فلذلك نستطيع أن نقول وبالفم الملآن، إن هذه الحلول التي اتبعها الحكم في السودان والتي أشرنا إليها في المقالة السابقة هي من رحم النظام الفاسد، ولا تسمن ولا تغني من جوع، بل كل من أسس اقتصاده على هذا الأساس الظالم لا يورث شعبه إلا مزيداً من الفقر والضياع، ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
كيفية علاج الانهيار الاقتصادي في الإسلام
إن الإسلام يملك رؤية اقتصادية متكاملة وهي على تضاد تام مع الرؤية الرأسمالية في الأسس، وفي الفروع، وقد آن الأوان للأمة أن تدرك قيمة ما تملك من ثروة فكرية قبل ثروتها المادية.
إن دولة الخلافة أعطت البشرية خير مثال على العدل في توزيع الثروات، فحتى البهائم والطيور لم تجع في بلاد المسلمين، فالنظام الاقتصادي الإسلامي هو الوحيد القادر على علاج مشاكل البشرية جمعاء، فهو نظام رباني يرعى شؤون العباد خير رعاية في كل زمان ومكان.
ونقول وبالله التوفيق:
إن الحل لأي مشكلة اقتصادية في الإسلام، تتطلب إدراك واقع المشكلة ابتداءً ثم البحث في النصوص التي نزل بها الوحي، ثم استنباط الأحكام المتعلقة بتدبير شؤون المال تملكًا وتنميةً وتصرفًا، دون التأثر بأي أفكار أخرى في الاقتصاد لا تنبثق عن العقيدة الإسلامية، هذه هي الطريقة الوحيدة التي تميز الاقتصاد في الإسلام.
أولاً: فالنظام الاقتصادي الإسلامي هو الوحيد القادر على علاج مشاكل البشرية جمعاء، فتطبيق النظام الاقتصادي الصحيح هو الذي يعالج المشكلات الاقتصادية علاجاً جذرياً، وذلك لأن الإسلام فرض الرعاية على الدولة، وتوفير الحاجات الأساسية للرعايا من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وتطبيب وأمن، فإذا طبقت هذه السياسة فلا نجد أي مشكلة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.
ثانياً: أما الاقتراض من الصناديق الربوية، فباطل لأنه تعامل بالربا الذي حرمه الشرع، يقول تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)، وعن جابر: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ e آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ» رواه مسلم.
ثالثاً: ستعمل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القادمة عن قريب بإذن الله على استرجاع أراضي الجنوب فلا عبرة بخيانة الحكام، فتستعيد ثلثي ثروة السودان من بترول وغيره لينعم أهل السودان كلهم بخيراتهم الوفيرة.
رابعاً: إن الضرائب على السلع والخدمات وكذلك الجمارك، هي مال حرام لا يجوز أخذه، يقول النبي e: «لا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ»، والمسلم لا تطيب نفسه إلا إذا أُخذ المال منه على أساس الشرع، كما يقول النبي e: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ»، والمكس هو الجمارك.
إن الضرائب والجمارك تزيد الأعباء على الناس وبخاصة الفقراء، وترفع من أسعار السلع والخدمات، مما يجعل الحياة جحيماً لا يطاق، يقول النبي e: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغَلِّيَهُ عَلَيْهِمْ، كَانَ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يَقْذِفَهُ فِي مُعْظَمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه البيهقي.
خامساً: توزيع - الملكيات العامة - على أفراد الرعيّة، الذين هم المالكون لهذه الملكيات العامة، ولوارداتها. وهذا التوزيع لا يقيّد فيه الخليفة بشكلٍ معين، فله أن يوزع عليهم من أعيان الملكية العامة، كالماء، والكهرباء، والنفط، والغاز، كل ما يحتاجون إليه لاستعمالاتهم الخاصة، في منازلهم، وأسواقهم من غير ثمن. وله أن يبيعهم هذه الأعيان بسعر التكلفة فقط، أو بسعر السوق. كما أن له أن يوزع عليهم نقوداً من أرباح الملكيات العامة، يسير في كل ذلك بما يرى فيه الخير والمصلحة للرعيّة.
سادساً: يجب علينا أن لا نجعل للغرب الكافر سبيلاً على المؤمنين، حيث إن تدخل الدول الغربية الاستعمارية في شؤون بلادنا، وبسط سيطرتها عليها، من خلال المؤسسات والمنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإبرام الاتفاقيات معها، وتنفيذ الأنظمة القائمة في بلادنا لما تمليه عليها هذه المنظمات، بات واضحا لكل ذي عينين، يقول تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.
سابعاً:إن دولة الخلافة الراعية لشؤون الناس ستعمل على تفجير طاقات الناس واستغلال الثروات الزراعية والحيوانية الهائله والتي ينعم بها السودان، وتمكين الناس من استغلالها، وتمويلهم من بيت مال المسلمين. وتعمل الدولة على توفير السلع الاستراتيجية مثل القمح وغيره.
إن هذه المعالجات ليست خيالاً وإنما هي فكر يعالج واقعاً، وقد طبقت بالفعل في التاريخ الإسلامي في عهد الخلافة.
وسيعود هذا الأمر مرة أخرى بإذن الله كما ذكر رسول الله e في الحديث الصحيح: «سيكون في آخر الزمان خليفةٌ يحثو المال حثواً ولا يعده عداً» كنـز العمال.
وقد يسأل سائل: وهل تعالج الدولة الإسلامية هذه المشكلات الاقتصادية من فقر وغلاء أسعار وتحقيق تنمية حقيقية على كافة المستويات وصولا إلى الرفاه؟ فنقول: وقبل الإجابة كيف ينشأ سؤال مثل هذا من مسلم الأصل فيه أنه يؤمن بأن نظام رب العالمين يعالج مشاكل البشرية معالجة صحيحة، ألم يقرأ قول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾؟! فالغذاء موجود لا يحتاج إلا إلى الإنتاج والتوزيع وفق أحكام الشرع. فمثلاً يجوع سكان السودان، مع أن قيمة الحليب المراق على الأرض يقدر بسبعمائة مليون دولار سنوياً؟! (تقرير لقناة الجزيرة 16/6/2008م)، وكيف يجوع بلد فيه أكثر من 130 مليون رأس من الثروة الحيوانية؟! (وزارة الثروة الحيوانية)، ويجوع أهل السودان مع وجود 200 مليون فدان صالحة للزراعة أراضٍ خصبة مسطحة قلما يوجد لها مثيل في العالم، ولا نجد لها أثراً في غذائنا لسوء الرعاية وفساد النظام الرأسمالي المطبق علينا!!
الخاتمــة:إن النظام الاقتصادي في الإسلام هو جزء من أحكام نظام شامل لمعالجة جميع مشاكل الإنسان، والذي فيه خيرا الدنيا والآخرة، وفيه هدي للعباد وخيرٌ للبلاد، قال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ◊ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾. إن النظام الاقتصادي الإسلامي لا بد أن يطبق متزامنا مع كافة الأنظمة الإسلامية في الحكم والإدارة في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تنشر العدل والطمأنينة بين البشرية جمعاء.
اللهم عجل لنا بنصرك لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضنك الرأسمالية، وجورها، إلى سعة الإسلام وعدله.
بقلم: سليمان الدسيس
رأيك في الموضوع