أعلنت كوريا الشمالية يوم 6/1/2016، أن "زعيمها كيم جونغ أون شهد بنفسه التجربة الناجحة للقنبلة الهيدروجينية التي أجريت بسلام وإتقان". وقال أون يوم 10/1/2016: "إن تجربة جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية خطوة للدفاع عن النفس من أجل الدفاع بشكل موثوق فيه عن السلام في شبه الجزيرة الكورية والأمن الإقليمي من خطر وقوع حرب نووية يتسبب فيها الإمبرياليون بقيادة الولايات المتحدة.. وإنه حق مشروع لدولة ذات سيادة وعمل عادل لا يمكن لأحد انتقاده".
ولم تبلّغ الولايات المتحدة والصين بخطوتها هذه خلافا للحالات المماثلة الماضية عندما أجرت ثلاث تجارب نووية في أعوام 2006 و2009 و2013. وجاءت ردود الفعل الدولية مستنكرة ذلك، فاتصل وزير الدفاع الأمريكي كارتر بنظيره الجنوبي كو وأكد التزام أمريكا بالدفاع عن الجنوبية، وقال "إن استفزازات كوريا الشمالية سيكون لها عواقب وخيمة" وأنها "انتهاك فاضح للقانون الدولي وتهديد للسلام والأمن في شبه الجزيرة الكورية ومجمل منطقة آسيا المحيط الهادئ". وأرسلت أمريكا يوم 10/1/2016 مقاتلات من طراز بي 52 وبي 2 التي تحمل قنابل نووية وغواصة تعمل بالطاقة النووية إلى الجنوبية، وهي تنشر 28500 جندي في الجنوبية.
واعتبرت روسيا إجراء التجربة "انتهاكا صارخا للقانون الدولي، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع في شبه الجزيرة الكورية".وأعلنت الصين أنها "تعترض بحزم على هذه التجربة" واعتبرتها أنها "تجاهلت معارضة المجتمع الدولي" وقالت "نحض بقوة كوريا الشعبية الديمقراطية على احترام التزامها بنزع السلاح النووي ووقف أي عمل يزيد الوضع سوءا". وذكرت "أن المحادثات السداسية تشكل الطريق العملي الوحيد لحل هذه المسألة".
واجتمع مجلس الأمن وندد بالإجماع وأعلن أنه "سيُعد إجراءات إضافية بحق الشمالية" وطالبت الصين "بالبدء فورا بالعمل على هذه الإجراءات" حيث سيتضمنها قرار جديد يصدر عن المجلس.
نلاحظ هنا اعتراض أعداء وحلفاء كوريا الشمالية بقوة، فيظهر أنها كما قالت الشمالية في الإعلان عن التجربة: "إن التجربة جاءت بإمكانياتها الذاتية وتم إجراؤها وفق التوجه الاستراتيجي لحزب العمال الكوري الحاكم". فهي تريد أن تثبت نفسها كدولة ذات سيادة تتصرف بشكل مستقل وهي مسؤولة عن تصرفاتها فقالت: "إنها ستتصرف كدولة نووية مسؤولة" وتعهدت "بعدم استخدام أسلحتها النووية ما لم يحدث اعتداء على سيادتها". لأنه كان ينظر لكوريا الشمالية كأنها تابعة للصين أو أنها تحت وصايتها فتريد أن تتخلص من ذلك.
إن الأزمة الكورية قديمة منذ عام 1950م فنشبت بسببها الحرب بين الكتلتين الرأسمالية والشيوعية ووقفت بهدنة عام 1953م ولم توقع اتفاقية سلام، وبقيت كوريا منقسمة بين جمهوريتين ديمقراطيتين شيوعية ورأسمالية شمالية وجنوبية. فلم تحقق أمريكا نصرا، ولكنها عملت على توظيف هذه المسألة لتعزيز وجودها في المنطقة لمواجهة الصين التي تسعى للتمدد في المنطقة، وصارت تستفز الشمالية بإجراء مناورات بين الحين والآخر.
ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة عملت أمريكا على اتباع سياسة احتواء الشمالية، فوقعت اتفاقية معها عام 1994م على عهد الإدارة الديمقراطية برئاسة بيل كلينتون واتفاقية أخرى عام 1998م على أن تتوقف الشمالية عن نشاطها النووي مقابل مساعدات أمريكية وإقامة منطقة صناعية في مجمع كايسونغ الصناعي لتبدأ 123 شركة جنوبية منذ أواخر 2004م بتشغيل 54 ألف عامل من الشمالية، ولتدر على الشمالية دخلا بلغ عام 2012م حوالي نصف مليار دولار. ولكنها استأنفت نشاطها النووي عام 2006م عندما بدأت إدارة الجمهوريين على عهد جورج بوش بالمماطلة بتطبيق الاتفاقيات. وقد أعلنت يوم 3/4/2013م إلغاء الهدنة بينها وبين أمريكا المعقودة عام 1953م، وأغلقت المجمع الصناعي، بعدما أجرت أمريكا مع الجنوبية مناورات ضخمة وأشركت فيها أسلحة استراتيجية فاستفزت الشمالية التي وجهت صواريخها تجاه جزيرة غوام الأمريكية وتجاه اليابان لتنشر درعا صاروخيا فيها مستهدفة به الصين. وقد تبنت أمريكا عام 2012م استراتيجية آسيا - المحيط الهادئ لتنشر 60% من قوتها البحرية هناك.
إن الصين بدأت تتململ من تصرفات كوريا الشمالية، فرأت أن أمريكا تعمل على استفزاز الشمالية وتستغل وضعها وعداءها لها لتعزز من قوتها في المنطقة وهي تستهدفها. ولذلك رفضت الصين توجيه الشمالية صواريخها نحو جزيرة غوام واليابان، لأن أمريكا تتخذها ذريعة لنصب الدرع الصاروخي ولتعزيز أسطولها في المنطقة في مواجهة الصين. ولذلك جاء استنكار الصين القوي ورفضها لما تقوم به الشمالية ولم تخبرها بالتجربة مسبقا. فطالبت الصين قبل أمريكا بإجراءات إضافية ضدها.
وروسيا ضد ذلك وتعتبره فائدة لأمريكا ولليابان، ويكون على حسابها حيث إن بينها وبين اليابان نزاعاً على جزر احتلتها روسيا في الحرب العالمية الثانية وتطالب بها اليابان، وقد أعلنت الحكومة اليابانية يوم 10/1/2016م أنها ستعمل على تعديل الدستور لتبني جيشا يمكنه القيام بمهمات في الداخل والخارج.
أما أمريكا فإنها ستوظف هذا الحدث لأهدافها؛ منها تعزيز وجودها في المنطقة قبالة الصين، ولهذا أعلنت أنها سترسل الشهر القادم حاملة طائرات إلى المنطقة، وستعمل على إحكام سيطرتها على المنطقة وربط دولها بها بذريعة حمايتها من تهديد الشمالية، وليس من المحتمل أن تخوض حربا، لأن الحرب لا تحقق لها الأهداف وتكلفها، وهي تخوض أزمات مالية وسياسية وخاصة في الشرق الأوسط، ومثل هذه الحرب تقلب كل الموازين والمعادلات التي عملت أمريكا على إيجادها.
ويفهم من لهجة زعيم كوريا الشمالية أنها مستعدة للتفاوض، فتحدث عن السلام في شبه الجزيرة الكورية أي في الكوريتين والأمن الإقليمي ويعني فيه المنطقة كلها بما فيها اليابان والصين. لأنها لا تريد أن تبقى معزولة، وتريد الاعتراف بها كدولة ذات سيادة ولها قوتها النووية لتعزز موقفها تجاه الدول الأخرى وتدخل في مفاوضات وموقفها قوي، وستدفع الصين نحو استئناف المحادثات السداسية، لأن هذا الوضع ليس في صالحها، وكذلك ستقوم روسيا بمثل ذلك، وعندئذ تستعد الشمالية للدخول في المفاوضات وهي ترى أن موقفها قد تعزز. ولم تتجاوب أمريكا وحليفتيها الجنوبية واليابان حتى الآن مع هذه الدعوات، والظاهر أنها ليست بصدد ذلك حاليا، وإذا بدأت المفاوضات فإنها ستطول ولا تتمخض عن نتائج بسرعة، لأنه ليس من السهل أن تتخلى الشمالية عن برنامجها كما كانت المحادثات تجري سابقا، وقد أخلت أمريكا بالاتفاقات التي أبرمتها ونكثت الوعود التي قطعتها بالمساعدات.
ونحن نتابع الأحداث ونرى كيف أن كوريا الشمالية بإمكانياتها المتواضعة تصنع القنبلة النووية ومن ثم الهيدروجينية، وننظر إلى البلاد الإسلامية فنرى إيران قد تنازلت عن تطوير برنامجها النووي ووضعته تحت الرقابة، والباكستان وضعت برنامجها وسلاحها النووي تحت الرقابة الأمريكية، والبلاد العربية لديها إمكانيات تفوق كوريا الشمالية على مرات ولا تعمل على القيام بخطوة لصنع السلاح النووي، حتى إنها لا تصنع السلاح التقليدي، وتدفع المليارات سنويا لتشتري سلاحا تقليديا من أمريكا وروسيا وأوروبا بشروط تفرض عليها، فهي دول ليست ذات سيادة، وقد وجب إسقاطها وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستملك كل قوة تخيف الأعداء لتكون دولة مهابة تفرض إرادتها على الآخرين ولا تخضع لهم.
رأيك في الموضوع