ما أن أعلن الأهل في الشام صيحتهم الأولى ضد السفاح وكسرهم لقيود الاستعباد المسلطة عليهم منذ خمسين عاماً حتى بدأ هذا النظام بممارسة أساليبه القذرة من قتل للشباب واغتصاب للحرائر مما زاد الثورة وأهلها قوة وعزما.
وما أن أدركت أمريكا سيدة هذا النظام عدم قدرته على وقف هذا المد الجارف حتى أوعزت لعبيدها بالتدخل لمساعدته؛ فكان تدخل مليشيات إيران وحزبها الذين منوا بانتكاسات كبيرة وكثيرة، وثورة الشام تزداد قوة يوماً بعد يوم، وأصبح العالم في حيرة من أمره فأعلن على خجل أن السفاح فاقد للشرعية، ولم يكن ذلك من باب المساعدة لأهل الشام بل للالتفاف عليهم وعلى ثورتهم، وصدق فيهم قول الشاعر: يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب... هذا حال دول الكفر وعبيدها.
وبعد أن أيقنت أمريكا بأن القمع العسكري لا يجهض الثورة بل يزيد من قوتها بدأت محاولة الالتفاف عليها عن طريق تشكيل شخصيات سياسية ومجالس كممثلين لأهل الشام بعد أن أفرغت الساحة من بديل للأسد.
فكان من أولى منجزاتها مجلس إسطنبول وتشكيل المجلس الوطني السوري وغيره...
ولكن ثورة الشام لم تكن تزداد قوة عسكرية فحسب إنما كان يزداد نضجها ووعيها أيضاً، فلفظوا هذا المجلس وشخصياته، وشكلت أمريكا بعدها الائتلاف وأبدع روبرت فورد باختيار شخصياته، وبدأوا يعطونه بعض الشرعية لترغيب أهل الشام للقبول به، وأهل الشام مصرون على رفضهم للعميل الجديد.
كل تلك المحاولات من قبل أم الكفر أمريكا كان يرافقها سيل من القصف المركز للمناطق الآهلة بالسكان لإجبارهم على القبول بما رسم لهم؛ فمن الطيران الحربي إلى البراميل المتفجرة إلى الصواريخ، وكل ذلك لم يزد أهل الشام إلا ثباتا وتحملا ورفضا لما يحاول الغرب فرضه عليهم.
بل تجاوز الأمر ذلك فبدأت مرحلة التضييق على معيشة الأهل في الشام وإغلاق المعابر وإهانة اللاجئين، كل تلك الأساليب البشعة التي يعجز المرء عن توصيفها مورست على أهل الشام والعالم كله يتفرج كيف سيسقط هذا الشعب وينتظر سقوطه، فيفاجأ بأنه صامد وصابر فيستشيط غيظا على غيظ.
فثورة أهل الشام كما هي دعوة الرسول r حاولوا وسعوا لإنهائها فدبروا لها ومكروا وكادوا وما كيدهم إلا في تباب. وثورة الشام قامت بأمر الله على أيدي أطفال كي لا يكون لأحد من العالم عليها منة، وهي سائرة بعين الله مهما حاولوا إسقاطها وإخضاع أهلها وهدفها طاعة الله ورضوانه ولو كره الكافرون.
كل ذلك مورس على أهل الشام كما مورس على دعوة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وما الممارسات الأخيرة من قصف مركز للمناطق وارتكاب المجازر وراء المجازر ما تصب إلا في خانة واحدة ألا وهي إرغام أهل الشام على الجلوس مع السفاح على طاولة واحدة وإخضاعهم للقبول بحل أم الكفر أمريكا.
فقد تركز استهداف الطيران الروسي الحاقد للمناطق السكانية لإرغام أهل الشام على ما رسموه والتي كان آخرها مجزرتان في إدلب وريف حلب وقبلها الأتارب ومجازر دوما الأخيرة والتي راح ضحيتها عشرات القتلى ومثله من الجرحى، ما كل هذا الحقد الذي يمارس على أهل الشام إلا لإسقاطهم وإجهاض ثورتهم، ويضاف إلى كل تلك الخبائث التي يمارسها الغرب الكافر على ثورة الأهل في الشام ما حمله ثعالبهم المبعوثون من مبادرات والتي كان آخرها مبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا بوقف القتال والتي فشلت في حينها إلا أنه قد تم إحياؤها من جديد فبدأ بكفريا والفوعة إلى الوعر وآخرها إفراغ حي القدم ومخيم اليرموك والحجر الأسود اللذين بقيا عصيّين على النظام إلى هذا اليوم، وكل ذلك لا يصب إلا في إناء واحد هو المكر والخديعة والنفاق الذي تميز به الغرب الكافر وعبيده المطواعين.
فقد قالها بوتين إن روسيا لم تضع كامل إمكانياتها بعد في سوريا، في إشارة منه إلى سيل المجازر القادم الذي سيرتكبونه.
فكل مبادرة منهم تعقبها كل تلك المجازر لإخضاع ثورة الأمة وتنفيذ مخططاتهم النفعية، وإجبارهم على القبول بما رسم لهم من مقررات قرروها في دور ندوتهم التي يعقدونها بين الحين والآخر من علمانية للدولة ومساومة على كل ذلك البذل الذي بذلوه.
فيا أهلنا في شام الخير فسطاط المسلمين وأرض الملحمة الكبرى، ها هي خمس سنوات من عمر ثورتكم، ثورة الأمة، قد أبانت لكم وأوضحت الغث من السمين، وكشفت بل فضحت الغرب ومخططاته وعملائه والمرتبطين معه عن غير وعي ودراية، وأوضحت لكم أن مساعيهم ليست لأجلكم ولأجل ما بذلتموه، بل هي لتحقيق مصالحهم النفعية ولو على حساب تضحياتِكم وبذلكم.
ووالله إن مصابكم لجلل وإن خطبكم لعظيم وليس لكم والله إلا الصبر والثبات على ما أنتم عليه حتى يأذن الله بالفتح القريب من عنده، فلا يفزعكم جمعهم فسيهزمون ويولون الدبر ولا يرهبكم مكرهم فالله يمكر لكم وهو خير الماكرين.
فكونوا على ما أنتم عليه من رفض لكل مخططاتهم تفوزوا والله بعزي الدنيا والآخرة، وإلا والله فما بعده إلا الخسران المبين، وتوكلوا على الله فهو حسبكم وناصركم ومعزكم ولو كره المجرمون.
﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾
بقلم: عبدو الدلي - عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع