ارتبطت المفاوضات التطبيعية بين تركيا وكيان يهود بمستقبل غزة المحاصرة؛ حيث اشترطت تركيا رفع الحصار عن غزة لتطبيع تلك العلاقات. وهذا المقال يسُلط الضوء على واقع تلك المفاوضات وسياقها السياسي والموقف منها، وانعكاس ذلك على العلاقة بين حكومة غزة وكيان يهود.
بداية، ليس ثمة من تشكيك في تلك المفاوضات وبصبغتها التطبيعية، فقد كشف مسؤولون أتراك في مقابلة مع صحيفة الرسالة المقربة من حركة حماس (في 14/4/2016) عن قرب توقيع الاتفاق النهائي بين "الجانبين"، ومن ثم وصفتها "الرسالة" بالوصف التطبيعي الصائب، عندما ذكرت، أنه "اتفاق يسدل الستار عن ثماني سنوات من العداء بينهما"، وليس أبلغ من هذه الجملة في وصف التطبيع الجاري بين حكومة ترفع شعار الإسلام وبين احتلال يهودي يهيمن على أرض الإسراء والمعراج.
وقد نقلت "الرسالة" عن المسؤولين الأتراك: موافقة الاحتلال المبدئية على فتح خط بحري لقطاع غزة، مع المباحثات الفنية، حول الميناء العائم وسفينة الكهرباء. وهذا الخبر ليس منعزلا عن سياق التواصل السياسي بين الحكومة التركية وقيادة حكومة غزة:
- فقد كانت تركيا هي أول من طرحت فكرة الميناء البحري وأعدّت له مخططا هندسيا، وذلك عقب عدوان يهود على غزة صيف عام 2014، بعدما وضعت حماس إنشاء الميناء كأحد شروط اتفاق التهدئة. لذلك فالتنسيق السياسي بين حكومة غزة وتركيا حول هذا الموضوع واضح وقديم.
- ثم إن رئيس المكتب السياسي لحماس التقى الرئيس التركي نهاية العام الماضي لأجل ذلك الغرض، وقد نقلت القدس العربي في 20/12/2015 أن اللقاء كان في إطار سعي الحركة لعدم إغفال ملف رفع الحصار عن قطاع غزة، ضمن الاتفاق بين تركيا وكيان يهود. ولم تفصح حماس في بيانها عن تفاصيل اللقاء، واكتفت بالقول "ساد اللقاء أجواء إيجابية". وهذا التنسيق الإيجابي لا يخرج عن وصف "المفاوضات غير المباشرة" بين غزة وكيان يهود، وخصوصا أن كيان يهود هو طرف تنفيذي تلقائي في مشروع الميناء.
- وفي لقائه مع البي بي سي (بتاريخ 14/3/2016)، اعتبر القيادي في حماس محمود الزهار "حقيقة ما يتردد عن وجود اتصالات حمساوية إسرائيلية وإن كانت غير مباشرة برعاية تركية" (حسب تعبير الفضائية) بأنه شأن تركي، فلم ينف التواصل السياسي مع تركيا حول الميناء والمطار، وإنما برر الموقف بأنه شرط تركي، ثم استند إلى كون بناء الميناء والمطار من شروط اتفاق أوسلو، لإبراز حق حكومة حماس في تحقيق ما تمّ دفع ثمنه مسبقا! بما يجسّد مبدأ "حصاد مسار التفريط".
إذن، ليس ثمة من تشكيك في مفاوضات التطبيع التركية، وفي تسخيرها من قبل حكومة غزة لجعلها وسيلة لرفع الحصار عن غزة، بعد مباركة تلك الاتصالات "كشأن تركي"، والتنسيق مع تركيا فيها بما يخدم حكومة حماس.
إن الموقف السياسي من الاتصالات التركية سواء أكانت منفصلة أم منسقة مع حكومة غزة، هو الرفض مع الاستنكار الشرعي، وإن الموقف المبدئي لحماس (الإسلامية) هو تحريم تلك الاتصالات، وهي تقود لاتفاقيات يصفها ميثاق حماس بأنها خيانية، فكيف بها وهي تُجرى من قبل حكّام يرفعون شعار الإسلام، ويلتقون مع حماس دبلوماسيا وتاريخيا؟
ثم إنه من الواضح أن مسار تركيا وكيان ويهود يسعى لأبعد من مجرد رفع الحصار (عبر الميناء والمطار) بل يسعى لاتفاق سياسي شامل يُديم حالة التساكن مع كيان يهود إن لم نقل "السلام"، فقد نقل تقرير الرسالة عن أحمد فارول القيادي في حزب العدالة والتنمية التركي، "إن تركيا حريصة على التوصل إلى اتفاق شامل...".
إذن، إن تصريح تركيا يكشف عن وساطة تركية لاتفاق سياسي- لا عن مجرد إدراج شرط من طرف تركيا - كما خفّفه الزهار في مقابلته، ومسار تركيا هذا، هو توريط واضح لحماس في مسار المفاوضات، ويجسّد الوصف: بأن "سلطة حماس تتِّبع سنن سلطة فتح شبراً بشبر وذراعاً بذراع"، مما حذّر منه حزب التحرير في أكثر من مناسبة.
صحيح أن ما يتضمنه ميثاق حماس من ثوابت شرعية يقف صخرة فكرية أمام التقدم بذلك المسار، ولكن الخطورة تصاعدت مع تصاعد دعوات المقربين من حماس لإعادة صياغة الميثاق، تصدّرهم عزام التميمي على قناة الحوار، وقد عقّبت صحيفة الأخبار اللبنانية على ما وصفته بـ"ضجة حول تعديل ميثاق حماس"، بمقال بتاريخ 10/11/2014 بعنوان "خوف من تكرار تجربة منظمة التحرير..."، وذلك بعد أن بدأت أصوات كثيرين من المقربين من الحركة... "بالدعوة إلى تغيير، أو تطوير، ميثاق حماس".
وتلك الدعوة تذكّر بتصريح رئيس منظمة التحرير الفلسطينية السابق عندما علّق على الدعوة لتعديل ميثاق المنظمة بالفرنسية عام 1988، بأن الميثاق "كادوك" أي خارج عن الزمن. وقد استخدم النائب عن حماس في المجلس التشريعي، يحيى موسى، فكرة التجاوز الزمني عندما قال "تجاوزنا كثيراً مما وضع في هذه الأدبيات، نظراً إلى اعتبارات الأمر الواقع والتطورات" (الأخبار 10/11/2014).
وهنا يبرز التساؤل: هل يمكن أن تكون "الخيانة العظمى" حسب وصف ميثاق حماس ثمنا لرفع الحصار عن غزة؟ وهل يمكن أن تقبل حماس مباركتَها وسيلة لغايتها؟
إن هذا المقال يحمل نصيحة لقادة حماس ومنهم الزهار "شيخ الصقور في الحركة" وأبو الشهداء: حذار من استمرار الزحف على سكّة المنظمة، وحذار من تضييع دماء الشهداء، بدعوى تأمين لقمة العيش، وقد كان شعار حكومة حماس عند انطلاقها "الزيت والزعتر"!
رأيك في الموضوع