لم تكن تحركات برنارد ليون خلال الأشهر الأخيرة في ليبيا والجزائر والمغرب وبلجيكا عبثية، بل لقد كان مصرا وعاقدا العزم أكثر من أي وقت مضى على حل الأزمة الليبية وتشكيل حكومة وحدة وطنية؛ فتارة يُرغب وأخرى يهدد إلى أن أعلن يوم الخميس 8/10/2015 في مؤتمر صحفي بالصخيرات فايز السراح رئيس حكومة الوفاق الوطني لليبيا، ويُعد هذا الإعلان تتويجا لتحركاته الأخيرة.
وقد قوبل هذا الأمر بترحيب دولي أوروبي وأمريكي بدأ بخطاب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي دعا فيه أطراف النزاع الليبية إلى عدم التفريط في هذه الفرصة لإخراج البلاد من الفوضى.
كما عبر وزير خارجية إيطاليا باولو جينتيلوني عن ارتياحه للنتائج التي تحققت، وفي بيان على موقع الخارجية البريطانية يوم الجمعة 9/10/2015 قال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند "أن هذه التسوية تمثل فرصة حقيقية للأطراف لتسوية الوضع السياسي والأمني في ليبيا" مرحبا بقرار ليون إعلان فايز مصطفى السراح رئيس حكومة التوافق الوطني، وحث كافة الليبيين وممثلي الشعب والأحزاب السياسية والبلديات والمجتمع المدني على التوحد بكل صدق وبروح التسامح تجاه هذه التسوية.
ويقابل هذا الترحيب تنديد واستنكار داخلي؛ حيث شهدت ساحة كيش ببنغازي يوم الجمعة مظاهرة هي الأكبر منذ بداية "عملية الكرامة" عبر المشاركون فيها عن رفضهم لعملية الحوار السياسي ومخرجاته وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، كما ندد طارق متري الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا باختيار ليون لحكومة التوافق الوطني حيث قال "تتوالى الانتقادات للحكومة الليبية المقترحة، يسميها البعض بحكومة ليون (على شاكلة حكومة بول بريمر في العراق) ولا أظن أنه يحسب نفسه مفوضا ساميا فينبغي توضيح كيفية الاختيار بشفافية وأن الحكومة الجديدة هي بمثابة فرض وإلزام من الأمم المتحدة بدلا من أن تكون اختياراً ليبياً ومن أصحاب المصلحة".
وقال مدير برنامج مجموعة الأزمات الدولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جوست هلترمان في تقرير نشر يوم الجمعة ببروكسيل "في الوقت نفسه ينبغي على المرء أن لا يغفل الانقسامات المتزايدة داخل كلٍّ من المؤتمر الوطني وبرلمان طبرق مما يجعل التوقيع على اتفاق حكومة الوفاق الوطني التي يعرضها ليون أبعد من أي وقت مضى وأن التسرع الذي يبديه ليون في العملية يحمل في طياته مخاطر قد تسجل نتائج عكسية".
كما عبر رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبو سَهَمين عن استيائه من تسرع ليون في تشكيل حكومته بالتزامن مع الموعد المحدد لعقد جلسة المؤتمر الوطني في ذات الشأن لاختيار أعضاء يشاركون في تشكيل الحكومة إلا أنه فوجئ بإعلان ليون تشكيل الحكومة وعدم إشراكهم، مع حضورهم في كل المفاوضات وتقديم تنازلات حيث اعتبر قراره تهديدا صريحا لليبيا وتدخلا في الشأن العام.
وهنا يبرز انقسام أعضاء المؤتمر الوطني العام في طرابلس بين مؤيد ومستنكر وكذلك الشأن في طبرق، فبالرغم من إعلان ليون قراره الأخير يبقى الوضع في ليبيا مرجحا للتدهور وعدم الاستقرار ومزيد من الفوضى، خاصة إذا تضاعفت العمليات العسكرية ونشطت الخلايا "الإرهابية" وربما يتكرر سيناريو العراق خلال فترة حكم بول بريمر، في ليبيا، والفرق بينهما أن النفوذ السياسي في العراق هو لأمريكا، أما في ليبيا فالنفوذ السياسي هو لبريطانيا التي أحكمت السيطرة نسبيا وحافظت على وجودها في منطقة شمال إفريقيا (المغرب، وليبيا، والجزائر، وتونس) وبقيت الولايات المتحدة الأمريكية وستبقى تناور وتحاول التموقع في منطقة موصدة وخط أحمر لبريطانيا مع استمرار الصراع الدولي على أشده لبسط النفوذ في بلاد المسلمين.
بقلم: سالم الهوام - تونس
رأيك في الموضوع