(مترجمة)
في 7 تموز/يوليو 2016، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حزمة قوانين مكافحة الإرهاب، التي اقترحتها النائبة في مجلس الدوما، إيرينا ياروفايا. وتم اعتماد حزمة التعديلات من قبل مجلسي النواب والشيوخ في البرلمان في وقت سابق، والآن سوف تدخل حيز التنفيذ ابتداء من 20 تموز/يوليو. وقد تسبب اعتماد هذه القوانين بصدى كبير في المجتمع في روسيا والمنطقة الناطقة باللغة الروسية. الجميع يشعر بالقلق إزاء هذا المشروع: المسلمون البسطاء والنشطاء "الإسلاميون"، الذين في الواقع، يتم توجيه معظم التعديلات ضدهم، وكذلك المعارضة الليبرالية، التي تدرك، أنه تحت ذريعة مكافحة الإرهاب سيكون هناك تقويض لكل الفرص المتاحة لهم للنضال السياسي. حتى النخبة الوطنية في الجمهوريات "الإسلامية" والمفتون المسلمون الرسميون يقفون ضد هذا القانون بانتقادات لاذعة، فهم قد أدركوا أن هذه الحزمة سوف تغير على نحو خطير جدا في الحياة الدينية للعشرين مليون مسلم في روسيا.
إذا، ما الذي تضمنته "تعديلات ياروفايا"؟
1) إدراج المسؤولية الجنائية عن عدم الإبلاغ عن جريمة. هذا سيجعل الخدمات الخاصة قادرة على تلفيق القضايا الجنائية ضد النشطاء الإسلاميين بسهولة أكثر، لأنها غالبا ما تواجه رفض المسلمين للإدلاء بشهاداتهم ضد إخوانهم في الدين، ومنذ الآن سيكون لديهم قوة أكبر للضغط عليهم: إما أن تدلي بشهادتك ضد أخيك في الدين أو تجد نفسك وراء القضبان.
2) خفض سنّ المسؤولية الجنائية للمواد المتعلق بمكافحة الإرهاب في القانون الجنائي الروسي إلى 14 عاما. وهذا سيسمح للخدمات الخاصة بالقبض على جيل الشباب من النشطاء الإسلاميين، وكذلك ابتزاز وتخويف الآباء من خلال اعتقال أولادهم القصر، وحثهم على التعاون مع الأمن.
3) زيادة كبيرة في مقدار عقوبة السجن على ما يسمى بمواد قانون مكافحة التطرف ومكافحة الإرهاب:
- يمكن أن يحكم عليك بالسجن لمدة تتراوح بين 3 إلى 6 سنوات وفقا للمادة 282 من القانون الجنائي الروسي "التحريض على الكراهية أو العداء، وإهانة الكرامة الإنسانية"، والذي يستخدم أساسا ضد المسلمين، والذي بموجبه على سبيل المثال، يمكن اتهامك على نشر منشورفي الشبكة العنكبوتية تبين فيه أن الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح، أو تتضمن دعوة لعدم الاحتفال بالعام الجديد.
- • يمكن أن يحكم عليك بالسجن لمدة تتراوح بين 6 إلى 10 سنوات وفقا للمادة 282.2 من القانون الجنائي الروسي "تنظيم نشاط لمنظمة متطرفة"، والذي بموجبه يتم غالبا اتهام أعضاء منظمات إسلامية مثل جماعة التبليغ ونوردجولار.
- ولمدة تتراوح من 5 إلى 7 سنوات بالسجن؛ للإشادة علنا بالإرهاب أو التبرير العلني للإرهاب على شبكة الإنترنت، الذي أصبح الاتهام المتكرر جدا ضد المسلمين، الذين لديهم صفحات في الشبكات العنكبوتية.
- ولمدة تتراوح من 10 إلى 15 سنة بالسجن لـ "تمويل الإرهاب الدولي"، والتي بموجبها يمكن إلقاء التهمة على أي تبرع لشركاء متدينين في الخارج.
- كانت هناك زيادة إلى حد كبير في مدة السجن للمادة 205.5 من القانون الجنائي "تنظيم أنشطة منظمة إرهابية"، والذي تم إدخاله في القانون الجنائي الروسي فقط من أجل محاكمة أعضاء حزب التحرير. فإذا كان في السابق يمكن أن يحكم عليك بالسجن لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات للمشاركة في الأنشطة، فإنه الآن سيكون هناك سجن من 10 إلى 20 سنة. المهم أن القانون ضد عمل لحزب التحرير، فإنه يمكن أن يحكم عليك بالسجن لمدة تتراوح بين 15 سنة والسجن المؤبد، وروسيا لا تزال الدولة الوحيدة في العالم، التي تفرض تشريعيا السجن المؤبد لأعضاء الحزب.
4) فرض المسؤولية القانونية على ما يسمى بـ"النشاط التبشيري"، الذي أصبح الآن ممكنا فقط بوثائق ترخيص رسمي. ووفقا للقانون يمكن أن يخضع تحت "التبشيري"، أي شيء؛ مثل صلاة الجماعة، وتوزيع المؤلفات الإسلامية، فضلا عن المواد السمعية والبصرية من خلال وسائل الإعلام والإنترنت وأي عمل من أعمال الوعظ أو الدعوة العامة للتبرع لأغراض دينية. لذا، فهذا يعني أن أي دعوة على الإطلاق أصبحت من الآن خارج نطاق القانون في روسيا.
5) كما تم فرض غرامات كبيرة على شركات الإنترنت التي لم تقدم مفاتيح فك تشفير الرسائل الخاصة على خدمات التراسل الفوري مثل "واتس أب" و"تيليغرام". وتشحذ أجهزة الأمن الروسية منذ فترة طويلة أسنانها للرسائل الفورية المشفرة، التي أصبحت وسيلة للتواصل بين جيل الشباب من المسلمين الروس والمسلمين في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من أن كل هذه التعديلات تقيد "الحرية" بشكل كبير في روسيا بشكل عام، إلا أن أول شيء تهدف له هو وقف الدعوة الإسلامية في روسيا؛ وذلك لأن جميع التعديلات تقريبا تتعلق في المقام الأول بالمسلمين، وبعد ذلك فقط تستهدف المعارضة الليبرالية وبقية الناس. بل إن حقيقة أن الرئيس السابق لجمهورية تتارستان منتيمير شايمييف، ومجلس المفتين في روسيا أصدروا انتقادات حادة لمشروع القانون، توضح أنه حتى الممثلون العلمانيون للسلطات الإقليمية في الجمهوريات "الإسلامية" والمفتون الرسميون يشعرون بوضوح بالتهديد الذي يلوح في الأفق، على الرغم من أنهم عادة ما كانوا يتفقون مع الكرملين في مبادراته لمكافحة الإرهاب.
إذا نظرنا إلى تاريخ العلاقات بين الدولة الروسية والمسلمين، وكذلك واقع النظام الذي هو في السلطة في روسيا لأكثر من 15 عاما، فإن اعتماد مثل هذه القوانين لا يبدو مدهشا. فمن ناحية، فإن روسيا مع أي حاكم وأي نظام سياسي لها قرون من الخبرة في أعمال القمع ضد الدعاة والأئمة والعلماء وتدمير كل شيء «إسلامي» بكل وسيلة ممكنة. ومن ناحية أخرى، يجب علينا أن نفهم أن بوتين قضى معظم حياته كضابط في جهاز الـ "كي جي بي" وجهاز الأمن الفيدرالي "إف إس بي"، والآن تحديدا أصبحت عشيرة الـ"إف إس بي" في السلطة في روسيا، والآن جميع الشخصيات الرئيسية في قيادة البلاد تقريبا هم ضباط سابقون في جهاز الأمن الفيدرالي. وعلاوة على ذلك، لا ينبغي لنا أن ننسى أن بوتين جاء إلى السلطة في روسيا فقط بتنظيم هجمات "إف إس بي" الدموية الإرهابية (تفجير المنازل) في عام 1999، والتي اتهم الشيشان بتنظيمها، وبالتالي فإن "الحرب على الإرهاب" أصبحت رمزا حقيقيا لحقبة حكم بوتين، وذريعة رئيسية لتعزيز سلطته المركزية في البلاد. لذا، وفي استجابة لتحديات مثل الصحوة التدريجية لـ20 مليون مسلم في روسيا، و"الأسلمة" العالمية، ووقوع جميع أوراسيا في الاضطرابات السياسية، فإن مجلس الأمن القومي الروسي لم يوصله التفكير إلى أي شيء أفضل من «إحكام القبضة»، وتحويل البلاد ببساطة إلى أوزبيكستان أخرى.
على أية حال، مهما كانت التعديلات والحيل التي يتخذها النظام الروسي ضد المسلمين، ومهما كانت الجهود التي يبذلها في محاولته لحرمان الناس من نور الإسلام، فإن كل هذا يذهب هباء، لأن تاريخ الأمة الإسلامية يشهد بأنه لا يوجد حاكم يمكنه أن يدمر الحق الذي هو من الله تعالى عن طريق القمع والحظر، ولا يستطيع أن يقضي على المسلمين الذين حذرهم الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.
إن الشعوب الإسلامية تتعرض إلى الضغط الوحشي من روسيا ليس منذ سنة، أو 10 سنوات، أو حتى 100 سنة، ولكن منذ قرون عديدة. هناك بعض الشعوب الإسلامية، التي تقوم روسيا بتعذيبها لما يقرب من خمسمائة سنة. لعدة قرون يخضع مسلمو القوقاز، والأورال ومنطقة الفولغا تحت ضربات الهراوات الروسية. وكان هناك كل ما يمكن تصوره: الإبادة الجماعية، ومحاولات التنصير القسري، وترحيل شعوب بأكملها، والحظر التام للدين، ومحاولات للاستيلاء على عقول المسلمين من خلال إنشاء إدارة روحية دمية للمسلمين، ولكن كل هذا لم يساعد روسيا، فالمسلمون مثل العشب، الذي يداس عليه بالأحذية الروسية، لكنه ينتصب مرة أخرى في كل مرة، وحتى يشق طريقه من خلال الإسفلت، وفي كل مرة يتم إرجاعه من قبل الحكام الروس.
إن الإرهاب هو الافتراء الأكثر أهمية، والذي يعلق الآن على الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، وهو أيضا الذريعة الرئيسية التي بموجبها تجري عمليات تدمير واسعة النطاق ضد المسلمين، ويتم اضطهادهم. ومن الواضح أن كل هذه الكذبة ستسقط وسوف تتوقف معاناة المسلمين بإذن الله حالما يعيد عباد الله الذين اصطفاهم إلى المسلمين دولة الخلافة. الدولة، التي ستقوم بحماية كل المسلمين المضطهدين في أي مكان في العالم، والتي سوف تبدأ في تطبيق قوانين خالق الكون وتنشر نور الحق إلى جميع البشر. قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
بقلم: محمد منصور
رأيك في الموضوع