من مخرجات القمة العربية الـ26 التي استضافتها مصر في شرم الشيخ خلال الفترة من 28 – 29 آذار/مارس 2015م برز مسعى لتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، وهو المقترح الذي تبنى الدعوة له الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بغية "التصدي للإرهاب" الذي يكاد أن يكون أبرز أهداف النظام المصري الحالي والمبرر الوحيد لوجوده واستمراره، استنادا إلى إطار قانوني متمثل في معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي التي وقعت عام 1950م، وأقرت إنشاء مجلس الدفاع المشترك للجامعة العربية بهدف تنسيق سياسة دفاعية مشتركة للجامعة، تنطلق من اعتبار أي عدوان ضد أي دولة موقعة على البروتوكول عدوانا على باقي الدول الموقعة عليه، والتي كانت تضم وقتذاك مصر وسوريا والعراق ولبنان والأردن والسعودية، بينما يستوجب تحقيق مبدأ الدفاع العربي المشترك الذي لم يلمس له أثر أبدا سوى على الورق، يستوجب اتفاق كافة الدول العربية على ذلك.
كان رؤساء الأركان العرب، قد اجتمعوا في القاهرة، يوم 22 نيسان/أبريل الماضي، وتوافقوا على أن هناك حاجة لـ"إيجاد آلية جماعية من خلال تشكيل قوة عربية مشتركة تكون جاهزة للتدخل السريع إذا ما اقتضت الضرورة ذلك"، قبل أن يجتمعوا مرة أخرى، الأحد 24 آيار/مايو، ويتفقوا على رفع "بروتوكول" تشكيل هذه القوة إلى "ترويكا رئاسة القمة العربية"، وعرضه لاحقاً على مجلس الدفاع العربي المشترك. وهذا الاتفاق من الصعوبة نجاحه بمكان نتيجة لاختلاف عمالة حكام تلك الدول بين أمريكا من جهة وبريطانيا من جهة آخرى.
فهناك عدد من الدول العربية رحبت بهذا المقترح، وهناك دول عربية كعُمان والجزائر وليبيا وسوريا والعراق تتحفظ على المبدأ، علاوة على معارضة تلك الدول تدخل قوات عربية في ليبيا أو اليمن معتبرة إياه عسكرة للخلافات السياسية. في حين تتمسك دولة مثل الجزائر برفض الفكرة تحت دعوى مكذوبة هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام إرادة الشعوب، بينما تتوجس دول عربية أخرى خيفة من الغايات الخفية لتشكيل تلك القوات وإمكانية إساءة استخدامها من قبل بعض الدول العربية ذات الثقل. وقد حرص النظام المصري على التأكيد على أن المشاركة في القوة المقترحة ستكون اختيارية، وسيأتي شكل وحجم المساهمة فيها على حسب إمكانات كل دولة، إذ أعلن أنه سيتم توزيع الأدوار على الدول العربية المشاركة في تلك القوات بحيث تعتمد على مشاركة عسكرية من الدول التي تمتلك جيوشا ومعدات، فيما ستتلقى دعما لوجستيا من الدول الأخرى.
وبرغم فشل تجربة قوات درع الجزيرة التي أسستها دول مجلس التعاون الخليجي في تشرين الثاني/نوفمبر 1982م، التي تم الغزو العراقي للكويت عام 1990م، تحت سمعها وبصرها، ما زال البعض يطالب بتشكيل قوة عربية مشتركة.
ويعد الحديث عن تشكيل مثل هذه القوة المشتركة حتى الآن مجرد كلام يصعب تحقيقه في ظل انهيار جيوش نظامية عتيدة في عدد من الدول العربية أو انزلاقها إلى أتون حرب أهلية والصراع على السلطة كسوريا والعراق وليبيا واليمن، وتواضع تعداد وتسليح جيوش بعض دول الخليج وتونس ولبنان، أو انغماس جيوش أخرى في حرب مزعومة ضد الإرهاب كالجيش المصري.
وإنها لمفارقة عجيبة أن يتم تشكيل قوة مسلحة عربية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب في حين تمارسه تلك الدول ضد شعوبها.. تلك الدول التي أخرجت الجيوش العربية من ساحة المواجهة مع العدو، وظلت قواتها رابضة في ثكناتها، واعتلى أسلحتها الصدأ.
إن مشروع القوة العربية بصورته المفترضة تلك، إذا أضيف إلى التنسيق التام والناجح بين وزراء الداخلية العرب الذين اتفقوا على تدجين الأمة والتجسس عليها ومراقبة كل حركاتها وسكناتها، إنما يبعث برسالة مفادها أنه إن كان هناك عمل عربي مشترك فهو محصور فقط في الدفاع عن الأنظمة العربية المهترئة وأمنها، وفي تنفيذ سياسات أعداء الإسلام والمسلمين، وأما مصالح الشعوب وتطلعاتها فلا وظيفة لتلك الأنظمة إلا التآمر عليها.
أما عن الدعم الأمريكي لهذه الفكرة فحدث ولا حرج، فقد جربت أمريكا عملية الزج بجنودها في أتون حروب كلفتها غاليا في المنطقة، وهي ترى الآن في مثل هذه الفكرة التي تولى كبرها رجلها الجديد في المنطقة عبد الفتاح السيسي، طوق نجاة لها، وقد أكد وزير الدفاع الأمريكي كارتر أثناء زيارة قاعدة "فورت درم" العسكرية بولاية نيويورك دعم بلاده خطط العرب لإنشاء قوة عسكرية مشتركة للتصدي للتهديدات الأمنية المتزايدة في الشرق الأوسط، وأن "البنتاغون" سيتعاون في المجالات التي تتوافق فيها المصالح الأمريكية مع المصالح العربية، لا سيما وأن عددا من المشاركين العرب لديهم بالفعل شراكات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة، كما وأن تلك القوات غير موجهة لكيان يهود البتة، بل هي عبارة عن قوات تدخل سريع لمحاربة الإرهاب المتمثل في توجه الأمة نحو إسلامها، الذي بات واضحا أنها ترنو لليوم الذي تستظل فيه بظل خلافة على منهاج النبوة.
والسؤال الجدير بأن يطرح الآن: هل ستستمر هذه القوة العربية المشتركة - إن تم تشكيلها - بعد انتهاء الصراعات الموجودة على الساحة، أم سيتم حلها؟ أم أنها ستكون مستمرة وموجودة وعلى أتم الاستعداد لتنفيذ ما يطلبه منها العم سام؟!
رأيك في الموضوع