خفضت بلديتان من بين أكبر 10 بلديات دنماركية، قيمة إعانة البطالة لسيدات محجبات، رفضن عروض عمل قدمت لهن، بسبب اشتراط مكان العمل خلعهن الخمار. وقال وزير العمل الدنماركي ترويلس لوند بولسن، في بيان مكتوب، رداً على استجواب برلماني من "حزب الشعب الدنماركي" اليميني المتطرف، إن الوزارة بحثت أوضاع أكبر 10 بلديات في البلاد، ووجدت أن اثنتين منها تقومان بتخفيض قيمة معونات البطالة للمحجبات، اللاتي يرفضن عروض عمل بسبب اشتراط مكان العمل خلعهن الخمار. وأعرب الوزير عن موافقته على الطريقة التي تصرفت بها البلديتان، قائلاً إنه لا يمكن لمن يحصلن على راتب بطالة أن يرفضن عروض عمل بسبب عدم السماح لهن بارتداء الخمار. (الأناضول، 23/03/2017).
لطالما أصمّت أوروبا آذان العالم بالترويج لعلمانيتها، باعتبار أن فلاسفتها العظام هم الذين أعادوا الاعتبار للعقل، ولمركزية الإنسان في الكون، ورفعوا لواء الحرية والتمرد على أي قيد يحد من حرية الإرادة الإنسانية، و... فكيف تقيم أوروبا العلمانية محاكم التفتيش لنساء اخترن أن يرتدين لباسهن بحرية إذاً، أين هي الحرية المزعومة؟!
في القرن الـ 16 كانت قضية نزع خمار المسلمات في الأندلس، من مُسَلّمات السياسة الكاثوليكية لمحاكم التفتيش، وهي سياسة كانت تعتمد على القوانين، والسلطة، لإجبارهن على ترك الخمار، وتطور الأمر في النهاية إلى التعذيب والحرق والقتل، وإجبار الآخر على ترك دينه. إنّ ماضياً كماضي أوروبا، يجعل القيم العظمى التي تنادي بها فارغة من معناها الحقيقي، فالقيم الثقافية الحاكمة اليوم، لا تزال غنية بالقيم الدينية المشوهة نفسها فميراث الحروب الصليبية التي شاركت فيها أوروبا جميعاً، أصبح أحد مكونات الثقافة الغربية اليوم. يقول المفكر محمد أسد: "إن خيال الحروب الصليبية لا يزال يرفرف فوق الغرب حتى يومنا هذا كما أن جميع اتجاهاته وتوجهاته نحو الإسلام والعالم الإسلامي لا تزال تحمل آثاراً واضحة جلية من ذلك الشبح العتيد الخالد".
إن التصادم الحتمي بين لباس المسلمة الشرعي، والدعوة للحرية؛ ومنها حرية المرأة في انتقاء ملبسها، مهما كان متبرجاً، بل ويجعلها شبه عارية، وبين القدرة على تحمل قيم مخالفة، تفرز صوراً من اللباس الساتر المحتشم، لكنه تصادم، نستطيع منه استشفاف رائحة الخوف والتمترس حول قيم الحرية الزائفة والمرجعية العلمانية الانتقائية؛ التي تردد بِهَوَسٍ أنها تريد إزالة كل ما يرمز للدين، لكنها لا تعني أي دين غير الإسلام.
ظهرت فوبيا الإسلام في الدنمارك، بشكل واضح، من خلال الرسوم المسيئة للنبي محمد r، وأطلق اليمينيون حملات تحذّر من "أسلمة" البلاد رغم أن عدد المسلمين لا يتجاوز 1% من عدد السكان، ما يعني الخوف الحقيقي من دينٍ سلاحُه الأفكار، خاصة إذا وجدت آذاناً صاغية في بيئة تبرز التناقض بسرعة، لأن النور يجلّي عتمة الظلام.
إن القوانين والقرارات الجديدة لمكافحة (الإرهاب)، صدرت في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، وتنطوي على تمييز واضح ضد المسلمين واللاجئين، في إطار ما يسمى بمكافحة (الإرهاب)، ولعل آخر هذه الإجراءات العنصرية، قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير، والذي يقضي بجواز طرد أية موظفة من عملها بسبب لباسها الإسلامي، وذلك خلافا لقرارات سابقة كانت تضمن لكل شخص الحفاظ على الرموز الدينية الخاصة به، دون أي تدخل، بما في ذلك خلال ساعات العمل الرسمي. هذه المرجعية العلمانية في كل أوروبا لم نسمع أبداً بقوانينها تزيل غطاء الشعر عن الراهبات، وتزيل عن أعناق الآباء النصارى ربطات عنق مميزة، ولا يزال إلى يومنا هذا في بعض الساحات العامة صلبان ضخمة، مغروزة في وسط المدن تذكر بانتماء لم يغب عن الأذهان، فهناك أعياد دينية نصرانية تحتفل بها الدولة، بل وتدفع أجرها للعاطلين، رغم ادعاء الفصل بين الدين والدولة، حتى التقاويم الوطنية أغلب عطلاتها هي مناسبات دينية بحتة، بل هناك أعلام دول مرسوم عليها الصليب بشكل بارز كسويسرا والدنمارك مثلاً، بل هناك مدن بكاملها تحمل أسماء شخصيات دينية من أكثر الشخصيات دموية في تاريخ أوروبا، كل ذلك يبرز حجم التناقض، واستهداف المسلمين والإسلام!
إن الحضارة الرأسمالية الغربية، تدعو المرأة إلى التمتع بحرية جسدها، وتتفنن مدنٌ آمنت بهذه الحرية، في صناعة الملابس المثيرة، التي تسوقها على مستوى العالم كله، باعتبارها النموذج الأكثر جمالا وأناقة، للتكسب المادي من وراء ذلك، لهذا ضاقت صدورهم من لباس المرأة المسلمة لأنه ينسف نظريتهم الخادعة، ويبرز حقيقتها النفعية البحتة، لكنها الديماغوجيا؛ التي جعلت سياسيين يصيحون اليوم: (ممنوع الخمار في أوروبا)، تماماً كما كان النازيون يصيحون ضد اليهود: (لا تقبلوا يهوديا أو غجريا في جيش الرّايخ العظيم)، نعم لا فرق في واقع الأمر، بين أن تجبر فتاة لتتخلى عن حشمتها وتنزع عنها لباساً ارتضته، وبين أن تجبرها على حمل نجمة داوود الصفراء بدافع العنصرية.
إن العلمانية، والدمج المجتمعي هي الأيديولوجيات التي تعمل على تجريد المسلمات من لباسهن، لتكشف بذلك عن حقيقة أن أفكارهم هذه ليست بقيم موضوعية، ولا مبادئ إنسانية كونية، تقبل الآخر كما يروجون لذلك ردحاً من الزمان، وهذا التصرف في أوروبا؛ التي تدعي حقوق الإنسان، إنما يفضح تلك العقليات التي لا تتحمل الاختلاف الثقافي، ولا الرأي الآخر، وتفضح حقيقة علمانيتهم الكاذبة التي موعدها الصبح، أليس الصبح بقريب، وعندها تشرق على الكوكب الأرضي شمس حضارة العدل والإنصاف؛ مبدأ الإسلام العظيم...
رأيك في الموضوع