وصل رئيس الوزراء الباكستاني (نواز شريف) لواشنطن في العشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2015م لبدء جولة رسمية له، وخلال هذه الزيارة التقى نواز بعدد من المسئولين الأمريكيين، وكانت أهم تلك اللقاءات لقاءه مع الرئيس الأمريكي أوباما، وقد ألقى بعد اجتماعه به بيانًا مشتركًا ذكر فيه أن الطرفين ناقشا عددًا من القضايا، والتركيز الرئيسي كان على قضية محاربة "الإرهاب" و"التطرف"، وكيفية تسوية الاحتلال الأمريكي في أفغانستان، وكان واضحًا كيف أبدت الهند رضاها عن هذا البيان المشترك، الذي لم يُشر إلى الاحتلال الهندي في كشمير، بل ركّز على كيفية مكافحة شبكات "الإرهاب" فيها.
إن زيارات رئيس الوزراء الباكستاني وقائد جيش باكستان ورئيس الاستخبارات الباكستانية المتكررة إلى أمريكا هي تلبية لدعواتها لهم كل عام تقريبًا. ومع ذلك، فإن رئيس الاستخبارات ورئيس الوزراء وقائد الجيش هذه المرة خططوا لزيارة الولايات المتحدة الواحد تلو الآخر. وتأتي هذه الزيارات بعد بضعة أيام فقط من إعلان أوباما إبطاء وتيرة انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وأن القوات الأمريكية ستبقى هناك إلى ما بعد عام 2016م. وجاء إعلان الولايات المتحدة هذا في أعقاب تزايد الهجمات المفاجئة من قبل حركة طالبان، والتي تمكنت من السيطرة على مدينة قندوز. وقبل بضعة أشهر كان يبدو كما لو أن الحركة قبلت بالمشاركة في محادثات السلام التي توسطت فيها باكستان بالنيابة عن الولايات المتحدة، ولكن بعد الإعلان عن تسرب خبر وفاة الملا عمر، توقفت محادثات السلام، على الرغم من أن الحكام الخونة لا يزالون يضغطون لإجرائها في أفغانستان.
إن أمريكا وهي تواجه مشاكل حادة فيما يتعلق بسوريا، حيث أجهض ثوار الشام كل محاولاتها لإفشال ثورتهم المباركة، ولكنها في الوقت نفسه تريد المضي قدمًا في سياستها المحورية في آسيا من أجل احتواء الصين، وقمع الحراك الإسلامي المخلص فيها، ولهاتين المشكلتين الرئيسيتين في العالم الإسلامي تريد أمريكا تسوية قضية احتلالها لأفغانستان في أقرب وقت ممكن. والجميع يعلم أن وراء الهجوم على أفغانستان، والحفاظ على الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وإجبار المقاومة الأفغانية على الجلوس على طاولة المفاوضات لقبول الحل السياسي الأمريكي لأفغانستان، وراء ذلك كله الخونة في القيادة السياسية والعسكرية في باكستان، الذين يستغلون قدرات باكستان الهائلة لتسوية تلك الأمور، وباكستان هي الورقة الوحيدة بيد أمريكا التي يمكنها توجيه المشاكل الإقليمية لصالح الولايات المتحدة.
لذلك استدعت أمريكا رئيس الوزراء ورئيس الاستخبارات العسكرية وقائد الجيش في الوقت نفسه للتأكد من عدم ترك أية ثغرة من أي نوع في خطتها للحفاظ على وجودها في أفغانستان وتنفيذها لها. لذلك فإنه لا يوجد شيء جديد ذو قيمة حقيقية في هذه الزيارة، ومنذ 11/9 والعلاقة بين باكستان والولايات المتحدة تقوم في المقام الأول على المنظور الأمني، والقضايا الأخرى في المباحثات هي لذر الرماد في العيون، فالخونة في القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية لا يهتمون بشئون الناس ولا يسعون لرعايتهم، وحتى النقاش حول كشمير، وحول القصف الهندي على خط المراقبة، وتسليم ملف التدخل الهندي في باكستان، وصفقة بيع طائرات (F-16) المقاتلة المجهزة بأجهزة "ما وراء البصر"، هي من أجل إيجاد رأي عام عند الناس بأن هؤلاء الحكام يهتمون بقضاياهم، حتى لا يترسخ الانطباع بأنهم باعوا أنفسهم لأمريكا.
الشيء الوحيد الواضح من هذه الزيارة هو أن باكستان هي التي بيدها مفاتيح الحل في أفغانستان وليست الولايات المتحدة، ومن المؤسف للغاية أنه على الرغم من امتلاك باكستان لهذه الميزة، إلا أن الخونة في القيادة السياسية والعسكرية الباكستانية يسخّرون إمكانات باكستان وقواتها المسلحة للحفاظ على نفوذ الولايات المتحدة وتوسعه في المنطقة، وهي العدو اللدود للإسلام والمسلمين في هذه المنطقة، بل في جميع أنحاء العالم، بدلًا من استخدام هذه القوة لتوحيد الناس في باكستان وأفغانستان تحت قيادة واحدة، تحت قيادة الخليفة الراشد الذي يستطيع طرد أمريكا من هذه المنطقة بكل سهولة، وإعادة السلام والرخاء الاقتصادي لها.
إن زيارة نواز إلى الولايات المتحدة ليست إلا لتعزيز عبودية باكستان للولايات المتحدة، ومن شأن ذلك زيادة معاناة أكثر من نصف مليار مسلم في جنوب ووسط آسيا. لذلك فإن الطريقة الوحيدة للتخلص من تلك العبودية هي إقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستوحّد باكستان وأفغانستان بإلغاء خط دوراند الحدودي، الذي أقامه الاستعمار البريطاني، ثم هذا المد يجب أن يعم العالم الإسلامي بأسره، من آسيا الوسطى إلى الشرق الأقصى، ومن الشرق الأوسط إلى الصحراء الأفريقيّة، وباكستان تمتلك القدرة على تحقيق ذلك ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾.
رأيك في الموضوع