مرت الجلسة الثانية والثلاثون لمجلس النواب اللبناني المخصصة لانتخاب رئيس يوم الأربعاء الماضي كسابقاتها من غير أن يتمكن من انتخاب رئيس، ولكن الجديد في هذه الجلسة أنها انعقدت في ظل حديث عن انفراجة محتملة لأزمة الفراغ الرئاسي تتمثل بطرح الحريري لاسم سليمان فرنجية (صديق بشار الأسد الشخصي وحليف حزب إيران وميشيل عون) كمرشح رئاسي من تيار 8 آذار على أن يتولى الحريري رئاسة الوزراء في ظل تسوية لم تعلن بشكل رسمي حتى الآن.
وقد بدأت تتسرب حيثيات التسوية بعد انكشاف لقاء الحريري بفرنجية في باريس من وراء الكواليس في 19 من شهر تشرين الثاني بالرغم من قيام الطرفين حينها بنفي هذا اللقاء بشكل مطلق محاولة لتجنب ردود الفعل التي ستترتب على انكشاف اللقاء قبل نضوج فكرة التسوية من حلفاء الطرفين. ولم يعد أمر اللقاء والتوافق على التسوية شيئا خفيا، فقد صرح سليمان فرنجية عقب حفل عشاء أقامه له وليد جنبلاط في مقره في كليمنصو في 3/12/2015 بأن "أول من طرح اسمه للرئاسة هو وليد بك، وفي هذه المرحلة سنكون معا بطريق واحدة، وهذا البيت كريم دائما نقدره وسنظل نقدره". وقال: "ترشيحي ليس رسمياً بعد وأعتبر أن الرئيس الحريري صادق مئة في المئة في تأييده لي، وكل ما قاله أعتبره جديا".
وعلى الرغم من تصريح فرنجية بأن جنبلاط هو أول من رشحه إلا أن هذا ليس صحيحا، وإنما هو محاولة منه لاستبعاد فكرة أنه مرشح السفير الأمريكي، فسليمان فرنجية على نهج جده الذي سمي باسمه - في العمالة لأمريكا وما علاقته بعائلة الأسد وتحالفه مع حزب إيران في لبنان إلا لهذه العمالة المتجذرة في العائلة، وقد ذكرت مصادر متعددة عن أن ترشيح فرنجية تم من قبل أمريكا وباتفاق إيراني سعودي، فقد نشر موقع عربي 21 نقلا عن صحيفة جيوبوليس الفرنسية "تقريرا حول ترشيح كل من طهران وواشنطن لسليمان فرنجية لمنصب رئيس لبنان، لإنهاء أزمة سياسية استمرت في لبنان منذ حوالي السنة ونصف السنة، بسبب فراغ منصب الرئاسة."
وقد ذكر موقع ليبانون فايلز عن صحيفة السفير في 5/12/2015 "كشفت مصادر عربية واسعة الاطلاع لصحيفة "السفير" أنّ "خلوة عقدت في 14 تشرين الثاني الماضي على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول المعنية بالأزمة السورية في فينا بين وزيري خارجية إيران محمد جواد ظريف والسعودية عادل الجبير دامت أكثر من ثلاث ساعات ناقشا خلالها بالاتفاق المسبق مع قيادتي البلدين، ملفات إقليمية عدة، فضلاً عن ملف العلاقات الثنائية"... وأوضحت المصادر العربية أنّ "المباحثات أظهرت تقاطعاً إيرانياً سعودياً على تحييد لبنان عمّا يجري من اشتباك على الصعيد الإقليمي، خصوصاً في ظل استعدادهما للبدء بحوار سياسي يمكن أن يفضي إلى تبريد أكثر من جبهة". وذكرت السفير أنّ "القرار الإقليمي والدولي اتخذ عملياً بتثبيت معادلة "التحييد" التي رفض أن يسميها سليمان فرنجية "النأي بالنفس".
ونقل موقع الكلمة أون لاين اللبناني في 4/12/2015 "كشف مصدر دبلوماسي لجريدة "اللواء" أن التقرير الذي وضعه السفير الأمريكي السابق في بيروت ديفيد هيل تضمن تشجيعاً لقبول ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية بحكم معرفته به، فهو يطمئن الأقلية النصرانية، وهو شخصية مقبولة من الفريق المسلم، وأنه يلتقي مع الرئيس الحريري ومع قوى 14 آذار على ضبط الحدود، والحدّ من تداعيات الأزمة السورية، وتشجيع الانفتاح اللبناني على محيطه العربي بما في ذلك دول الخليج، فضلاً عن أنه شخصية تسووية وليست صدامية".
أما قيام وليد جنبلاط باقتراح اسم فرنجية فهو على عادته التي لا يتركها، فجنبلاط بعراقته في العمالة للإنجليز التقط الإشارة مبكرا من خلال اتصالاته الواسعة، وخلال زيارته للسعودية التي أمسك الحكم فيها عملاء أمريكا بقوة، وخسر الإنجليز كثيرا من نفوذهم، وهذا التغير في النفوذ أثر على السند الإقليمي الذي كان يستند إليه تيار 14 آذار فأصبحت الرعاية السعودية لتيار 14 آذار، أو على الأقل لقسم ذي وزن فيه، تصب في صالح السياسة الأمريكية، والحريري لا يستطيع أن يخرج عن آل سعود وعن الارتباط بهم، كما أن السعودية بين الفينة والأخرى تلوّح للحريري بوجود بدائل عنه في الصف السني اللبناني، وما الحديث عن علاقة نهاد المشنوق بمحمد بن نايف إلا من هذا الباب. لذلك أدرك جنبلاط نفسه مسبقا ورمى بحباله على سليمان فرنجية ليكون له يد في القسمة القادمة.
وهكذا فعلت فرنسا عند اتصال هولاند بسليمان فرنجية، وقد ظهر من الاتصال أن فرنسا تستكشف المستقبل وتحاول إحياء علاقتها بالرئيس المتوقع.
وعلى الرغم من أن مشروع تسوية الحريري فرنجية أصبح هو الحل المتوقع لأزمة الفراغ الرئاسي إلا أن التزام حزب إيران في لبنان الصمت بسبب حساسية الموقف تجاه الجنرال عون وانتظار حزب إيران اتخاذ الجنرال عون موقفا إيجابيا واضحا من التسوية حتى لا يظهر الحزب بأنه تخلى عن شريكه وطعنه في الظهر، بالرغم من أن كل الدلائل تشير إلى أن فرنجية لم يقدم على هذه الخطوة إلا بعد أخذ الضوء الأخضر من حسن نصر الله، فالتسوية مشروع أمريكا لحل الأزمة كخطوة من الخطوات التحضيرية للسير بعملية سياسية في سوريا قد تفضي في مرحلة من المراحل إلى انسحاب حزب إيران من سوريا.
والمدرك لحقيقة الأزمة في لبنان يعلم علم اليقين أن لبنان لن تحل مشاكله إلا بإنهاء المحاصصة الطائفية وعودة لبنان إلى أصله سوريا تحت حكم دولة الخلافة على منهاج النبوة، وبغير ذلك سيبقى لبنان وسياسيوه العملاء خنجرا في خاصرة الأمة الإسلامية وأداة من أدوات الغرب الكافر لإبقاء الأمة الإسلامية ممزقة، فهل يدرك عقلاء أهل لبنان ذلك؟!
رأيك في الموضوع