأنظمة منخرطة حتى النخاع في تنفيذ الأهداف الرئيسة للغرب الكافر فهو الذي أوجدها أساسا لخدمته وخدمة مصالحه، فإذا كانت مصالحه في مرحلة معينة توجب تنافر هذه الدول فليس لها إلا الانصياع، وإن كانت مصالحه تستدعي اتفاقها فالسمع والطاعة، وفي الحالتين تخدمان رؤية السيد. وفي حالة السعودية وتركيا كان واضحا أن عبد الله وأردوغان يخدمان سيدين مختلفين بعكس سلمان وحاشيته الجديدة والتي أسرع أردوغان لتهنئته بعد موت عبد الله كما فعل أوباما من قبل، فقد تنفست أمريكا ورجالها الصعداء بعد موت عبد الله وأصبح الطريق معبدا لأمريكا لتنفيذ رؤيتها ومخططاتها لمنطقتنا والتي يبدو أنها تحمل الموت الزؤام ومزيدا من الدمار والدماء عن طريق إثارة النعرات الطائفية والمذهبية (سنة وشيعة) وإشاعة القتل والفوضى بحجة محاربة الإرهاب وإعادة صياغة المنطقة حسب رؤيتها ومصالحها.
نسأل الله العلي العظيم أن يرد كيدهم في نحورهم وأن يجنبنا مكرهم وأن ينعم علينا وعلى أمة لا إله إلا الله بدولة مبدئية تطبق شرع الله وتقف في وجه أعداء الإسلام سدا منيعا تحمي المسلمين وبلادهم وترد كيد الكافرين.
رأيك في الموضوع